(وَمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ فِي أَعْظَمِ آيَةٍ فِي كِتِابِهِ) الآية لغة: العلامة. والْآيَةُ اصطلاحًا: طَائِفَةٌ مِنَ الْقُرْآنِ مُنْقَطِعَةٌ عَمَّا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا.
أعظم آية في كتاب الله: ﴿اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾، وهي آية الكرسي، سُميت آية الكرسي: لأنه ذُكر فيها الكرسي.
(حَيْثُ يَقُولُ: ﴿اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾ [البقرة:255].
﴿ اللَّهُ ﴾ علم على ذات الرب سُبحَانَهُ، وهو يدل على صفة الألوهية.
﴿ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ هذان أيضًا من أسماء الله، وقد ورد هذا الاسمان مقترنان في القرآن في ثلاثة مواضع: في هذه الآية آية الكرسي، وفي سورة آل عمران في أولها، وفي سورة طه.
والحي فيه إثبات صفة الحياة لله عَزَّ وَجَل.
والقيوم: يشمل معنيين:
أن الله هو القائم بنفسه فلا يحتاج إلى غيره. والقائم به غيره، فجميع من في الكون قائم بالله سُبحَانَهُ.
﴿ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ ﴾ نفي السنة والنوم عن الله من الصفات السلبية ويتضمن ثبوتًا؛ فلكمال حياته وقيوميته ﴿لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ ﴾.
السِّنة: النعاس.
﴿ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾ أتى بلفظ الجمع في السماوات؛ لأنها سبع. وأما إفراده الأرض؛ لأن المراد بها الجنس.
وفيه أن جميع الكون ملك لله العالَم العلوي والعالم السفلي.
وفي الاصطلاح: التوسط للغير بجلب منفعة أو دفع مضرة، فمثلًا: شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الموقف أن يقضى بينهم، هذه شفاعة بدفع مضرة، وشفاعته لأهل الجنة أن يدخلوها بجلب منفعة. اهـ.
وهذا من تمام ملك الله أنه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه.
﴿ إِلَّا بِإِذْنِهِ ﴾ إذن الله سُبحَانَهُ على قسمين: إذن كوني قدري وهو الذي يتعلق بالكائنات والمخلوقات، وإذن شرعي ديني، وهو ما شرعه الله سُبحَانَهُ.
والإذن الكوني القدري لا بد أن يقع، أما الإذن الشرعي فقد يقع وقد لا يقع.
﴿ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ﴾ أي: في المستقبل ﴿ وَمَا خَلْفَهُمْ ﴾ أي: في الماضي.
يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون، وهذا فيه شمول علم الله.
﴿ مِّنْ عِلْمِهِ ﴾ هذا من باب إضافة الصفة إلى الموصوف.
﴿ إِلَّا بِمَا شَاء ﴾ فيه أن الله هو الذي يعلِّم الناس، فهو سُبحَانَهُ يعلِّم من شاء من علمه الواسع. وفيه إثبات صفة المشيئة لله، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
﴿ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ﴾ أي: شمل كرسيه.
وفيه الإيمان بالكرسي، وقد جاء عن ابن عباس: أنه موضع قدمي الرحمن، ولكنه موقوف عليه، فالله أعلم.
وفيه عظمة كرسي الله وسعته.
وفيه عظمة الخالق؛ لأن عظمة المخلوق يدل على عظمة الخالق.
﴿ وَلا يَؤُودُهُ﴾ أي: يثقله. ﴿ حِفْظُهُمَا ﴾ أي: حفظ السموات والأرض.
وهذا من الصفات السلبية، وهو يتضمن ثبوتًا؛ فلكمال الله وقوته وقدرته لا يؤوده حفظهما.
وفيه أن الله هو الحافظ للسموات والأرض.
﴿ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾ ورد هذان الاسمان في القرآن مقترنان في هذا الموضع، وفي سورة الشورى.
و«عليّ» صفة مشبهة على وزن «فعيل»، بمعنى: العالي.
وعلو الله على أقسام: علو ذات، وعلو صفات، وعلو قهر.
العظيم أيضًا صفة مشبهة على وزن «فعيل»، يدل على صفة العظمة لله.
(ولهذا)
أي: لما اشتملت عليه هذه الآية من الصفات وعظمة الله كان لها هذه المنزلة.
كما نستفيد: أن القرآن يتفاضل فبعضه أفضل من بعض.
وهناك من خالف وهم الأشاعرة ومالك في رواية عنه، وقالوا: لا تفاضل؛ لأنه كلام الله، ولئلا يوهم تنقص المفضَّل عليه، والقول الأول هو الصحيح.
فكون القرآن يتفاضل هذا من حيث المعنى لا من حيث المتكلم به؛ فإن المتكلم به واحد وهو الله، ولكن من حيث المعنى، فإن الأسلوب والبلاغة والتأثير يختلف.
(كان من قرأ هذه الآية في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح)وهذا رواه البخاري (3275) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: وَكَّلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ فَأَتَانِي آتٍ فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ، فَقُلْتُ: لَأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-فَذَكَرَ الحَدِيثَ-، فَقَالَ: إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الكُرْسِيِّ، لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ، وَلاَ يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ ذَاكَ شَيْطَانٌ».
وفيه قراءة هذه الآية عند النوم، وأنها حصن بإذن الله من الشيطان الرجيم، فهذا أحد المواضع الذي تقرأ فيه هذه الآية: عند النوم، أيضًا من المواضع: بعد الصلاة، وفي الصباح والمساء.