مِنَ الخَصَائِصِ النَّبَوِيَّةِ أَنَّ اللهَ أَمَرَهُ بِتَخيِيرِ نِسَائِهِ بَينَ البَقَاءِ عِندَهُ وَبَينَ الفِرَاقِ
قال تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29) ﴾ قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: هَذَا أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ لِرَسُولِهِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، بِأَنْ يخَيّر نِسَاءَهُ بَيْنَ أَنْ يُفَارِقَهُنَّ، فَيَذْهَبْنَ إِلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ يَحصُل لَهُنَّ عِنْدَهُ الحياةُ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا، وَبَيْنَ الصَّبْرِ عَلَى مَا عِنْدَهُ مِنْ ضِيقِ الْحَالِ، وَلَهُنَّ عِنْدَ اللَّهِ فِي ذَلِكَ الثَّوَابُ الْجَزِيلُ، فَاخْتَرْنَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ وَأَرْضَاهُنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، فَجَمَعَ اللَّهُ لَهُنَّ بَعْدَ ذَلِكَ بَيْنَ خَيْرِ الدُّنْيَا وَسَعَادَةِ الْآخِرَةِ. اهـ.
وروى مسلم (1475) عن عائشة قَالَتْ: لَمَّا أُمِرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِتَخْيِيرِ أَزْوَاجِهِ، بَدَأَ بِي، فَقَالَ: «إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا، فَلَا عَلَيْكِ أَنْ لَا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ»، قَالَتْ: قَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا لِيَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ، قَالَتْ: ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 29]»، قَالَتْ: فَقُلْتُ: فِي أَيِّ هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ؟ فَإِنِّي أُرِيدُ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، قَالَتْ: ثُمَّ فَعَلَ أَزْوَاجُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ مَا فَعَلْتُ. ورواه البخاري (4786).
قال القرطبي في «تفسيره»(14/163): قَالَ الْعُلَمَاءَ: وَأَمَّا أَمْرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَائِشَةَ أَنْ تُشَاوِرَ أَبَوَيْهَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُحِبُّهَا، وَكَانَ يَخَافُ أَنْ يَحْمِلَهَا فَرْطُ الشَّبَابِ عَلَى أَنْ تَخْتَارَ فِرَاقَهُ، وَيَعْلَمَ مِنْ أَبَوَيْهَا أَنَّهُمَا لَا يُشِيرَانِ عَلَيْهَا بِفِرَاقِهِ. اهـ.
وبدأ النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة؛ لفضلِها وشرفِها.
وقد بُيِّن في حديث عمر بن الخطاب الذي رواه البخاري (2468)، ومسلم (1479) سبب تخيير النّبِيّ صلى الله عليه وسلم لنسائه واعتزالهن شهرًا؛ وذلك لإفشاء حفصة السر، كما في حديث عمر.
ويجوز لغير النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أن يخير امرأته بين البقاء والطلاق، فعَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ، عَنِ الخِيَرَةِ، فَقَالَتْ: «خَيَّرَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، أَفَكَانَ طَلاَقًا؟» رواه البخاري(5263)، ومسلم (1477).
لكن الذي هو من خصوصيات النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أن الله أمره بذلك، وغيره ليسوا بمأمورين، ولكن إذا أحب أن يخيِّر امرأته فعل.
ويدخل في هذا إذا كبرت المرأة في السن، وصارت غير مرغوبة في العشرة، فله أن يخيرها أن تصبر وتبقى ولها السكنى والنفقة، يعني: تتنازل عن بعض حقوقها أو عن حقوقها كاملة إلا أنها تبقى من غير فراق، يخيرها بين هذا وبين الفراق، وهذا كما حصل في قصة سودة بنت زمعة وأنها لما كبرت وخشيت أن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يفارقها فتنازلت عن يومها لعائشة، وفيها نزل قول الله: ﴿ وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (128) ﴾ [البقرة: 128].
هذا الحديث يفيد الجواز، ولا يقال: إن هذا ليس من الوفاء للزوجة، فهذا جائز؛ بجوازه جاء الدليل، ﴿ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾ هذا الأفضل أن تبقى وتصبر على ما قدر الله وقضى، من غير فراقٍ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: هل كان يجب على نساء النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أن يُجِبْنَ على الفور-أي: بعد السؤال مباشرة وهو التخيير- أم أن هذا على التراخي؟
استنبط الصباغ من قول النّبِيّ صلى الله عليه وسلم لعائشة: «فَلَا عَلَيكِ أَن تَستَأمِرِي أَبَوَيكِ» أن هذا يفيد التراخي لا الفورية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هَل حَرُمَ عَلَيهِ طَلَاقُهُنَّ بعد اختيار نسائه الله ورسوله والدار الآخرة؟
قوله تعالى: ﴿ لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا (52)﴾، حرم الله على النّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طلاقَ نسائه بعد أن خيرهن فاخترن الله ورسوله والدر الآخرة، ثم نُسخ بقوله تعالى: ﴿تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا(51)﴾[الأحزاب: 51].
نُسِخَ ذلكَ؛ لتكون المنةُ للنبي صلى الله عليه وسلم على نسائه؛ بأن يكرمهن بعدم طلاقهن بعد اختيارهن الله ورسوله والدار الآخرة، فكافأهن بالجزاء الحسن، وأكرمهن بعدم الفراق لهن.
فقوله تعالى: ﴿تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ ﴾ هذا فيه أن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يجوز له الطلاق بعد التخيير، لكنه لم يفعل ذلك.
ويجوز له صلى الله عليه وسلم أن يتزوج على نسائه بعد التخيير؛ لهذه الآية المذكورة: ﴿تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ﴾، ولهذا الحديث: «مَا مَاتَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أُبِيحَ لَهُ النِّسَاءُ».
ويجوز له بعد التخيير أن يفارق نساءه لهذه الآية، والمسألة مفترَضَة؛ فنساء النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قد اخترنه وانتهى الأمر، وقد توفي عن تسع نسوة ولم يطلق واحدة منهن.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هَل مِن خَصَائِصِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيهِ فِرَاقُ مَنِ اختَارَت فِرَاقَهُ؟
قولان عند الشافعية، أحدهما: يجب عليه أن يفارق من اختارت فراقه.
والقول الآخر يفارقها؛ تكرمًا منه صلى الله عليه وسلم وتفضلًا، والمسألة مفترضة فلم يحصل، فنساء النّبِيّ صلى الله عليه وسلم اخترن الله ورسوله والدار الآخرة رضي الله عنهن وأرضاهن.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المسألة هل يحل للنبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوج كتابية؟
يتزوج يهودية، أو نصرانية، مختلف في هذا، ولم يصح أن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم تزوج بكتابية؛ فنساؤه صلى الله عليه وسلم كلهن مسلمات، مؤمنات، بارات، وهن أمهات المؤمنين، كما قال ربنا: ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ﴾ [الأحزاب: 6]. والآية دليل أن أزواج النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين، والكتابية لا تكون كذلك.
وأما مارية القبطية فكانت كتابية، ولكنها سُرِّية وليست بزوجة له صلى الله عليه وسلم، وهي التي ولدت إبراهيم ابن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، ولأنها سُرية لم يعقد عليها، وقد جاء أنها أسلمت قبل وصولها المدينة، وجاء أن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم عرض عليها وعلى أختها سيرين الإسلام.
فيحرم نكاحه صلى الله عليه وسلم كتابية، وقد استُدل بحديث: «زَوجَاتِي فِي الدُّنيَا زَوجَاتِي فِي الآخِرَةِ»، والحديث ليس له أصل، وإنما جاء عن بعض الصحابة، منهم عن عمار بن ياسر قال في شأن عائشة: «وَوَاللَّهِ إِنَّهَا لَزَوْجَةُ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ابْتَلاَكُمْ، لِيَعْلَمَ إِيَّاهُ تُطِيعُونَ أَمْ هِيَ» رواه البخاري (7100)
وعَنِ القَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، أَنَّ عَائِشَةَ اشْتَكَتْ، فَجَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ: «يَا أُمَّ المُؤْمِنِينَ تَقْدَمِينَ عَلَى فَرَطِ صِدْقٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى أَبِي بَكْرٍ» رواه البخاري (3771).
بخلاف غيره من أمته فيجوز لهم نكاح الكتابية، وسيأتي هذا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حُكمُ تَسَرِّيهِ صلى الله عليه وسلم وَتَزَوُّجِهِ بِالأَمَةِ المُسلِمَةِ
الأمة: ملك اليمين، ويقال لها: السُّرِّيَّةُ يتخذها سيدها للخدمة وللجماع.
هنا عدة مسائل:
المسألة الأولى: هل يجوز للنبي صلى الله عليه وسلم نكاح الكتابية؟
فيه خلاف، والدليل أن من خصائص النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه لا ينكح كتابية أن أزواجه أمهات المؤمنين، والكتابية لا تصلح أن تكون أمًّا للمؤمنين.
وأما في حق غيره من أمته فيجوز الزواج بالكتابية؛ لقوله تَعَالَى: ﴿ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ﴾ [المائدة: 5]. فيجوز الزواج بالكتابية لكن بشرط: أن تكون محصنة –أي: عفيفة-، وأهل العلم ينبهون أن الأَولى عدم الزواج بالكتابية؛ لأنها قد تؤثر عليه وتفتنه في دينه وعقيدته، وتفسد عليه أولاده، فينبغي أن يترك الزواج بالكتابية لله سُبحَانَهُ «إِنَّكَ لَنْ تَدَعَ شَيْئًا اتِّقَاءَ اللهِ إِلَّا أَعْطَاكَ اللهُ خَيْرًا مِنْهُ» رواه أحمد (34/342)، وهو في «الصحيح المسند» (1489) لوالدي رَحِمَهُ الله.
المسألة الثانية: هل يجوز له التسري بالأمة الكتابية؟ هذا جائز كما يجوز لأمَّته وأتباعه.
المسألة الثالثة: هل يجوز للنبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوج بالأمة المسلمة؟ الأصح عند الشافعية أنه لا يباح له نكاح الأمة المسلمة.
المسألة الرابعة: هل يجوز له صلى الله عليه وسلم نكاح الأمة الكتابية؟ من خصائصه صلى الله عليه وسلم لا ينكح حُرَّةً كتابية، فتركه لنكاح الأمة الكتابية من باب أولى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مَسأَلَةٌ:
[عَدَدُ نِسَائِهِ صلى الله عليه وسلم اللَّائِي تُوُفِيَ عَنهُنَّ]
مَاتَ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامِهِ عَلَيهِ عَن تِسعِ نِسوَةٍ.
قال ابن القيم في «زاد المعاد»(1/110): وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم تُوُفِّيَ عَنْ تِسْعٍ.
روى البخاري (5068)، ومسلم (1462)عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَهُ تِسْعُ نِسْوَةٍ».
واتفق العلماء على إباحة تسع نساء للنبي صلى الله عليه وسلم.
واختلفوا فِي جَوَازِ الزِّيَادَةِ، والصَحِيحُ كما قال ابن كثير في «الفصول»:أَنَّهُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ.
ومن خصائص النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه يباح له أكثر من أربع نسوة، بخلاف أمته، قال تعالى: ﴿ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا(3)﴾ [النساء: 3].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مَسأَلَةٌ: من خصائص النّبِيّ صلى الله عليه وسلم صحة هبة المرأة نفسها له
قال الله: ﴿ إِنْ امرأة مؤمنة وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾، ولحديث الواهبة، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، جِئْتُ أَهَبُ لَكَ نَفْسِي» الحديث رواه البخاري (5087)، ومسلم (1425).
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «كُنْتُ أَغَارُ عَلَى اللَّاتِي وَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَقُولُ أَتَهَبُ المَرْأَةُ نَفْسَهَا؟» فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿تُرْجِئُ مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ﴾ قُلْتُ: مَا أُرَى رَبَّكَ إِلَّا يُسَارِعُ فِي هَوَاكَ. رواه البخاري (4788)، ومسلم (1464).
فهذا من الخصائص النبوية.
وغير نكاح الهبة يحتاج إلى مهر ﴿ وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا(4)﴾ [النساء: 4]. ويحتاج إلى ولي في العقد كما قال النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ» رواه أبو داود (2085)، وهو في «الصحيح المسند» (815) لوالدي رَحِمَهُ الله.
أما الهبة فيكفي موافقة النّبِيّ صلى الله عليه وسلم في ثبوت النكاح.
وهل قبِل النّبِيّ صلى الله عليه وسلم الواهبات؟
جاء أن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم لم يقبل ولا واحدة من الواهبات، قال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري»(8/526): لَمْ يَدْخُلْ بِوَاحِدَةٍ مِمَّنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَهُ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى إِرَادَتِهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا﴾، وَقَدْ بَيَّنَتْ عَائِشَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ سَبَبَ نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ﴾ وَأَشَارَتْ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا للنَّبِي﴾.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: هَل كَانَ يَنحَصِرُ طَلَاقُهُ فِي الثَّلَاثِ؟
الأصح عند الشافعية أنه ينحصر الطلاق بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم في الثلاث كغيره قال الله: ﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾ [البقرة]الآيات. وهذا هو
وقيل: لا ينحصر بثلاث طلقات كما لا ينحصر زواجه بالأربع وهذا تعسف؛ لعدم التلازم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مَسأَلَةٌ:
[مِن خَصَائِصِهِ صلى الله عليه وسلم أنه يُبَاحُ لَهُ التَّزَوُّجُ بِغَيرِ وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ]
هذا من خصائص النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه يباح له التزوج بغير ولي ولا شهود، لِحَدِيثِ زَينَبَ بِنتِ جَحشٍ أَنَّهَا كَانَت تَفَخَرُ عَلَى أَزوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَتَقُولُ: زَوَّجَكُنَّ أَهلُوكُنَّ، وَزَوَّجَنِي اللهُ مِن فَوقِ سَبعِ سَمَوَاتٍ. رَوَاهُ البُخَارِيُّ . وقد دخل عليها النّبِيّ صلى الله عليه وسلم مباشرة من غير إذنها، رواه الإمام مسلم (1428) عَنْ أَنَسٍ.
قال النووي رَحِمَهُ اللهُ في «شرح صحيح مسلم»(9/228): فدخل عليها بغير إذن؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى زَوَّجَهُ إِيَّاهَا بِهَذِهِ الْآيَةِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مَسأَلَةٌ: وَهَل كَانَ يُبَاحُ لَهُ التَّزَوُّجُ فِي الإِحرَامِ؟
فيه قولان:
الأول: لَا، لِعُمُومِ الحَدِيثِ الَّذِي فِي مُسلِمٍ عَن عُثمَانَ، عَن رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَنكِحُ المُحرِمُ وَلا يُنكِحُ وَلَا يَخطُبُ»
«لَا يَنكِحُ المُحرِمُ» أي: لا يتزوج وهو محرم. «وَلا يُنكِحُ» بضم الياء وكسر الكاف، أي: لا يزوج غيره.
الثاني: صحح بعضهم الجواز.
وَلَكِن يُعَارِضُهُ مَا رَوَاهُ مُسلِمٌ عَن مَيمُونَةَ نَفسِهَا: أَنَّهُ تَزَوَّجَ بِهَا وَهُمَا حَلَالَانِ، وصَاحِبُ القِصَّةِ أَعلَمُ بِهَا مِن غَيرِه.
قاعدة أصولية: صَاحِبُ القِصَّةِ أَعلَمُ بِهَا مِن الغَيرِ.
إذا وقع خلاف بين صاحب القصة وبين غيره، هذا ينفي وهذا يثبت، نأخذ بقول صاحب القصة؛ لأن صاحب القصة أعلم من غيره، والمراد إذا ثبت السند، والله الموفق.
قاعدة أصولية: المُخَاطِبُ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ مُتَعَلَّقِ خِطَابِهِ عِندَ الأَكثَرِينَ.
هذه قاعدة أنه يدخل المخاطِب-وهو المتكلم- في خطابه-أي: في كلامه-، فإذا أمر أو نهى يدخل في هذا إذا سلم من المعارض، فإذا كان هناك قرينة تدل على إخراج المخاطِب، فإنه يخرج من الخطاب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مَسأَلَةٌ: مِنَ الخَصَائِصِ النَّبَوِيَّةِ أَنَّ مَن رَغِبَ فِي نِكَاحِهَا وَجَبَ عَلَيهَا إِجَابَتُهُ
من خصوصيات النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: أنه إذا رغب في نكاح امرأة وجب عليها إجابته وليس لها أن تمتنع.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مَسأَلَةٌ: هل يجب على النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أن يقسم لنسائه أم من خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه لا يجب عليه؟
قولان في المسألة، والذي رجحه ابن كثير رَحِمَهُ اللهُ أنه يجب عليه القسم لنسائه، فعلى هذا لا خصوصية، واستدل بحديث عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أنها قَالَتْ: «إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيَتَعَذَّرُ فِي مَرَضِهِ: أَيْنَ أَنَا اليَوْمَ، أَيْنَ أَنَا غَدًا اسْتِبْطَاءً لِيَوْمِ عَائِشَةَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمِي، قَبَضَهُ اللَّهُ بَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي وَدُفِنَ فِي بَيْتِي» رواه البخاري (1389)، ومسلم (2443).
«أَيْنَ أَنَا اليَوْمَ، أَيْنَ أَنَا غَدًا» يريد يوم عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فأذِنَّ له أن يبقى في بيت عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ جميعًا.
وتقول عائشة: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يُفَضِّلُ بَعْضَنَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْقَسْمِ» رواه أبو داود (2135)، وهو في «الصحيح المسند» (1607) لوالدي رَحِمَهُ الله.
والقول الثاني: أنه لا يجب، وهذا هو الصحيح، فمن خصوصيات النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه لا يجب عليه أن يقسم لنسائه، قال الله تَعَالَى: ﴿ تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ ﴾، وأما حديث عائشة المذكور وما في معناه فهذا من ورع النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وحرصه على العدل بين نسائه، لا على سبيل الوجوب، فهذا حال النّبِيّ صلى الله عليه وسلم مع نسائه التزام العدل لا على سبيل الوجوب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مَسأَلَةٌ: هَل مِنَ الخَصَائِصِ أَنَّ مَن أَعتَقَهَا يَكُونُ عِتقُهَا صَدَاقَهَا؟
عد بعضهم من الخصائص النبوية: أنه يجوز للنبي صلى الله عليه وسلم أن يعتق الأمة ويتزوجها، ويجعل عتقها صداقها، والصحيح كما ذكر ابن القيم رَحِمَهُ اللهُ في «زاد المعاد»(1/109) أنه لا اختصاص في ذلك، فالحكم عام.