جديد المدونة

جديد الرسائل

الجمعة، 15 مايو 2020

(9)مواعظ رمضان

        بعضُ المحفِّزات على الاجتهاد في العشر الأواخر

تقول أخت لنا:ماذا تنصحينني بعمله في هذه الأيام الفاضلة لأنه يحصل فتور عن الطاعة؟

الجواب

أذكِّر نفسي وإياكِ وكلَّ من يطلع على هذه الرسالة بما يلي:

أن نعلم أن هذه أيامٌ لا تُعوَّض،أيام موسم من مواسم الخير والسعادة،لا يفرِّطُ فيها إلا محروم. قال ابن رجب في لطائف المعارف(15):السعيد من اغتنم مواسم الشهور والأيام والساعات، وتقرب فيها إلى مولاه بما فيها من وظائف الطاعات، فعسى أن تصيبه نفحة من تلك النفحات،فيسعد بها سعادة يأمن بعدها من النار وما فيها من اللفحات.

أن نستعيذ بالله من العجز والكسل،كما كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول:«اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ، وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ، وَالْبُخْلِ، وَالْهَرَمِ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ ،اللهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا، اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا» رواه مسلم (2722)عن زيد بن أرقم.

وما أكثر حِرْمان الخير بسبب العجز والكسل،وفرقٌ بين العجز والكسل.

العجز:ليس فيه قدرة على الفعل بسبب مرض أو ضعف أو كِبَر سنٍّ.

الكسل:ترك الخير والمصالح بسبب الفتور.فهو قادر لكنه كسلان.وهذا أشد حرْمانًا من العجز. قال ابن القيم في «زاد المعاد»(2/326):  اسْتَعَاذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمَا-العجز والكسل-، وَهُمَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ، وَيَصْدُرُ عَنْهُمَا الْهَمُّ، وَالْحَزَنُ وَالْجُبْنُ، وَالْبُخْلُ وَضَلَعُ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةُ الرِّجَالِ، فَمَصْدَرُهَا كُلُّهَا عَنِ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ.

أن نلازم  الذكر والاستغفار ففيهما تنشيطٌ للنفس على الخير وقوة على الطاعة.

القراءة أو سماع صوتيات في فضائل هذا الشهر العظيم ولا سيما العشر الأواخر منه،وهذا مما يحفِّز النفوس ويقوِّي عزائمها،فقد قال ربنا سبحانه:﴿وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73)﴾،أي: لا يقابلونها بالإعراض،وهذا يثمر لهم زيادة الإيمان والنشاط والسرور،كما قال ربنا في الآية الأخرى:﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2)﴾.

الحرص على الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم،فقد كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها،وكان يعتكف في العشر الأواخر ليتفرغَ تفرُّغًا تامًّا وينقطع عن الشواغل،ويحيي لياليها بالعبادة والقيام والذكر وقراءة القرآن والابتهال والتضرع إلى الله.

فهذا هدي قدوتنا وأُسوتنا الكريم الذي اتباعه سعادة ونجاة من الهلاك والشر.

الجليس الصالح عون على حياة القلب وصلاحه وعلى الطموحات العالية،ولهذا ربنا عزوجل يقول:﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ﴾[الكهف:28].

الاطلاع على شيءٍ من حياة سلفنا الصالح في رمضان،وكيف كانوا مسابقين مقبلين على العبادة،وأحدهم يختم المصحف في رمضان مرارًا،وفي نهار رمضان يحافظون على صيامهم من نقص الأجر والفساد،قَالَ الإمام أَحْمَدُ: يَنْبَغِي لِلصَّائِمِ أَنْ يَتَعَاهَدَ صَوْمَهُ مِنْ لِسَانِهِ، وَلَا يُمَارِي، وَيَصُونَ صَوْمَهُ، كَانُوا إذَا صَامُوا قَعَدُوا فِي الْمَسَاجِدِ، وَقَالُوا: نَحْفَظُ صَوْمَنَا. وَلَا نغْتَابُ أَحَدًا.المغني مسألة (2142).

معرفة أن التفريط في هذه العشر الأواخر خسارة كبيرة،ولا سيما ليلة القدر التي فيها يقول سبحانه:﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)﴾،والْأَلْف شَهْرٍ عِبَارَةٌ عَنْ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً وَأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ،كما في تفسير ابن كثير.

فالسِّباقَ السِّبَاقَ قبل غلق أبواب الجنة المفتحة ،وقبل فتح أبواب النيران وانتشار دوافع الشر،كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ».

 وقبل فوات هذا الموسم العظيم وهذه الليالي والأيام المباركة.

وقبل فوات ليلة القدر.قال ربنا عزوجل:﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26)﴾.  

اللهم اكتب لنا قيام ليلة القدر واجعلنا من الفائزين ولا تجعلنا من المحرومين.