جديد المدونة

جديد الرسائل

الخميس، 24 سبتمبر 2020

اختصار الدرس السابع والعشرين من دروس التبيان في آداب حملة القرآن


من آداب المتعلم في درسه ومع رفقته وحاضري الشيخ:

التأدب مع الرفقة

هذا من آداب الصحبة، فعليه الطالب أن يراعي حقوق الصحبة في مجلس الدرس، وأن يشفق على رفيقه، وأن يكون جميل الأخلاق معه، ويتقى مساءته، ويكف أذاه عنه،وألَّا يحسدَه ويحقد عليه،وأن يكون قلبه نقيًّا  صافيًا عليه،ومن الخطأ أن يكون الطالبُ جليسًا لأخيه وزميله، وبين يدي شيخ واحد،واتجاهٍ واحدٍ وهو طلب العلم والدار الآخرة،ومع ذلكَ يكيد لأخيه وقلبه مليءٌ عليه بالحقد، هذه مصيبة يحرص عليها الشيطان، ليوقع طلاب العلم في الفتنة، وليشغلهم عن التحصيل، والله المستعان.

وعلل لهذا أيضًا الأدب النووي، وقال: (فَإِنَّ ذَلِكَ تَأَدُّبٌ مَعَ الشَّيخِ وَصِيَانَةٌ لِمَجلِسِهِ) سبحان الله! الأدب مع الرفيق يعد تأدبًا مع الشيخ واحترامًا وإجلالًا للشيخ وصيانةً لمجلسه من الفوضى.

فينبغي التأدب بهذا ليكون طالب العلم من المحسنين،النّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ»رواه مسلم (1955) عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ

وليكون من خير الأصحاب عند الله ،روى الترمذي في «سننه» (1944) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُ الأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ، وَخَيْرُ الجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ» وهو في «الصحيح المسند»  (793) لوالدي رَحِمَهُ الله.

 فالإحسان إلى الرفيق سعادة، ومن مكارم الأخلاق، وتوفيق من الله سبحانه، والإخلال به حرمان وخسران.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

القعود بين يدي الشيخ قِعدة المتعلمين

من الأدب أن يجلس الطالب جلوسَ المؤدب، وقد ذكر هذا الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد في «حلية طالب العلم» (162)، وقال: فليكنْ شيخُك مَحَلَّ إجلالٍ منك وإكرامٍ وتقديرٍ وتَلَطُّفٍ، فخُذْ بِمَجَامِعِ الآدابِ مع شيخِك في جلوسِك معه، والتحَدُّثِ إليه. اهـ.

قال الشيخ ابن عثيمين في «شرح حلية طالب العلم»(117): وهذا صحيح،اجلس جلسة المتأدب،يعني: مثلًا لا تمد رجليك ولا يديك لأن هذا سوء أدب،ولا تجلس متكئًا،هذا أيضًا سوء أدب لا سيما في مكان الطلب،أما إذا كنت في مكان جلوس عادي فالأمر أهون. اهـ.

ومن حسن الجلوس بين يدي المعلم:

- السكوت، فلا يتكلم لغير حاجة.

-أن يشعرَ بأنه طالبٌ  يحتاج إلى العلم  أكثر مما يحتاج إلى الكلام ،كان هناك طالب في صدر مجلس والدي رَحِمَهُ الله في دروسه العامة،وكان ذلك الطالب يتكلم وكأنه المعلم، فغضب مرةً والدي رحمه الله وكان الدرسُ في «الصحيح المسند من دلائل النبوة»، وقال له:اجلس جلسة المتعلمين، وإلا قم هناك، يعني:بعيدًا في آخر الحلقة.

-حُسْنُ هَيْئَتِهِ وعدم تكشفه، وقد رأى والدي رَحِمَهُ الله جالسًا في حلقتِه وعنده بعض التكشف، فقال له: يا فلان، اجلس جِلسة طالب العلم.

- ألا يجلس في مكان مرتفع أعلى من شيخه.

-عدم الاستناد إلى جدار أو نحوه من غير حاجة كوجعِ الظَّهْرِ .قال الخطيب في «الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع»:(وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَقْعَدُ الطَّالِبِ مِنَ الْمُحَدِّثِ بِمَنْزِلَةِ مَقْعَدِ الصَّبِيِّ مِنَ الْمُعَلِّمِ) ثم ساق بسنده (343) عَنْ حَمْدَانَ بْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ شَرِيكٍ فَأَتَاهُ بَعْضُ وَلَدِ الْمَهْدِيِّ، فَاسْتَنَدَ إِلَى الْحَائِطِ وَسَأَلَهُ عَنْ حَدِيثٍ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ، فَأَعَادَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ، فَقَالَ: كَأَنَّكَ تَسْتَخِفُّ بِأَوْلَادِ الْخِلَافَةِ، قَالَ: لَا، وَلَكِنَّ الْعِلْمَ أَزْيَنُ عِنْدَ أَهْلِهِ مِنْ أَنْ يُضَيِّعُوهُ، قَالَ: فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ سَأَلَهُ، فَقَالَ شَرِيكٌ: هَكَذَا يُطْلَبُ الْعِلْمُ. والأثر صحيح.

وقد بوب لهذه المسألة البخاري في كتاب العلم من «صحيحه»، وقال: (بَابُ مَنْ بَرَكَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ عِنْدَ الإِمَامِ أَوِ المُحَدِّثِ) ثم أخرج حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ الحديث وفيه «فَبَرَكَ عُمَرُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ: رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيًّا فَسَكَتَ».

 وجاء ذلك عن جمعٍ من السلف،منهم وكيع بن الجراح: قال محمود بن آدم المروزي: ما رأيت وكيعًا عند ابن عيينة قط إلا جاثيًا بين يديه على ركبتيه ساكتًا لا يتكلم. رواه ابن أبي حاتم في «مقدمة الجرح والتعديل»(50).

والأمر واسع سواءً جلس على هذه الكيفية أو غيرها، ولكن يبتعد عما يعد سوء أدب من الجلسات التي لا تليق في أثناء الدرس، والله أعلم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عدم الضحك

 روى أبو نعيم في «الحلية الأولياء» (9/ 6) عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ، يَقُولُ، وَضَحِكَ رَجُلٌ فِي مَجْلِسِهِ وَسَمِعَهُ، فَقَالَ: «مَنْ الَّذِي يَضْحَكُ؟» فَأَعَادَ مِرَارًا، فَأَشَارُوا إِلَى رَجُلٍ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ: «تَطْلُبُ الْعِلْمَ، وَأَنْتَ تَضْحَكُ؟ مَرَّتَيْنِ. لَا حَدَّثْتُكُمْ شَهْرَيْنِ». فَقَامَ النَّاسُ، فَانْصَرَفُوا، وَلَا أَعْلَمُ أَنِّي رَأَيْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ ضَاحِكًا شَدِيدًا بِقَهْقَهَةٍ إِلَّا التَّبَسُّمَ، فَإِنْ خَشِيَ عَلَيْهِ أَنْ يَغْلِبَهُ أَمْسَكَ عَلَى فَمَهِ. والأثر ثابت.

أما إذا ضحك المعلم فلا بأس به، وذات مرة في جلسة علمية لوالدي رَحِمَهُ الله: رأى واحدًا يضحك، فقال له: لا تضحك إلا إذا ضحك الناس.

 

ألا يكثر من الكلام إلا لحاجة

من الأدب أن الطالب يكون ساكنًا ساكتًا مصغيًا لكلام شيخه ولا يتكلم إلا لحاجة ، أخرج البخاري (121)، ومسلم (65)عَنْ جَرِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ: «اسْتَنْصِتِ النَّاسَ» فَقَالَ: «لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ».

ومن أخلَّ بهذا الأدب فقد أحرم نفسَه خيرًا كثيرًا،قال ابن القيم في «مفتاح دار السعادة»(483):من الناس من يُحْرَمُ العلم لسوء إنصاته، فيكونُ الكلامُ والممارات آثَر عنده من حُسْن الاستماع. وهذه آفةٌ كامنةٌ  في أكثر النفوس الطالبة للعلم، وهي تمنعهم علمًا ولو كان حَسَنَ الفهم..الخ.

وذكر الشيخ بكر بن عبدالله أبو زيد في «حلية طالب العلم»(162)في آداب الطالب: عدم الإكثار من الكلام عند الشيخ، قال الشيخ ابن عثيمين معلِّقًا على هذا في«شرح الحلية طالب العلم»(118): إكثار الكلام عنده فيه تفصيل، فالمجالس تختلف إذا كان مجلس علم ومجلس جِدٍّ فلا تكثر، لكن إذا كان مكان نزهة فهذا لا بأس أن يأتي أحد ويكثر الكلام ويوسع صدر الشيخ وصدر الحاضرين ليس فيه مانع. اهـ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عدم العبث والالتفات

من الأدب التحلي بالسكينة والوقار، فلا يعبث بيده ولا برجله ولا غير ذلك. وأن يقبل على شيخه ولا يلتفت لغير حاجة.

وقد كان الصحابة رضي الله عنهم عند تلقيهم العلم في غاية السكينة والخشوع ،ولا يتحركون لغير حاجة روى البخاري (2842) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، الحديث وفيه:«وَسَكَتَ النَّاسُ كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِهِمُ الطَّيْرَ».

قال ابن الأثير في «النهاية» (3/ 150): وصَفَهم بالسُّكون والوَقَار، وَأَنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ طَيْشٌ وَلَا خِفَّةٌ، لِأَنَّ الطَّيْر لَا تَكَادُ تَقَعُ إِلَّا عَلَى شيءٍ سَاكِن. اهـ.

وكذلك كانت مجالس السلف ممن بعدهم حتى كأنهم في صلاة أخرج ابن أبي حاتم رَحِمَهُ الله في «مقدمة الجرح والتعديل» (ص257): نا أحمد بن سنان، قال: كان عبد الرحمن بن مهدي لا يُتحدث في مجلسه ولا يُبْرَى قلمٌ ولا يُبتَسم ولا يقوم أحد قائمًا كأن على رءوسهم الطير، وكأنهم في صلاة. فإن رأى أحدًا منهم تبسم أو تحدث أو يضحك أو يبرى قلمًا، لبس نعله وخرج.

وأهل العلم ينبِّهون الطالب على الابتعاد عن الالتفات في الدرس وأن يقبِل على شأنِه.

ثبت عن مسعر بن كدام قال: كُنْتُ فِي حَلْقَةٍ فَجَعَلْتُ أَلْتَفِتُ إِلَى حَلْقَةٍ أُخْرَى، فَقَالَ لِي رَجُلٌ مِنْهُمْ: مَا فَاتَكَ مِنَ الْعِلْمِ أَكْثَرُ. رواه الخطيب في «الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع» (348).

 

الإصغاء:

الإصغاء هو:الاستماع، والمراد يلقي الطالب سمعه ويحضر ذهنه ويلزم السكوت، وبذلك يستفيد الطالب ويفهم ما يلقيه عليه شيخه، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)﴾[ق]. شهيد:أي: قلب حاضر.

فلا يكون الطالب بجسمه فقط بل بقلبه وقالَبه.قال ابن القيم في «مفتاح دار السعادة»(169):صاحبُ القلب لا ينتفعُ بقلبه إلا بأمرين:

 أحدهما:أن يُحْضرَه ويُشْهِدَه لما يُلقى إليه، فإذا كان غائبًا عنه مسافرًا في الأماني والشهوات والخيالات لا ينتفعُ به.

(الثاني):إذا أَحْضَرَه وأَشْهَدَه لم ينتفع إلا بأن يلقي سمعه ويصغي بكلِّيَّته إلى ما يُوعَظُ به ويُرْشَدُ إليه.

وها هنا ثلاثةُ أمور:

أحدها: سلامةُ القلب وصحتُه وقبولُه.

الثاني: إحضارُه وجَمْعُه ومنعُه من الشُّرود والتفرُّق.

الثالث: إلقاءُ السمع وإصغاؤه والإقبالُ على الذكر.

فذكرَ اللهُ تعالى الأمورَ الثلاثة في هذه الآية.اهـ

وقد كان والدي الشيخ مقبل رحمه الله يتفقد طلابَه في الدرس ويحرص على إحضار أذهانهم،فلهذا يسأل الطالب فجأة عن بعض ما ذكره لهم ،مما يُحَفِّزُ الطالبَ على الانتباه وعدم شرود ذهنِهِ.وربما قال للذي شرد ذهنه:سافرتَ سفرًا قريبًا أم بعيدًا،وربما ودَّعه وقال:أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك.