وقد اختلف العلماء في نبوة إخوة يوسف .
على قولين :
القول الأول : إخوة
يوسف ليسوا بأنبياء .
قال السيوطي في
رسالته (دَفْعُ التَّعَسُّفِ عَنْ إِخْوَةِ يُوسُفَ) وهي ضمن الحاوي (1/370):الَّذِي
عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ سَلَفًا وَخَلَفًا أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ،
أَمَّا السَّلَفُ فَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ
قَالُوا بِنُبُوَّتِهِمْ - كَذَا قَالَ ابن تيمية .
القول الثاني :إخوة
يوسف أنبياء .
واستدل أهلُ القول الثاني بقوله
تعالى {وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ
وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ} .
وبقوله تعالى (قُولُوا آمَنَّا
بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ
وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ) .
وبقوله تعالى(إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ
وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ
وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ).قالوا: الأسباط ذرية يعقوب .
قال شيخ الإسلام كما في جامع
المسائل (3/295) الحاصل أن الغلط في دعوى نبوتهم حَصَلَ مِن ظَنِّ أنهم هم
الأسباط، وليس كذلك، إنما الأسباط ذرّيتهم الذين قُطِّعُوا أسباطًا من عهد موسى،
كل سِبْطٍ أمة عظيمة. ولو كان المراد بالأسباط أبناء يعقوب لقال: "ويعقوب
وبنيه"، فإنه أوجز وأَبْيَنُ. واختير لفظ "الأسباط" على لفظ
"بني إسرائيل" للإشارة إلى أن النبوة إنما حصلتْ فيهم من حينِ تقطيعِهم
أسباطًا من عهد موسى. والله أعلم.
وبين شيخ الإسلام أن من قال ذلك أي أن الأسباط ذُرية يعقوب لم يُرد أنهم
أولادُه لصلبه .
وهذا نص كلام شيخ الإسلام كمافي جامع المسائل (3/295)يقول :الذي يدلُّ
عليه القراَنُ واللغةُ والاعتبار أن إخوةَ يوسف ليسوا بأنبياء، وليس في القرآن ولا
عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بل ولا عن أصحابه خبرٌ بأن الله
تعالى نبَّأهم. وإنما احتجّ من قال إنّهم نبِّئُوا بقوله في آيتي البقرة والنساء
(وَاَلأَسْبَاطِ) ، وفسّر الأسباط بأنهم أولاد يعقوب، والصواب أنه ليس المراد بهم
أولادُه لصلبه بل ذُرِّيّتُه، كما يقال فيهم أيضا "بنو إسرائيل"، وكان
في ذريته الأنبياء، فالأسباط من بني إسرائيل كالقبائل من بني إسماعيل.
قال أبو سعيد الضرير: أصل السِّبْط شجرةٌ ملتفةٌ كثيرة الأغصان .
فسُمُّوا الأسباطَ لكثرتهم، فكما أن الأغصان من شجرة واحدة، كذلك الأسباط
كانوا من يعقوب. ومثل السبط الحافد، وكان الحسن والحسين سِبْطَي رسولِ الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والأسباط حفدة يعقوب ذَرارِي أبنائه الاثنَي
عشر. وقال تعالى: (وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ
يَعْدِلُونَ (159) وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً) ،
فهذا صريحٌ في أن الأسباط هم الأمم من بني إسرائيل، كلُ سِبْطٍ أمةٌ، لا أنهم
بَنُوه الاثنا عشر. بل لا معنى لتسميتهم قبل أن تنتشر عنهم الأولاد أسباطًا،
فالحال أن السِّبْطَ هم الجماعة من الناس.
ومن قال: الأسباط أولاد يعقوب، لم يُرِد أنهم أولادُه لصلبه، بل أرادَ
ذريتَه، كما يقال: بنو إسرائيل وبنو آدم.
فتخصيصُ الآية ببنيه لصلبه غلط، لا يدلُّ عليه اللفظُ ولا المعنى، ومن
ادّعاه فقد أخطأ خطأً بيِّنًا اهـ .
هذه مناقشة شيخ الاسلام لمن فسَّر الأسباط بأنهم نسل يعقوب .
وأما قوله تعالى{وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ} فهو
يَعْنِي الْمُخْتَصِّينَ بِالنُّبُوَّةِ مِنْهُمْ .
ودليل القول
الأول: أن إخوة يوسف ليسوا بأنبياء أمور:
1-ما تقدم في
كلام شيخ الإسلام في ردِّ الاستدلال بالآيتين اللتين فيهما (والأسباط ) أنه لو
أراد بهم أولادَه لصلبه لقال سبحانه"ويعقوب وبنيه"، فإنه أوجز وأَبْيَنُ.
2- ما وقع من مقالاتهم وأفعالهم الشنيعة دليل على عدم نبوتهم وهذا فيما يلي
:
حسد إخوة يوسف له
.
تظاهروا بمحبة
أخيهم وعاهدوا أباهم على حفظه (وإنا له لحافظون ).
محاولة إخوة يوسف
عند أبيهم ففرَّقوا بينه على صغر سنه وبين أبيه على كبر سنه .
تآمر إخوته على
قتله .
بعد ذلك أشار
عليهم أحد إخوانه أن يلقوه في البئر فتم إلقاؤه في البئر صرفهم الله عن قتله لأن الله غالب على أمره {ألا له الخلق والأمر }فلا
بد من إمضائه فلن يصلوا إليه بالقتل لأن يوسف قضى الله أن يوحي إليه وأن يكون نبيا
وأن يُمكَّنَ في الأرض .
كذبوا وقالوا لأبيهم يعقوب عليه الصلاة والسلام
{وإنا له لناصحون} فوقعوا في الكذب والنفاق والحسد .
وهذه أمراض خطيرة
فتَّاكة لا تصدر من نبي .
كذبوا مراراً وزعموا
أن الذئب جاء وأكل أخاهم وقَالُوا {يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ
وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ
بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} .
تزوير الدم الذي وضعوه على القميص كما قال تعالى { وَجَاءُوا
عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} وهذا نفاق عملي .
وكذبوا تظاهروا
بالحزن والبكاء (وجاؤوا أباهم عشاء يبكون ) وهذا بكاء نفاق .
وقعوا في البغي والاعتداء
وعقُّوا أباهم وهذا كبيرة من الكبائر وفرَّقوا بينه وبين حبيبه وولده يوسف .
باعه إخوته بيع
العبد {وشروه بثمن بخس دراهم معدودة ..} .وهذا ما رجحه ابن كثير أنهم إخوته لا
السيارة .
قال ابن كثير في
تفسير هذه الآية : أَيْ اعتاض عنه إخوته بثمن دُوْن قليل، ومع ذلك كانوا فِيهِ
مِنَ الزَّاهِدِينَ أَيْ لَيْسَ لَهُمْ رَغْبَةٌ فِيهِ، بَلْ لَوْ سُئِلُوهُ بِلَا
شَيْءٍ لَأَجَابُوا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ: إِنَّ
الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ:
وَشَرَوْهُ
عَائِدٌ عَلَى إِخْوَةِ يُوسُفَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: بَلْ هُوَ عَائِدٌ عَلَى
السَّيَّارَةِ. وَالْأَوَّلُ أَقْوَى، لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَكانُوا فِيهِ مِنَ
الزَّاهِدِينَ إِنَّمَا أَرَادَ إِخْوَتَهُ لَا أُولَئِكَ السَّيَّارَةَ، لِأَنَّ
السَّيَّارَةَ اسْتَبْشَرُوا بِهِ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً، وَلَوْ كانوا فيه
زاهدين لما اشتروه، فترجح من هذا أن الضمير في شَرَوْهُ إِنَّمَا هُوَ
لِإِخْوَتِهِ اهـ.
وصار يوسف يجري
فيه البيع والشراء وبمنزلة الرقيق بسببهم .
و رجحه ابن القيم
في( إغاثة اللهفان )في سياق المكايد التي ابتلي بها يوسف.
قال : إنهم كادوه
حيث باعوه بيع العبيد، وقالوا: إنه غلام لنا أبق.
وبيع الحر هي أحد
الثلاث الخصال التي عند مسلم يقول الله <ثلاثةٌ أنا خصمهم يوم القيامة ومنهم
رجل باع حراً فأكل ثمنه >.
وهذه الأشياء
التي وقعت منهم دليلٌ على أنهم ليسوا بأنبياء .
وهذا من شؤم
الذنب وضرره أنه يجر إلى ذنوب أخرى فجرى منهم ما جرى لكنه انتهى أمرهم إلى التوبة
وعفا عنهم (سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم ) .
3-حديث أبي هريرة
المتفق عليه عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ
سُئِلَ: أَيُّ النَّاسِ أَكْرَمُ؟ فَقَالَ: " أَتْقَاهُمْ لِلَّهِ ".
قِيلَ: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ. قَالَ: " يُوسُفُ نَبِيُّ اللَّهِ بْنُ
يَعْقُوبَ نَبِيِّ اللَّهِ بْنِ إِسْحَاقَ نَبِيِّ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ
خَلِيلِ اللَّهِ ".
قِيلَ: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ
. قَالَ: " أَفَعَنْ
مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْأَلُونِي
؟ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا
فَقِهُوا» ".
قال شيخ الإسلام كما جامع المسائل : "أكرم الناس يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، نبيّ من نبي من
نبي" . فلو كانت إخوتُه أنبياء كانوا
قد شاركوه في هذا الكرم اهـ.
فهذا من جملة الأدلة على عدم
نبوة إخوة يوسف عليه الصلاة والسلام .
4- يقول شيخ الإسلام في ذكر البراهين على عدم نبوة إخوة يوسف وهو تعالى لما قصَّ قصَّةَ يوسف وما فعلوا معه
ذكر اعترافهم بالخطيئة وطلبهم الاستغفار من أبيهم، ولم يذكر من فضلهم ما يناسب
النبوة، ولا شيئا من خصائص الأنبياء، بل ولا ذكر عنهم توبةً باهرةً كما ذكر عن
ذنبه دون ذنبهم، بل إنما حكى عنهم الاعتراف وطلب الاستغفار. ولا ذكر سبحانه عن
أحدٍ من الأنبياء -لا قبلَ النبوة ولا بعدها- أنه فعلَ مثلَ هذه الأمورِ العظيمة،
من عقوق الوالد وقطيعةِ الرحم وإرقاقِ المسلم وبيعه إلى بلاد الكفر والكذب البيّن
وغير ذلك مما حكاه عنهم، ولم يَحْكِ شيئًا يناسب الاصطفاءَ والاختصاصَ الموجب
لنبوتهم، بل الذي حكاه يخالف ذلك، بخلاف ما حكاه عن يوسف اهـ .
5- قوله تعالى في سورة الأنعام {
وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ
قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى
وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى
وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ
وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ} .
قال شيخ الإسلام كما في جامع المسائل العلمية (3/295) فذكر يوسف ومن معه،
ولم يذكر الأسباط، فلو كان إخوةُ يوسف نُبِّئوا كما نبئَ يوسف لذُكِروا معه.
ثم وجدت هذا المنقول من جامع المسائل في رسالة السيوطي المذكورة(دفع
التعسُف عن إخوة يوسف) .
وأفاد السيوطي في الحاوي أنه ألف في المسألة شيخُ الإسلام وقال : ثُمَّ
رَأَيْتُ الشَّيْخَ تقي الدين بن تيمية أَلَّفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ
مُؤَلَّفًا خَاصًّا .
ثم لخَّص الرسالة السيوطي .