جديد الرسائل

الخميس، 13 نوفمبر 2025

(34)سلسلة النساء الفقيهات

 

من فقه أم المؤمنين عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا

 

عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، كَيْفَ كَانَتْ صَلاَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ؟ فَقَالَتْ: «مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلا تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلا تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاثًا» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ؟ قَالَ: «يَا عَائِشَةُ، إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلا يَنَامُ قَلْبِي» رواه البخاري (2013)، ومسلم (738).

 

هذا الحديث فيه:

حرص عائشة على العلم؛ فهي تستفسر عما يشكل عليها، وقد كانت رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا حريصة على العلم، حتى إنها كانت لا تعرف شيئًا إلا راجعت فيه النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ. رواه البخاري في كتاب العلم، وهذا من فقهِهَا وعُلُوِّ هِمَّتِهَا.

 وهكذا ينبغي للمرأة أن تحرص على الاستفادة وعلى ما ينفعها.

وللأسف استفسار كثير من النساء على العكس، عن الأمور الدنيوية، عن الأمور التافهة، والتنقيب عن أمورٍ الخيرُ في الإعراض عنها.

 وقد ثبت عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، قَالَ: كُنَّا يَوْمًا فِي الْمَسْجِدِ جُلُوسًا، وَنَفَرٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فَأَرْسَلْنَا رَجُلًا إِلَى عَائِشَةَ لِيَسْتَأْذِنَ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهَا، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ سَائِلٌ مَرَّةً، وَعِنْدِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرْتُ لَهُ بِشَيْءٍ، ثُمَّ دَعَوْتُ بِهِ، فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا تُرِيدِينَ أَلَّا يَدْخُلَ بَيْتَكِ شَيْءٌ، وَلَا يَخْرُجَ، إِلَّا بِعِلْمِكِ» قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، لَا تُحْصِي، فَيُحْصِيَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكِ» رواه النسائي (2549)، وهو في «الصحيح المسند» (1552) لوالدي رَحِمَهُ الله.

معنى «لا تُحْصِي» الإحصاء: الإفراط فِي التَّقَصِّي والاستئثار. كما في «كشف المشكل من حديث الصحيحين» (4/ 451).

وهذا حال كثير من النساء إلا من رحم الله الاستقصاء في معرفة كل شيء، والاستفسارات عن حالِ الناس وما قالوا وما فعلوا، وليس لها من وراء ذلك أي فائدة، الفائدة أن تحرص على رعاية أولادِهَا، وقيامها بمسؤوليتها، وما يُقَرِّبها من ربِّهَا.

فالشيء الذي لا يُحتاج له تجنَّبِيه ودعي التنقيب عنه، « لَا تُحْصِي، فَيُحْصِيَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكِ»، الجزاء من جنس العمل، تنقِّبين وتريدين ألَّا يخفى عليكِ شيء تجازَين بنفس ذلك، تجدين من يكون لك بهذه المثابة، كما قيل: لتشرَبَنَّ من نفس الكأسِ ‏التي سقيتَ منها غيركَ.

فاستغلي وقتك، واعمريه بما ينفعك، واستعيني بالله ولا تعجزي.

[مقتطف من دروس بلوغ المرام لابنة الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله]