جديد المدونة

جديد الرسائل

الجمعة، 4 مارس 2022

(2) اختصار درس التفسير

 

[سورة المؤمنون (23) : الآيات 1 الى 11]

﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) ﴾إلى قوله: ﴿ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ (11)﴾

__________

قوله تَعَالَى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ﴾:

 

 ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾: أَيْ: قَدْ فَازُوا وَسَعِدُوا وَحَصَلُوا عَلَى الْفَلَاحِ، وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ الْمُتَّصِفُونَ بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ.

﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ أي:  خَائِفُونَ سَاكِنُونَ. كما في تفسير ابن كثير.

والخشوع محله في القلب، قال تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16)﴾[الحديد].

 ومن أدعية النبي ﷺ: « اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا» رواه مسلم (2722) عن زيد بن أرقم.

قال ابن القيم رحمه الله في «مدارج السالكين» (1 / 517): وَأَجْمَعَ الْعَارِفُونَ عَلَى أَنَّ الْخُشُوعَ مَحَلُّهُ الْقَلْبُ، وَثَمَرَتُهُ عَلَى الْجَوَارِحِ، وَهِيَ تُظْهِرُهُ.

وقال ابن القيم رحمه الله في تعريف الخشوع (1/516) قبل ذلك: وَالْخُشُوعُ: قِيَامُ الْقَلْبِ بَيْنَ يَدَيِ الرَّبِّ بِالْخُضُوعِ وَالذُّلِّ، وَالْجَمْعِيَّةِ عَلَيْهِ. ا هـ .

وخشوع الجوارح على حسب ما في القلب؛ فإذا خشع القلب خشعت الجوارح، روى الإمام مسلم (771)  عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ في دعاء الركوع: قال النّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفيه: وَإِذَا رَكَعَ، قَالَ: «اللهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، خَشَعَ لَكَ سَمْعِي، وَبَصَرِي، وَمُخِّي، وَعَظْمِي، وَعَصَبِي».

وقد قيل: الظاهر عنوان الباطن، فإذا وقع الخشوع في القلب ظهر الخشوع على الجوارح من حيث السكون وقلة الحركة وعدم الالتفات...

ومن ثمار خشوع القلب: غض البصر، وخفض الجناح- وهو: التواضع- ﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾[الحجر].

وقد دلت هذه الآية الكريمة: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (2)﴾  أن الخشوع من أسباب الفلاح، وهذه صفة عظيمة من صفات الأنبياء، ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾[الأنبياء].

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾ أَيْ: «عَنِ الْبَاطِلِ، وَهُوَ- أي: اللغو- يَشْمَلُ:

 الشِّرْكَ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ.

 وَالْمَعَاصِي كَمَا قَالَهُ آخَرُونَ.

 وَمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرامًا﴾ [الْفَرْقَانِ: 72]، قَالَ قَتَادَةُ: أَتَاهُمْ وَاللَّهِ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مَا وقفهم عَنْ ذَلِكَ. اهـ من تفسير الحافظ ابن كثير.

فقوله سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾ يشمل اللغو:  الشرك والمعاصي وما لا فائدة فيه من الأقوال والأفعال، فعلى هذا القليل من يسلم من اللغو؛ لأن هذا التعريف يشمل التصرفات من الأقوال والأفعال التي ليس من ورائها فائدة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ﴾ الْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالزَّكَاةِ هَاهُنَا زَكَاةُ الْأَمْوَالِ، مَعَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ، وَإِنَّمَا فُرِضَتِ الزَّكَاةُ بِالْمَدِينَةِ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الَّتِي فُرِضَتْ بِالْمَدِينَةِ إِنَّمَا هِيَ ذَاتُ النُّصُبِ وَالْمَقَادِيرِ الْخَاصَّةِ، وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ أَنَّ أَصْلَ الزَّكَاةِ كَانَ وَاجِبًا بِمَكَّةَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ﴾ [الْأَنْعَامِ: 141]، وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالزَّكَاةِ هَاهُنَا زَكَاةُ النَّفْسِ مِنَ الشِّرْكِ وَالدَّنَسِ، كَقَوْلِهِ: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها﴾ [الشَّمْسِ: 9- 10]، وَكَقَوْلِهِ: ﴿وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ﴾ [فُصِّلَتْ: 6- 7] على أحد القولين في تفسيرهما، وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كِلَا الْأَمْرَيْنِ مُرَادًا وَهُوَ زَكَاةُ النُّفُوسِ وَزَكَاةُ الْأَمْوَالِ؛ فَإِنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ زَكَاةِ النُّفُوسِ، وَالْمُؤْمِنُ الْكَامِلُ هُوَ الَّذِي يفعل هَذَا وَهَذَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. تفسير ابن كثير.

فقوله سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ﴾ (الْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالزَّكَاةِ هَاهُنَا زَكَاةُ الْأَمْوَالِ)، لكنه يشكل على هذا أن فرض الزكاة كان في الْمَدِينَةِ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ مِنَ الْهِجْرَةِ، وأجاب عن هذا الحافظ ابن كثير بقوله: ( وَالظَّاهِرُ أَنَّ الَّتِي فُرِضَتْ بِالْمَدِينَةِ إِنَّمَا هِيَ ذَاتُ النُّصُبِ وَالْمَقَادِيرِ الْخَاصَّةِ، وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ أَنَّ أَصْلَ الزَّكَاةِ كَانَ وَاجِبًا بِمَكَّةَ.

 ثم قال الحافظ ابن كثير: وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالزَّكَاةِ هَاهُنَا زَكَاةُ النَّفْسِ مِنَ الشِّرْكِ وَالدَّنَسِ، كَقَوْلِهِ: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها﴾ [الشَّمْسِ: 9- 10]، وَكَقَوْلِهِ ﴿وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ﴾ [فُصِّلَتْ: 6- 7] على أحد القولين في تفسيرهما

ويحتمل أن الآية تشمل زكاة الأموال وزكاة النفوس، وَالْمُؤْمِنُ الْكَامِلُ هُوَ الَّذِي يفعل هَذَا وَهَذَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

__________

قوله سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (7)﴾

 قال الحافظ ابن كثير: أَيْ: وَالَّذِينَ قد حفظوا فروجهم من الحرام فَلَا يَقَعُونَ فِيمَا نَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ زنا ولواط، لا يَقْرَبُونَ سِوَى أَزْوَاجَهُمُ الَّتِي أَحَلَّهَا اللَّهُ لَهُمْ، أو ما مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ مِنَ السَّرَارِيِّ، وَمَنْ تَعَاطَى مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ فَلَا لَوْمَ عَلَيْهِ وَلَا حَرَجَ.

﴿فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ﴾ أَيْ غَيْرَ الْأَزْوَاجِ وَالْإِمَاءِ.

﴿فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ﴾ أَيِ: الْمُعْتَدُونَ. اهـ.

الإمام ابن العربي في تفسيره يذكر أن هذه الآيات ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ (4)﴾ للرجل والمرأى عدا ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (5) إِلاَّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (7)﴾ عامة للرجل والمرأة إلا حفظ الفرج فإنه خاص بالرجل، وذكر أن حكم المرأة في تحريم الزنا استفدناه من دليل آخر في إحصان المرأة في قوله تَعَالَى:  ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: 24]

هذا معنى كلامه، وقد نقله عنه القرطبي في «تفسيره»، وهو موجود في كتابه « أحكام القرآن »(3/ 314).

وجاء أثر عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ امْرَأَةً اتَّخَذَتْ مَمْلُوكَهَا وَقَالَتْ: تأَوَّلْتُ آيَةً مِنْ كِتَابِ الله أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فأتى بها عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَالَ لَهُ نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَأَوَّلَتْ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عز وجل عَلَى غَيْرِ وَجْهِهَا، قَالَ: فَغَرَّبَ الْعَبْدَ وَجَزَّ رَأْسَهُ، وَقَالَ: أَنْتِ بَعْدَهُ حَرَامٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ.

 قال ابن كثير عقبه: هَذَا أَثَرٌ غَرِيبٌ، مُنْقَطِعٌ.

 ونستفيد من هذا: أن قتادة لم يسمع من عمر بن الخطاب، ووصفُه بالغرابة يدل أن الأثر ضعيف. وهذا الأثر مشهور في كتب الفقه أن المرأة لا تمكن مملوكها بالاستمتاع بها ومن الوطء، لكن ليس كل مشهور يدل على ثبوته.

 وقد قال القرطبي في تفسير سورة المؤمنون رقم الآية (16): فَلَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ أَنْ يَطَأَهَا مَنْ تَمْلِكُهُ إِجْمَاعًا مِنَ الْعُلَمَاءِ. اهـ.

أما كشف المرأة وجهها عند غلامها فهذا قد دل لجوازه قوله تعالى: ﴿ لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ﴾[الأحزاب].

وعَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أَتَى فَاطِمَةَ بِعَبْدٍ قَدْ وَهَبَهُ لَهَا قَالَ وَعَلَى فَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ثَوْبٌ إِذَا قَنَّعَتْ بِهِ رَأْسَهَا لَمْ يَبْلُغْ رِجْلَيْهَا وَإِذَا غَطَّتْ بِهِ رِجْلَيْهَا لَمْ يَبْلُغْ رَأْسَهَا، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ مَا تَلْقَى قَالَ: «إِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكِ بَأْسٌ إِنَّمَا هُوَ أَبُوكِ وَغُلَامُكِ» رواه أبو داود(4106).

ونستفيد: تحريم الاستمناء على الرجل والمرأة، وكما قال تعالى: ﴿ وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ [النور: 33]، ويقول النَّبِيَّ َﷺ «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ، فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ». متفق عليه عن ابن مسعود.

وينظر رسالة والدي «بلوغ المنى على تحريم الاستمناء» رد بها على الشوكاني رَحِمَهُ اللهُ إذ يقول بالجواز.

وأما حديث « سَبْعَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَيَقُولُ ادْخُلُوا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ: الْفَاعِلُ، وَالْمَفْعُولُ بِه والناكح يَدِهِ » فهذا حديث ضعيف.

والاستمناء فيه مضار دينية و مضار صحية، والله أعلم.

_________

 

قوله سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ﴾أَيْ: إِذَا اؤْتُمِنُوا لَمْ يَخُونُوا، بَلْ يُؤَدُّونَهَا إِلَى أَهْلِهَا، وَإِذَا عَاهَدُوا أَوْ عَاقَدُوا أَوْفَوْا بِذَلِكَ لَا كَصِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وإذا اؤتمن خَانَ».

وقوله سبحانه:﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ﴾ أَيْ: يُوَاظِبُونَ عَلَيْهَا فِي مَوَاقِيتِهَا.

 فعن ابن مسعود: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَلَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ «الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا». قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ «بِرُّ الْوَالِدَيْنِ». قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ». أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ. اهـ من تفسير ابن كثير.

 والمحافظة على الصلاة أعم من المحافظة على وقتها؛ فهي تشمل أيضًا المحافظة على خشوعها وطمأنينتها...، فالمحافظة أعم.

قال ابن كثير: وَقَدِ افْتَتَحَ اللَّهُ ذِكْرَ هَذِهِ الصِّفَاتِ الْحَمِيدَةِ بِالصَّلَاةِ وَاخْتَتَمَهَا بِالصَّلَاةِ، فَدَلَّ عَلَى أَفْضَلِيَّتِهَا كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمُ الصَّلَاةُ، وَلَا يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ». اهـ.

هذه صفات أهل الجنة، وقد افتتح الله سبحانه صفات المفلحين في هذه السورة بالصلاة ﴿ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (2)﴾، واختتمها بالصلاة ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ(9) ﴾، وهذا دليل على أفضلية الصلاة، وهذا كما قال النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: « وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمُ الصَّلَاةُ». 

وقوله سبحانه: ﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11)﴾ هذا جزاء أصحاب هذه الصفات، أنهم ورثة الجنة، نسأل الله أن يجعلنا من أهلها.

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «ما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَلَهُ مَنْزِلَانِ: مَنْزِلٌ فِي الْجَنَّةِ، وَمَنْزِلٌ فِي النَّارِ، فَإِنْ مَاتَ ودخل النَّارَ وَرِثَ أَهْلُ الْجَنَّةِ مَنْزِلَهُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ:﴿أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ﴾») الحديث ذكره والدي في «الجامع الصحيح» (620).

والسبب في إرث المؤمنين منازل الكفار في الجنة، قال ابن كثير: فالمؤمنون يرثون منازل الكفار؛ لأنهم خلقوا لعبادة الله تعالى وحده لا شريك له، فَلَمَّا قَامَ هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنُونَ بِمَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْعِبَادَةِ، وَتَرَكَ أُولَئِكَ مَا أُمِرُوا بِهِ مِمَّا خُلِقُوا لَهُ، أَحْرَزَ هَؤُلَاءِ نَصِيبَ أُولَئِكَ لَوْ كَانُوا أَطَاعُوا رَبَّهُمْ عَزَّ وَجَلَّ.