مسألة: نظر المصلي إلى موضع سجوده
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ، إِلَى السَّمَاءِ فِي الصَّلَاةِ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ﴾ خَفَضُوا أَبْصَارَهُمْ إلى موضع سجودهم.
هذا مرسل مع شهرته في كتب الفقه، يستدلون به على مسألة نظر المصلي إلى موضع سجوده، والشيخ الألباني رَحِمَهُ اللهُ استدل به في أصل صفة صلاة النبي ﷺ وذكر له ما يقويه، وقد ذهب إلى هذا الشافعي وأبو حنيفة وغيرهما، وقالوا: يستحب للمصلي أن ينظر إلى موضع سجوده؛ لأنه أقرب للخشوع.
وبوب الإمام البخاري في صحيحه « بَابُ رَفْعِ البَصَرِ إِلَى الإِمَامِ فِي الصَّلاةِ»، وذكر جملة من الأدلة منها: ما رواه البخاري (746) عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، قَالَ: قُلْنَا لِخَبَّابٍ أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالعَصْرِ؟، قَالَ: نَعَمْ، قُلْنَا: بِمَ كُنْتُمْ تَعْرِفُونَ ذَاكَ؟ قَالَ: «بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ».
وروى البخاري (747) عن البَرَاء: « أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا صَلَّوْا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَامُوا قِيَامًا حَتَّى يَرَوْنَهُ قَدْ سَجَدَ».
وقد ذهب الإمام مالك رحمه الله إلى أن المصلي ينظر إلى جهة القبلة؛ عملًا بالأدلة التي فيها نظر الإمام إلى جهة القبلة.
وقد جمع الحافظ ابن حجر رحمه الله في «فتح الباري» شرح تبويب حديث (7640) بين الأدلة، وقال: وَيُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ، فَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ النَّظَرُ إِلَى مَوْضِعِ السُّجُودِ، وَكَذَا لِلْمَأْمُومِ إِلَّا حَيْثُ يَحْتَاجُ إِلَى مُرَاقَبَةِ إِمَامِهِ، وَأَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْإِمَامِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ.
وهذا ما ذهب إليه الشيخ الألباني رحمه الله في «أصل صفة صلاة الرسول ﷺ»(1/ 233).
فعرفنا من هذا: أن المصلي ينظر إلى موضع سجوده كما في مرسل ابن سيرين.
وإذا احتاج المأموم أن ينظر إلى الإمام لمراقبة أفعاله وتعلم أحكام الصلاة منه فهذا يدل له فعل الصحابة رضي الله عنهم.
أو للحاجة فلا بأس للمصلي أن ينظر إلى غير موضع سجوده. فعَنْ سَهْلِ ابْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ، قَالَ: «ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ – يَعْنِي: صَلَاةَ الصُّبْحِ -، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَهُوَ يَلْتَفِتُ إِلَى الشِّعْبِ»، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «وَكَانَ أَرْسَلَ فَارِسًا إِلَى الشِّعْبِ مِنَ اللَّيْلِ يَحْرُسُ» رواه أبو داود (916)، وهو في «الصحيح المسند»( 462) لوالدي رَحِمَهُ اللهُ.
فعند الحاجة لا بأس أن ينظر إلى غير موضع سجوده ولو لم يكن مأمومًا.