[سورة المؤمنون (23) : الآيات 23 الى 25]
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحًا إِلى قَوْمِهِ ﴾إلى قوله سبحانه: ﴿ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ (25)﴾
قال الشوكاني في «فتح القدير» (3/569): لَمَّا ذَكَرَ سُبْحَانَهُ الْفُلْكَ أَتْبَعَهُ بِذِكْرِ نُوحٍ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ صَنَعَهُ. اهـ.
يشير إلى قوله تعالى:﴿ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ﴾[ المؤمنون: ٢٢].
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحًا إِلى قَوْمِهِ ﴾قال الحافظ ابن كثير: يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى قَوْمِهِ؛ لِيُنْذِرَهُمْ عَذَابَ اللَّهِ وَبَأْسَهُ الشَّدِيدَ، وَانتِقَامَهُ مِمَّنْ أَشْرَكَ بِهِ وَخَالَفَ أَمْرَهُ وَكَذَّبَ رُسُلَهُ.
﴿أَفَلا تَتَّقُونَ﴾ أَيْ: أَلَا تَخَافُونَ مِنَ اللَّهِ فِي إِشْرَاكِكُمْ بِهِ؟
﴿الْمَلَأُ﴾ وَهُمُ السَّادَةُ وَالْأَكَابِرُ مِنْهُمْ.
﴿يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ﴾ يَعْنُونَ: يَتَرَفَّعُ عَلَيْكُمْ، وَيَتَعَاظَمُ بِدَعْوَى النُّبُوَّةِ، وَهُوَ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، فَكَيْفَ أُوحِيَ إِلَيْهِ دُونَكُمْ.
﴿وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً﴾ أَيْ: لَوْ أَرَادَ أَنْ يَبْعَثَ نَبِيًّا لَبَعَثَ مَلَكًا مِنْ عِنْدِهِ وَلَمْ يَكُنْ بَشَرًا. اهـ.
وهذه حجة المعاندين أنهم يمتنعون عن الإيمان بالرسل؛ لأنهم بشر وليسوا ملائكة، قال تَعَالَى:﴿ وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَىٰ إِلَّا أَن قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَّسُولًا﴾[ الإسراء:94 ]، وقال تعالى: ﴿ وَلَئِنْ أَطَعْتُم بَشَرًا مِّثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَّخَاسِرُونَ﴾[ المؤمنون: 34]، فكانوا يقولون: لو أرسل إلينا ملك لآمنا به، والله عز وجل أحكم وأعلم؛ ولهذا الله عز وجل يقول ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ﴾ [سورة الأنبياء: ٧] أي: من البشر وليسوا ملائكة.
قال الحافظ ابن كثير في «تفسيره»(5/ 292): وذلك من تمام نعمة اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ؛ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رُسُلًا مِنْهُمْ يَتَمَكَّنُونَ مِنْ تَنَاوُلِ الْبَلَاغِ مِنْهُمْ وَالْأَخْذِ عنهم. اهـ
فلو كان الرسل من غير جنس البشر فإنهم لا يتمكنون من أخذ الشرع عنهم والفهم، بل ولا يطيقون التلقي عنهم.
﴿مَا سَمِعْنا بِهذا﴾ قولان في المشار إليه، قال ابن كثير: أَيْ: بِبَعْثَةِ الْبَشَرِ فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ. يَعْنُونَ بهذا: أسلافهم وأجدادهم في الدهور الْمَاضِيَةَ.
وقال ابن جرير في « تفسيره » (19 / 25): وقوله: ﴿مَا سَمِعْنَا بِهَذَا﴾ أي: الذي يدعونا إليه نوح، من أنه لا إله لنا غير الله في القرون الماضية، وهي آباؤهم الأولون.
وقد ذكر القولين البغوي في «تفسيره» (٣/ ٣٦٤).
﴿إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ﴾ أي: مجنون فيما يزعمون، وهذه تهمة المعاندين رمي الرسل بالجنون والنقائص ﴿أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ﴾ [الطور: ٣٠]. ويقولون عنهم: كاهن إلى آخره؛ افتراءً، و﴿ رَجْمًا بِالْغَيْبِ ﴾[الكهف].
﴿فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ﴾ أي: انتظروا به. كما قال تعالى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ﴾ ريب المنون: الموت، أي: انتظروا موته.
من الفوائد:
_-دعوة الرسل قومهم إلى توحيد الله واجتناب الشرك.
_ التخويف بالله عز وجل.
_ تسلية الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وتعزية له أن الأنبياء قبله كذبهم قومهم، وعاندوا، وجادلوا بالباطل.
_ أن الرسل بشر.
_ سبب امتناع المشركين من الإيمان بالرسل أنهم بشر، فكانوا يحتجون على إنكار رسالة الرسل بذلك.