الاستغفار
لا ننسى الاستغفار في هذه الأيام المباركة، لآبائنا وأمهاتنا وأقاربنا فلهم حق علينا، وخاصة الأبوين؛ نبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يقول: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» رواه مسلم.
والاستغفار من الدعاء، ونص النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ على الولد الصالح؛ لأنه هو الذي يعرف حقَّ أبويه، ولا ينسى معروف أبويه، وهذا من الوفاء لهم، فنسأل الله أن يرحمهم وأن يغفر لهم، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم.
وأنبِّه أن من الوفاء بين الزوجين الاستغفار لبعضهما لبعض، ومن سبق بالوفاة فينبغي لمن بقيت له حياة بعده أن يستغفر له، وهذا من الوفاء بين الزوجين، وقد جاء أن المقريزي -أحد العلماء- تزوج بفتاة وأنجبت له محمدًا وعليًّا، ثم توفيت رحمها الله، واسمها سفرى بنت عمر، قال زوجها: فكنت أستغفر لها، فرأيتها مرة في المنام، جاءت إليَّ بأكفانها التي كفنتها فيها، وأنا أعلم أنها ميتة، فقلت لها: يا أم محمد، أيصلك هديتي؟ قالت: نعم، في كل يوم تصل هديتك إليَّ. ثم بكت وقالت: قد علمتَ أني عاجزة عن مكافأتك. فقلت لها: لا عليكِ، عما قليل ونلتقي. ينظر «درر العقود الفريدة»(2/99).
صحيح عمَّا قليل ونلتقي إن شاء الله، نسأل الله أن يجمعنا في دار كرامته، دار النعيم والسلام.
فهكذا هذه الحياة الدنيا، هذا يتقدم، وهذا يتأخر، سُنَّة الله في خلقه، فهم السابقون ونحن اللاحقون، والموت يتغدى ويتعشى، فمن سبقنا من أهالينا وأحبابنا الله أعلم كم بقاؤنا بعدهم؟ كلنا صائرون إلى الموت ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27)﴾ [الرحمن].
وها نحن في الثلث الثاني من رمضان، والله أعلم هل ندرك رمضان إلى آخره أم لا؟ وإن أدركنا رمضان كله هل ندرك رمضان آخر أم لا؟
فنحن لم نخلق للبقاء في الحياة الدنيا، إنما أوجدنا الله عَزَّ وَجَل فيها؛ اختبارًا وابتلاءً، ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)﴾ [الملك]. ليس أكثر أولادًا، أكثر تجارة، أكثر أموالًا، أكثر نساءً ﴿ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾.
رب اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب.