جديد الرسائل

الخميس، 13 نوفمبر 2025

(37)من أحكام الصلاة

 

الحث على قيام الليل

 

قَالَ أَبُو الفَضلِ أَحمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ حَجَرٍ العَسقَلَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ:

367 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً، تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

(مَثْنَى) الثانية تأكيد.

هذا الحديث فيه من الفوائد:

 قيام الليل.

 وقيام الليل شعار الصالحين ودأب المتقين، قال تَعَالَى: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16)﴾ [السجدة: 16]، وقال تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64)﴾ [الفرقان: 64]، ويقول سُبحَانَهُ: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18)} [الذاريات: 15-18]، { آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ }، أي: آخذين ما آتاهم من النعيم.

 وما هو السبب في سهرهم؟

 ﴿كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18)}﴾ [الذاريات].

سهرهم الليل في الصلاة والذكر والاستغفار وقراءة القرآن، ولم يكن سهرهم عبثًا، ولا في اللقاءات، والقيل، والمنتزهات.

 ويقول النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الْأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ، وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ» رواه ابن ماجه (1334) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ.

 فقيام الليل سبب من أسباب دخول الجنة.

 ووقاية من النار، ثبت عن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّ بِيَدِي قِطْعَةَ إِسْتَبْرَقٍ، فَكَأَنِّي لاَ أُرِيدُ مَكَانًا مِنَ الجَنَّةِ إِلَّا طَارَتْ إِلَيْهِ، وَرَأَيْتُ كَأَنَّ اثْنَيْنِ أَتَيَانِي أَرَادَا أَنْ يَذْهَبَا بِي إِلَى النَّارِ، فَتَلَقَّاهُمَا مَلَكٌ، فَقَالَ: لَمْ تُرَعْ خَلِّيَا عَنْهُ، فَقَصَّتْ حَفْصَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى رُؤْيَايَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ»، فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ. رواه البخاري (1157،1156) واللفظ له، ومسلم (2479).

وجاء: فَكَانَ عَبْدُ اللهِ بَعْدَ ذَلِكَ، لَا يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلَّا قَلِيلًا. رواه البخاري (2479).

والذي لا يصلي شيئًا في الليل مقصِّرٌ، ومحروم من هذه الفضائل.

ويدل حديث عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ، فَقِيلَ: مَا زَالَ نَائِمًا حَتَّى أَصْبَحَ، مَا قَامَ إِلَى الصَّلاةِ، فَقَالَ: «بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنِهِ» رواه البخاري (1144)، ومسلم (774)- أن عدم قيام الليل مكروه.

 والذي عنده عزيمة ومحبة للخير لا يفرِّط في قيام الليل، وهو ميسر على من يسره الله، وله أن يكتفي بركعة، أما مَن لا يقوم بشيء في الليل حتى ولو ركعة هذا يدل أنه مقصر تقصيرًا كبيرًا، وأنه محروم من الخير بقدر بُعدِهِ عنه.

[مقتطف من دروس بلوغ المرام لابنة الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله]