جديد المدونة

جديد الرسائل

الاثنين، 10 فبراير 2025

(3)اختصار درس شرح «رياض الصالحين»

 


3/3-وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنْهَا قَالَت: قالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفرِتُمْ فانْفِرُوا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَمَعْنَاهُ: لَا هِجْرَةَ مِنْ مَكَّةَ؛ لأَنَّهَا صَارَتْ دَارَ إِسْلامٍ.

الهجرة لغة: الترك.

واصطلاحًا: الخروج من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام.

«لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ» أي: بعد فتح مكة، وكان فتح مكة في السنة الثامنة للهجرة، وليس المراد انقطاع الهجرة، فالهجرة باقية إلى يوم القيامة.

والهجرة واجبة في حق من لم يستطع إقامة دين الله في بلده، فإذا لم يتمكن من إقامة دين الله في بلده، وإظهار شعائره فيجب عليه الهجرة إن استطاع.

أما هذا الحديث «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ» فقد فسره النووي وقال: (وَمَعْنَاهُ: لَا هِجْرَةَ مِنْ مَكَّةَ؛ لأَنَّهَا صَارَتْ دَارَ إِسْلامٍ)، وذكر رَحِمَهُ اللهُ في «شرح صحيح مسلم»(13/8) شرح هذا الحديث تفسيرين للعلماء هذا أحدها.

 والثاني: وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْهِجْرَةَ الْفَاضِلَةَ الْمُهِمَّةَ الْمَطْلُوبَةَ الَّتِي يَمْتَازُ بِهَا أَهْلُهَا امْتِيَازًا ظَاهِرًا انْقَطَعَتْ بِفَتْحِ مَكَّةَ، وَمَضَتْ لِأَهْلِهَا الَّذِينَ هَاجَرُوا قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ قَوِيَ وَعَزَّ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ عِزًّا ظَاهِرًا، بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ. اهـ.

فالهجرة قبل فتح مكة أفضل، الهجرة والنفقة والنصرة؛ لأنه لم يكن للإسلام شوكة وقوة.

«وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ» أي: بقي مفارقة البلد؛ لجهاد أعداء الله، أو نية صالحة كالرحلة لطلب العلم.

من فوائد هذا الحديث:

·   انقطاع الهجرة من مكة بعد الفتح، والسبب أنها صارت دار إسلام.

·   وفيه كما قال الحافظ في «فتح الباري»(6/39): بِشَارَةٌ بِأَنَّ مَكَّةَ تَبْقَى دَارَ إِسْلَامٍ أَبَدًا.

·   وفيه كما قال الإمام النووي في شرح هذا الحديث (13/8): الْحَثُّ عَلَى نِيَّةِ الْخَيْرِ مُطْلَقًا، وَأَنَّهُ يُثَابُ عَلَى النِّيَّةِ.

·   وفيه أن الجهاد فرض كفاية، إلا إذا استنفر الإمام الناس فواجب على كل من استنفره، وهذا أحد المواضع التي الجهاد فيها فرض عين، أن يستنفر الناسَ الإمامُ، وعند التحام القتال، وإذا هجم على البلد العدو.

والجهاد على قسمين: جهاد طلب، وجهاد دفع.

النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ في أول أمره في المدينة كان جهاده جهاد دفع، غزوة بدر، وغزوة أحد، وغزوة الخندق (الأحزاب وما بعد هذا صار جهاد طلب، يخرج إلى عدوه، وقد قال النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَجْلَى الأَحْزَابَ عَنْهُ: «الآنَ نَغْزُوهُمْ وَلَا يَغْزُونَنَا، نَحْنُ نَسِيرُ إِلَيْهِمْ» رواه البخاري (4110) عن سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ، وهذا من علامات النبوة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

4/4-وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيِّ رضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فِي غَزَاةٍ فَقَالَ: «إِنَّ بِالْمَدِينَةِ لَرِجَالًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا، وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلاَّ كانُوا مَعَكُم حَبَسَهُمُ الْمَرَضُ».

 وَفِي رِوَايَةِ: «إِلاَّ شَرَكُوكُمْ فِي الأَجْرِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَرَوَاهُ البُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: رَجَعْنَا مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ مَعَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَقَالَ: «إِنَّ أَقْوَامًا خَلْفَنَا بِالمَدِينةِ مَا سَلَكْنَا شِعْبًا وَلَا وَادِيًا إِلَّا وَهُمْ مَعَنَا، حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ».

قول النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ «إِلاَّ كانُوا مَعَكُم» قال القاري في «مرقاة المفاتيح(6/2471): أَيْ: بِالْقَلْبِ وَالْهِمَّةِ وَالدُّعَاءِ وَالنِّيَّةِ. اهـ.

فلهذا شاركوهم في الأجر، كما في هذه الرواية «إِلاَّ شَرَكُوكُمْ فِي الأَجْرِ».

قوله «حَبَسَهُمُ الْمَرَضُ» المرض هو الخروج عن الاعتدال الخاص بالإنسان. كما في «مفردات القرآن»(765).

وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ» هذا أعم من رواية «حَبَسَهُمُ الْمَرَضُ».

وقوله: «مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ» كانت في السنة التاسعة للهجرة.

من فوائد هذا الحديث:

-أن من نوى فعل خير ومَنع من الوصول إليه عائق مرض أو شاغل وصارف، فإنه يحصل له أجرٌ على نيته، ويكتب له أجر العامل.

-فيه فضل النية الصالحة.

-وفيه فضل الله على المسلم أنه بنيته الطيبة يبلغ أجر العامل إذا مُنع من الوصول إلى العمل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

5/5-وَعَنْ أبي يَزِيدَ مَعْنِ بْن يَزِيدَ بْنِ الأَخْنسِ رضي الله عَنْهمْ، وَهُوَ وَأَبُوهُ وَجَدُّهُ صَحَابِيُّونَ، قَال: كَانَ أبي يَزِيدُ أَخْرَجَ دَنَانِيرَ يَتصَدَّقُ بِهَا، فَوَضَعَهَا عِنْدَ رَجُلٍ في الْمَسْجِدِ، فَجِئْتُ فَأَخَذْتُهَا فَأَتيْتُهُ بِهَا. فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا إِيَّاكَ أَرَدْتُ، فَخَاصمْتُهُ إِلَى رسولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، فَقَالَ: «لَكَ مَا نويْتَ يَا يَزِيدُ، وَلَكَ مَا أَخذْتَ يَا مَعْنُ» رواهُ البخاريُّ.

في هذا الحديث من الفوائد:

-وضع الصدقة في المسجد، وقد بوب لذلك الإمام البخاري: (بَابُ القِسْمَةِ، وَتَعْلِيقِ القِنْوِ فِي المَسْجِدِ).

والقنو: العذق.

-وفيه أن من أخرج صدقته فوقعت في يد من لا يقصده يثاب عليها وتُجزئه.

-في هذا الحديث كما قال الحافظ رَحِمَهُ الله في «فتح الباري» (3/292): جواز التحاكم بين الأب والابن، وأن ذلك بمجرده لا يكون عقوقًا.