جديد الرسائل

الثلاثاء، 17 نوفمبر 2015

الدرس الثالث من/ كتاب التوحيد من صحيح البخاري1من شهر صفر 1437.

بسم الله الرحمن الرحيم
7374- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، أَنَّ رَجُلًا سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ يُرَدِّدُهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ، وَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالُّهَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ القُرْآنِ».
 زَادَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، أَخْبَرَنِي أَخِي قَتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
**************************
(حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ )هو ابن أبي أُويس عبدالله بن عبدالله ابن أخت الإمام مالك .
فالإمام مالك ـ رحمه الله تعالى ـ خال إسماعيل.
وإسماعيل ابن أبي أُويس كتبنا عن الوالد رحمه الله أنه :ضعيف وأن البخاري انتقى من أصولَه. .
قلت :قال الحافظ ابن حجر في مقدمة فتح الباري 575: احْتج بِهِ الشَّيْخَانِ إِلَّا أَنَّهُمَا لم يكثرا من تَخْرِيج حَدِيثه وَلَا أخرج لَهُ البُخَارِيّ مِمَّا تفرد بِهِ سوى حديثين وَأما مُسلم فَأخْرج لَهُ أقل مِمَّا أخرج لَهُ البُخَارِيّ وروى لَهُ الْبَاقُونَ سوى النَّسَائِيّ فَإِنَّهُ أطلق القَوْل بضعفه وروى عَن سَلمَة بن شبيب مَا يُوجب طرح رِوَايَته وَاخْتلف فِيهِ قَول بن معِين فَقَالَ مرّة لَا بَأْس بِهِ وَقَالَ مرّة ضَعِيف وَقَالَ مرّة كَانَ يسرق الحَدِيث هُوَ وَأَبوهُ وَقَالَ أَبُو حَاتِم مَحَله الصدْق وَكَانَ مغفلا وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل لَا بَأْس بِهِ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ لَا أختاره فِي الصَّحِيح .
قلت :وروينا فِي مَنَاقِب البُخَارِيّ بِسَنَد صَحِيح أَن إِسْمَاعِيل أخرج لَهُ أُصُوله وَأذن لَهُ أَن ينتقي مِنْهَا وَأَن يُعْلِمَ لَهُ على مَا يحدث بِهِ ليحدث بِهِ ويعرض عَمَّا سواهُ .
وَهُوَ مشْعر بِأَن مَا أخرجه البُخَارِيّ عَنهُ هُوَ من صَحِيح حَدِيثه لِأَنَّهُ كتب من أُصُوله وعَلى هَذَا لَا يحْتَج بِشَيْء من حَدِيثه غير مَا فِي الصَّحِيح من أجل مَا قدح فِيهِ النَّسَائِيّ وَغَيره إِلَّا أَن شَاركهُ فِيهِ غَيره فَيعْتَبر فِيهِ اهـ
(حَدَّثَنِي مَالِكٌ )مَالِكٌ هو ابن أنس أبوعبدالله الأصبحي .
والإمام مالك يمني فأصبح من حِمْيَر  كما في (الجوهرة في نسب النبي وأصحابه العشرة) لمحمد بن أبي بكر بن عبد الله بن موسى الأنصاري التِّلمساني المعروف بالبُرِّي (2/ 323).
وهو إمام دار الهجرة .
وهو القائل: لا يصلح هذه الأمة إلا بما صلح به أولها .
والقائل :كلٌ يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب هذا القبر يعني رسول الله صلى الله عليه .
وقال الشافعي:إذا ذُكِرَ مالكٌ فمالِكٌ النجم .أخرجه ابن أبي حاتم في مقدمة  الجرح والتعديل(1/ 14): حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال قال الشافعي: فذكره .
يعني :أنه ضوءٌ للإسناد.
ومن صبره على العلم ما أخرج الفسوي رحمه الله في المعرفة والتاريخ (1/655) :. عن مالك قال: جلست إلى ابن هرمز ثلاث عشرة سنة. قال: وكنت في الشتاء قد اتخذت سراويل محشوًّا كنا نجلس معه في الصحن في الشتاء.
ابن هرمز : عبد الله بْن يزيد بْن هرمز كما في ترجمة مالك من تهذيب الكمال.
هذا من صبر الإمام مالك فقد صبر على طول مجالسة شيخه ابن هرمز، و صبرَ على المكان وعلى الجو البارد.
 واتخذ سراويل محشواً ليقيه من برودة الأرض وصلابتها.
وكان مُهابا تهابه السلاطين أخرج ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل بسند صحيح من طريق  أبي مصعب -وهو أحمد بن أبي بكر القاسم بن الحارث الزهري المدني الفقيه قاضي مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم-، يقول: كانوا يزدحمون على باب مالك، فيقتتلون على الباب من الزحام، وكنا نكون عند مالك فلا يكلم ذا ذا، ولا يلتفت ذا إلى ذا، والناس قائلون برؤوسهم هكذا، وكانت السلاطين تهابه، وهم قائلون مستمعون، وكان يقول في مسألة: لا، أو: نعم ولا يقال له من أين قلت ذا؟! .
ونفيد أنَّ من المُهابين في زمنه الشيخَ الألباني
لمَّا توفي الشيخُ الألباني –رحمه الله- قال لي الوالد الشيخ مقبل –رحمه الله – مُتأسفاً : سينفتح الناس في الكتابة ،الناس يهابون الشيخَ الألبانيَّ ،كانوا يهابونه أن يردَّ عليهم .
قلت: هكذا أهلُ العلم كالغيث حياتهم حياةٌ للبلاد والعباد  وبهم بعد الله سبحانه تذوب مضلاتُ الفتنِ ،وتخمدُ نارُالمغرضين والضَّغَن .
ونعتقد أنَّ من الذين كان لديهم هيبة في القلوب الوالد الشيخ مقبل رحمه الله وهذا واضح لدى طلاب العلم .
وتقول لي واحدة وقد تُوفيت رحمها الله :تقول إن زوجها يقول كيف يقدرُ أهلُ الشيخ أن يتكلموا معه والله ما نقدر نتكلم معه .
(عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ)
سعد بن مالك بن سنان ـ رضي الله عنه ـ صحابي ابن صحابي، واستُصغِرَ أبو سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ في غزوة أحد (يعني ما قُبِل في غزوة أحد لِصغر سنه).
الخدري قال السمعاني في الأنساب : بضم الخاء المعجمة وسكون الدال المهملة والراء في آخرها، هذه النسبة إلى خدرة، واسمه الأبجر بن عوف بن الحارث بن الخزرج بن حارثة، قبيلة من الأنصار .
(يَتَقَالُّها) أي يراها قليلة .
**********************
7375- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنَا عَمْرٌو عَنْ ابْنِ أَبِي هِلَالٍ أَنَّ أَبَا الرِّجَالِ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَهُ عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَكَانَتْ فِي حَجْرِ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ رَجُلًا عَلَى سَرِيَّةٍ وَكَانَ يَقْرَأُ لِأَصْحَابِهِ فِي صَلَاتِهِمْ فَيَخْتِمُ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ سَلُوهُ لِأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ فَسَأَلُوهُ فَقَالَ لِأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ .
**********************
(حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ)
هو المصري، تكلم فيه الإمام النسائي فلم يُقبَل جرحُه. كما قال الناظم وهو العراقي رحمه الله:
        وربما رُدَّ قولُ الجارح      كالنسائي في أحمدَ بن صالح
و أيُّ المحدثين أكثر المصريون أم اليمنيون؟
أفادنا الوالد الشيخ مقبل الوادعي ـ رحمه الله تعالى ـ أن المحدثين المصريين أكثر من المحدثين اليمنيين .
وابن يونس له تاريخ مصر اهـ.
(حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ)
 هوعبدالله. لقِّب بديوان العلم، أي أنه محل للعلم. و هو مصري.
(حَدَّثَنَا عَمْرٌو) هو ابن الحارث المصري.
ومن قواعد علم الحديث والرجال
 عبدالله بن وهب عن عمرو :عمرو هو ابن الحارث.
شعبة عن عمرو: عمرو هو ابن مرة.
سفيان عن عمرو: عمرو هو ابن دينار.
و معرفة هذا يفرح به أهل الحديث، الذي يقول الإمام الرامهرمزي ـ رحمه الله تعالى ـ في مقدمة المحدث الفاصل مادحاً لهم قال:( فَإِنَّ الْحَدِيثَ ذَكَرٌ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا الذُّكْرَانُ-أي أهل الهمة العالية- ، وَنَسَبٌ لَا يُجْهَلُ بِكُلِّ مَكَانٍ).
فهذه فائدة تنفع في التمييز بين هؤلاء الرواة الثلاثة (عمرو)، بالتلاميذ عرفناهم .
والفضل والمِنَّة لله سبحانه ثمَّ لوالدي الشيخ مقبل رحمه الله فقد كان يُكرِّرُ هذه القواعد مما سَهُل علينا حِفْظُهُ.
(عَنْ ابْنِ أَبِي هِلَالٍ)
قال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله تعالى ـ  في الشرح:( وهو سعيد وسماه مسلم في روايته).
(أَنَّ أَبَا الرِّجَالِ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ)
أبو الرجال لقب.
واللَّقب ما أشعر برفْعة المسمى أو وضعَتِه.
 يعني يُشعِر بأن المسمَّى رفيعٌ أو وضيعٌ .
واللقب قد يكون على صورة كنية مثل ما هاهنا. (أبو الرجال) لُقب بذلك لأنه كان له عشرة من الذكور. وهذا معروف في كتب المصطلح.
(حَدَّثَهُ عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ)
أم أبي الرجال، عمرة بنت عبدالرحمن.
سيدات نساء التابعين ثلاث: عمرة بنت عبدالرحمن، وحفصة بنت سيرين، أم الدرداء الصغرى و اسمها هُجيمة وقيل جُهيمة.
قال علي بن المديني: كان لأبي الدرداء امرأتان كلتاهما يقال لهما أم الدرداء: إحداهما رأت النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، وهي خيرة بنت أبي حدرد، والثانية تزوّجها بعد وفاة النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، وهي هجيمة الوصابية  (الإصابة في معرفة الصحابة ترجمة أم الدرداء الكبرى) .
 أم الدرداء الصُغرى تابعية علّق البخاري لها أثراً في صحيحه وقال: وَكَانَتْ أُمُّ الدَّرْدَاءِ: «تَجْلِسُ فِي صَلاَتِهَا جِلْسَةَ الرَّجُلِ وَكَانَتْ فَقِيهَةً» .
فالأصل هو عموم التشريع. فالمرأة تصلي كما يصلي الرجل (صلوا كما رأيتموني أصلي).
ومن فرَّق بين صلاة الرجل وصلاة المرأة إنما هو اجتهاد مخالِفٌ للدليل .
(وَ كَانَتْ فِي حَجْرِ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
أي ربَّتها عائشة ـ رضي الله عنها ـ مثل قوله عز وجل {وربائبكم اللاتي في حجوركم}[النساء:23]
(سَرِيَّةٍ )
القطعة من الجيش.
في هذين الحديثين من الفوائد
1- فضل سورة {قل هو الله أحد}.
و ثبت في صحيح البخاري (5015) عن أبي سعيد الخدري عن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أنه قال: (أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ فِي لَيْلَةٍ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَقَالُوا أَيُّنَا يُطِيقُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الصَّمَدُ ثُلُثُ الْقُرْآنِ) .
قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (2/438): وَلَمْ يَصِحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فَضْلِ سُورَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ مَا صَحَّ فِي فَضْلِهَا حَتَّى أَفْرَدَ الْحُفَّاظُ مُصَنَّفَاتٍ فِي فَضْلِهَا كَالدَّارَقُطْنِىِّ وَأَبِي نُعَيْمٍ وَأَبِي مُحَمَّدٍ الْخَلَّالِ وَأَخْرَجَ أَصْحَابُ الصَّحِيحِ فِيهَا أَحَادِيثَ مُتَعَدِّدَةً اهـ
يقول بعض العلماء تعدل ثلث القرآن؛ لأن القرآن على ثلاثة أقسام: توحيد، وأحكام، و قصص. وَهَذِهِ السُّورَةُ جَمَعَتْ الْأَسْمَاءَ وَالصِّفَاتِ.
2-- أن القرآن يتفاضل فبعضُه أفضلُ من بعض. وهذاهُوَ الْقَوْلُ الْمَأْثُورُ عَنْ السَّلَفِ وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أَئِمَّةُ الْفُقَهَاءِ مِنْ الطَّوَائِفِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ كما في مجموع الفتاوى (17/ 13) لشيخ الإسلام  .
قال الحافظ ابن كثير في تفسير سورة الفاتحة في الكلام على فضلها :
وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى إِلَى أَنَّهُ لَا تَفَاضُلَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الْجَمِيعَ كَلَامُ اللَّهِ، وَلِئَلَّا يُوهِمَ التَّفْضِيلُ نَقْصَ الْمُفَضَّلِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْجَمِيعُ فَاضِلًا، نَقَلَهُ الْقُرْطُبِيُّ عَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ وَأَبِي حَاتِمِ بْنِ حبان البُسْتِيِّ وَيَحْيَى بْنِ يَحْيَى،  وَرِوَايَةٌ عَنِ الْإِمَامِ مالك اهـ.
هذه حجتهم( أَنَّ الْجَمِيعَ كَلَامُ اللَّهِ، وَلِئَلَّا يُوهِمَ التَّفْضِيلُ نَقْصَ الْمُفَضَّلِ عَلَيْهِ) أي لا يُوْهِم اعتقادَ نقص المفضول عليه وأنه معيب، وهذا يرُدُّه الأدلة ومنه حديثا الباب.
وقَالَ تَعَالَى {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}.
قال شيخ الإسلام في فتاواه(17/ 10): فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يَأْتِي بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا. وَهَذَا بَيَانٌ مِنْ اللَّهِ لِكَوْنِ تِلْكَ الْآيَةِ قَدْ يَأْتِي بِمَثَلِهَا تَارَةً أَوْ خَيْرٍ مِنْهَا أُخْرَى فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْآيَاتِ تَتَمَاثَلُ تَارَةً وَتَتَفَاضَلُ أُخْرَى.
 سورة الفاتحة أعظم سورة في القرآن كما قال النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لأبي سعيد بن المعلى ـ رضي الله عنه: ( أَلَا أُعَلِّمُكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ ... الحديث و فيه (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ) .
أعظم آية في القرآن آية الكرسي، كما جاء في صحيح مسلم من حديث أبي بن كعب:  قَالَ رَسُولُ اللَّهِ يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ قَالَ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ قَالَ قُلْتُ  اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ  قَالَ فَضَرَبَ فِي صَدْرِي وَقَالَ وَاللَّهِ لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ).
سورة المُلك النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يقول: (هِيَ الْمَانِعَةُ ، هِيَ الْمُنْجِيَةُ) . إلى غير ذلك من الأدلة الدالة على تفاضل القرآن. 
وقد وضَّحَ العلماءُ المرادَ من تفاضل القرآن بعضه على بعض .
قال الشيخ ابن عُثيمين رحمه الله في شرح بلوغ المرام(5/638) شرح حديث (سبحان الله عدد خلقه ..).
قال:القرآن يتفاضل من حيث المدلولِ بعضه يؤثر تأثيراً عظيماً على القلب إذا سمعه ومن حيث الأُسلوب والفصاحة والبلاغة وغير ذلك .
ومن حيث  المتكلم به فهو لا يتفاضل ، لأن المتكلم به واحد وهو الله عز وجل.
قال:فعلى هذا التفصيل ،يتفاضل من حيثُ المعنى ،ولا يتفاضل من حيث المتكلم اهـ.
وجبير بن مُطعِم ـ رضي الله عنه ـ لما سمع النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يقرأ سورة الطور في صلاة المغرب، فلما بلغ النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قوله تعالى {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ(36)}[الطور]  قال: فوقع الإيمان في قلبي. وفي رواية: كاد قلبي أن يطير.
إذن نفهم هذه المسألةَ المهمةَ التي زلِق فيها من زلِق  وهم الأشاعرة وطائفة يسيرة من أهل السنة .
الأدلة جاءت بتفاضل القرآن ،فالقرآن يتفاضل باعتبار بلاغته وتأثيره على النفوس.
أما باعتبار المتكلم هو واحد وهو الله عز وجل، فهو لا يتفاضل بهذا الاعتبار.
3- الرجوع إلى أهل العلم عند الإشكال كما أمر الله سبحانه وتعالى  بذلك بقوله:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}[الأنبياء:7] .
4- في حديث أبي سعيد الخُدري جوازالحلِف بدون استحلاف لتأكيد الأمر .
5-نوعُ قسم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مستفادٌ من قوله (والذي نفسي بيده ) .
ومن أنواع قسمه صلى الله عليه وعلى آله وسلم
أخرج البخاري(3730) ومسلم  (2426) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعْثًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فَطَعَنَ بَعْضُ النَّاسِ فِي إِمَارَتِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنْ تَطْعُنُوا فِي إِمَارَتِهِ، فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعُنُونَ فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ، وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلْإِمَارَةِ، وَإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَهُ».
وأخرج البخاري(7391) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُمر ، قَالَ: أَكْثَرُ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْلِفُ: «لاَ وَمُقَلِّبِ القُلُوبِ».
أما ما جاء أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: <أفلح وأبيه إنْ صدقّ>. أخرجه البخاري (46) ومسلم (11) ولم يذكر البخاري لفظة  (وأبيه) فقد انفرد بها مسلم، وقدأعلها ابن عبدالبر وقال : إنها غير محفوظة كما في فتح الباري .
وذكر العلامةُ الألباني رحمه الله في السلسلة الضعيفة (10القسم الثاني تحت رقم 4992)طرقَ الحديث وشواهده ثم  جزم  بأنها زيادة شاذة غير محفوظة شذَّ بها إسماعيل بن جعفر .
وحكم عليها الوالد الشيخ مقبل رحمه الله حينما رَاجعنا حالَها بما يلي :
قال :هي شاذة شذَّ بها إسماعيل بن جعفر رواها عن أبي سهيل، عن أبيه، عن طلحة، ومالك ممن روى الحديث عن أبي سهيل ولم يذكر هذه اللفظة .
وكذلك ما جاءعند مسلم(93/1032) من طريق ابْن فُضَيْلٍ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ فَقَالَ: " أَمَا وَأَبِيكَ لَتُنَبَّأَنَّهُ أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ، تَخْشَى الْفَقْرَ، وَتَأْمُلُ الْبَقَاءَ، وَلَا تُمْهِلَ حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ، قُلْتَ: لِفُلَانٍ كَذَا، وَلِفُلَانٍ كَذَا، وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ " .
وقد رواه مسلم (92) قبل هذه الرواية بدون <وأبيكَ> . وأصله عند البخاري (1419) و (2748) بدونها  .
قال الشيخ الألباني في الضعيفة (4992) عن هذا اللفظ منكر  .
وأفادنا الوالدُ رحمه الله أن لفظةَ (وَأَبِيكَ )
انفرد بها محمد بن فضيل وقد خالف من هو أرجح منه فهي لفظة شاذة.
6-وقوله: (لِأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ )أي فيها أسماء الله وصفاته وهذا فيه الإيمان بأسماء الله وصفاته.
وقد اشتملت سورة الإخلاص على ثلاثة أسماء اسم (الله ،الأحد ،الصمد).
وكل اسم من أسماء عز وجل متضمن لصفة.
فلفظ الجلالة (الله) بمعنى مألوه أي بمعنى معبود. و(الأحد) يتضمن صفة، فالله عز وجل واحد في وجوده وبوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته.
والصمد فيه أقوال منها: أن الصمد هو السيد الذي قد انتهى سؤدَدُه.
 ومنهم من قال: هو الذي لا جوفَ له.
 ومنهم من قال: هو الذي يَصمد الناسُ إليه في حوائجهم.
ولا تنافي بين هذه الأقوال.
وقد ذكر هذه الأقوال شيخ الإسلام ابن تيميةـ رحمه الله تعالى ـ في مجموع الفتاوى. ولا تنافي بينها ولا تعارض.
 فمن قال: هو الذي لا جوف له . بمعنى أنه لا يأكل و لا يشرب وقد قال عز وجل {وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ}[الأنعام:14] .
ومن قال: هو السيد الذي قد انتهى سؤدده، فقد أخرج أبوداوود في سننه من طريق مُطَرِّفٍ، قَالَ: قَالَ أَبِي وهوعبدالله بن الشخير: انْطَلَقْتُ فِي وَفْدِ بَنِي عَامِرٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَقُلْنَا: أَنْتَ سَيِّدُنَا، فَقَالَ: «السَّيِّدُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى» قُلْنَا: وَأَفْضَلُنَا فَضْلًا وَأَعْظَمُنَا طَوْلًا، فَقَالَ: «قُولُوا بِقَوْلِكُمْ، أَوْ بَعْضِ قَوْلِكُمْ، وَلَا يَسْتَجْرِيَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ» .
(السَّيِّدُ اللَّهُ )أي السيادة المطلقة لله، فلا ينافي الأدلةَ الأخرى في إثبات السيادة لبعض الخلق .
ومن  قال:هو الذي يصمد الناس إليه في حوائجهم فقد قال تعالى :{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}[فاطر:15] .
 قال شيخ الإسلام في فتاواه(5/ 353)قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَخَلْقٌ مِنْ السَّلَفِ: " الصَّمَدُ " الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ السَّيِّدُ الَّذِي كَمُلَ فِي سُؤْدُدِهِ وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ حَقٌّ؛ فَإِنَّ لَفْظَ " الصَّمَدِ " فِي اللُّغَةِ يَتَنَاوَلُ هَذَا وَهَذَا وَالصَّمَدُ فِي اللُّغَةِ السَّيِّدُ؛ " وَالصَّمَدُ " أَيْضًا الْمُصَمَّدُ وَالْمُصَمَّدُ الْمُصْمَتُ وَكِلَاهُمَا مَعْرُوفٌ فِي اللُّغَةِ.
وقال شيخ الإسلام الِاسْمُ في فتاواه (17/ 215)" الصَّمَدُ " فِيهِ لِلسَّلَفِ أَقْوَالٌ مُتَعَدِّدَةٌ قَدْ يُظَنُّ أَنَّهَا مُخْتَلِفَةٌ؛ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ بَلْ كُلُّهَا صَوَابٌ.
وَالْمَشْهُورُ مِنْهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الصَّمَدَ هُوَ الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ السَّيِّدُ الَّذِي يُصْمَدُ إلَيْهِ فِي الْحَوَائِجِ وَالْأَوَّلُ هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ السَّلَفِ مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَطَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ. وَالثَّانِي قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَجُمْهُورِ اللُّغَوِيِّينَ وَالْآثَارِ الْمَنْقُولَةِ عَنْ السَّلَفِ بِأَسَانِيدِهَا فِي كُتُبِ التَّفْسِيرِ الْمُسْنَدَةِ وَفِي كُتُبِ السُّنَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ اهـ المراد
(الأحد ،الصمد) قال شيخ الإسلام كما في فتاواه (17/ 107): فَاسْمُهُ الْأَحَدُ دَلَّ عَلَى نَفْيِ الْمُشَارَكَةِ وَالْمُمَاثَلَةِ .
وَاسْمُهُ الصَّمَدُ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِجَمِيعِ صِفَاتِ الْكَمَالِ اهـ.
فيستفاد من اسم الله الأحد إثبات صفات الله عزوجل من غير تشبيه ولا تمثيل .
 لأنه يتضمن نفيَ المشاركة والمماثلة لله عز وجل.
 و في هذا رد على المشبِّهة الذين يثبتون لله عز وجل صفات، ويقولون تشبه صفات المخلوقين.
 وإثبات الصفاتِ لله سبحانه فيها رد على نفاة الصفاتِ لله عز وجل كالمعتزلة والجهمية.
وهناك قاعدة (كل ممثل معطل، وكل معطل ممثل).
(كل ممثل معطل) لأنه عطَّل صفات الله عز وجل
(وكل معطل ممثل) لأنه ما نفى صفات الله عز وجل إلا بعد ما تخيَّل أن صفات الله عز وجل كصفات المخلوقين ثم عطّل. فشبّه أوَّلاً ثم عطّل ثانياً.
ونفاة الصفات شيخ الإسلام ابن تيميةـ رحمه الله تعالى ـ في أكثر من كتاب له كالتدمرية يناقشُهم ويقول .
القول في الصفات كالقول في الذات، فالصفات فرع الذات.
أي كما أثبتم لله ذاتاً - لأنهم ما ينفون الذات - فكذلك قولوا في الصفات. كما أثبتم لله عزوجل ذاتاً وقلتم لله عز وجل ذات لا تشبه ذات المخلوقين فكذلك قولوا في الصفات.
أيضاً يذكر شيخ الإسلام ابن تيميةـ رحمه الله تعالى ـ قاعدة في الرد على من يثبت بعض الصفات وينفي البعض الآخر ويقول: (القول في بعض الصفات  كالقول في البعض الآخر).
هذه قواعد تنفع في مناقشة من ينفي الصفات مطلقاً، وفي مناقشة من ينفي بعض الصفات ويثبت البعض الآخر كالأشاعرة فإنهم يثبتون سبع صفات كما قال الشاعر:
          حي مريد قادر علام     له السمع والبصر و الكلام
معنا سورة الإخلاص، والعلم يترابط ، يخدُم بعضه بعضاً.
فتفسير سورة الإخلاص يتعلق بعلم التفسير، لكن العلم يترابط وهذا مما يسهِّل الحفظ لكثرة ما يتكرر. قد يقرأ في سورة الإخلاص في كتاب التوحيد ويقرأه في اليوم الآخر في كتاب التفسير وهذا من فضل الله عز وجل تيسُّرُ أسباب الحفظ من غير مشقة ، وارتساخه في الذهن .
 {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}[الإخلاص] هذه صفات سَلْبية.
قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى(2/438) وَعَلَى هَذِهِ السُّورَةِ اعْتِمَادُ الْأَئِمَّةِ فِي التَّوْحِيدِ كَالْإِمَامِ أَحْمَدَ والْفُضَيْل بْنِ عِيَاضٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَئِمَّةِ قَبْلَهُمْ وَبَعْدَهُمْ. فَنَفَى عَنْ نَفْسِهِ الْأُصُولَ وَالْفُرُوعَ وَالنُّظَرَاءَ وَهِيَ جِمَاعُ مَا يُنْسَبُ إلَيْهِ الْمَخْلُوقُ مِنْ الْآدَمِيِّينَ وَالْبَهَائِمِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ بَلْ وَالنَّبَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ مَا مِنْ شَيْءٍ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ إلَّا وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ شَيْءٌ يُنَاسِبُهُ: إمَّا أَصْلٌ وَإِمَّا فَرْعٌ وَإِمَّا نَظِيرٌ أَوْ اثْنَانِ مِنْ ذَلِكَ أَوْ ثَلَاثَةٌ. وَهَذَا فِي الْآدَمِيِّينَ وَالْجِنِّ وَالْبَهَائِمِ ظَاهِرٌ. وَأَمَّا الْمَلَائِكَةُ: فَإِنَّهُمْ وَإِنْ لَمْ يَتَوَالَدُوا بِالتَّنَاسُلِ فَلَهُمْ الْأَمْثَالُ وَالْأَشْبَاهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ سُبْحَانَهُ: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} {فَفِرُّوا إلَى اللَّهِ} قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: لَعَلَّكُمْ تَتَذَكَّرُونَ فَتَعْلَمُونَ أَنَّ خَالِقَ الْأَزْوَاجِ وَاحِدٌ اهـ.
الفروع في قوله (لَمْ يَلِدْ)، و الأصول في قوله (وَلَمْ يُولَدْ)، فالله ليس له ولد و لا أب.
صفات الله عز وجل قسمان:
 ثبوتية :وهي التي أثبتها الكتاب والسنة.
 وسَلْبية :وهي التي نفاها الكتابُ والسنة.
والصفات الثبوتية يلزم منها نفيُ النقائص عن الله عز وجل.
 والصفات السلبية تثبت صفاتِ الكمال لله عز وجل فليست نفياً محضاً.
وهذه قاعدة ذكرها شيخ الإسلام في فتاواه(17/ 109)يقول :فَالسُّورَةُ –أي سورة الإخلاص -تَضَمَّنَتْ كُلَّ مَا يَجِبُ نَفْيُهُ عَنْ اللَّهِ وَتَضَمَّنَتْ أَيْضًا كُلَّ مَا يَجِبُ إثْبَاتُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ:
مِنْ اسْمِهِ الصَّمَدِ .
وَمِنْ جِهَةِ أَنَّ مَا نُفِيَ عَنْهُ مِنْ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ وَالنُّظَرَاءِ مُسْتَلْزِمٌ ثُبُوتَ صِفَاتِ الْكَمَالِ أَيْضًا.
فَإِنَّ كُلَّ مَا يُمْدَحُ بِهِ الرَّبُّ مِنْ النَّفْيِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَضَمَّنَ ثُبُوتًا .
بَلْ وَكَذَلِكَ كَلُّ مَا يُمْدَحُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَوْجُودَاتِ مِنْ النَّفْيِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَضَمَّنَ ثُبُوتًا .
وَإِلَّا فَالنَّفْيُ الْمَحْضُ مَعْنَاهُ عَدَمٌ مَحْضٌ وَالْعَدَمُ الْمَحْضُ لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ صِفَةَ كَمَالٍ اهـ.
وقال ابنُ القيم في بدائع الفوائد (1/161) :وأما صفات السلب المحض فلا تدخل في أوصافه تعالى إلا أن تكون متضمنة لثبوت كالأحد المتضمن لانفراده بالربوبية والإلهية والسلام المتضمن لبراءته من كل نقص يضاد كماله.

 وكذلك الإخبار عنه بالسلوب هو لتضمنها ثبوتا كقوله تعالى: {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} فإنه متضمن لكمال حياته وقيوميته وكذلك قوله تعالى: {وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} متضمن لكمال قدرته وكذلك قوله: {وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ} متضمن لكمال علمه وكذلك قوله: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} متضمن لكمال صمديته وغناه وكذلك قوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} متضمن لتفرده بكماله وأنه لا نظير له وكذلك قوله تعالى: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} متضمن لعظمته وأنه جل عن أن يدرك بحيث يحاط به وهذا مطرد في كل ما وصف به نفسه من السلوب .اهـ
فاستفدنا أنه كلُّ نفي في حق الله يستلزم إثبات صفة الكمال لله سبحانه .
هذا والأصل في الصفات الثبوتية أن تكون مفَصَّلة؛ صفة السمع، البصر، العلم الحياة، القدرة إلى غير ذلك.
وقد تأتي مُجملة كما قال تعالى (ولله المثَل الأعلى) أي الوصف الأعلى.
والأصل في الصفات السلبية -المنفية- أن تكون مجملة مثل قوله تعالى {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} الكفو الشبيه والنظير.
و كما قال تعالى {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا}[مريم:56]، و كما قال عز وجل (فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).
و قد تأتي مفصَّلة مثل {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَد} هذه صفات سلبية مفصَّلة. و كقوله تعالى {وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ}[ق:35]
 وقوله :{لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ}[البقرة:255].
- و في السورة الرد على من يدعي أن لله عز و جل ولدًا كاليهود و النصارى كما قال الله عز و جل {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}[التوبة:30] يضاهئون: أي يشابهون.
7- في حديث عائشة إثبات صفة المحبة لله عز و جل، نثبتها الصفة على ظاهرها من غير تشبيه ولا تمثيل ولاتكييف ولا تحريف .
وهناك من يفسرها بلازمها و قالوا هذا بمعنى إرادة الثواب.
 والواجب أن نثبت ما دلت عليه من المعنى، و أن نثبت اللازم. نُثبت الأمرين جميعاً ،صفة المحبة لله عزوجل ولازمها فمن أحبه الله أثابه و أكرمه و أدخله الجنة.


أكرمنا ربي جميعاً بالجنة وأعاذنا من النار .