جديد المدونة

جديد الرسائل

الاثنين، 10 فبراير 2025

(2)اختصار درس شرح «رياض الصالحين»

 


(1. بَابُ الإِخلَاصِ وَإِحضَارِ النِّيَّةِ فِي جَمِيعِ الأَعمَالِ وَالأَقوَالِ وَالأَحوَالِ البَّارِزَةِ وَالخَفِيَّةِ) بدأ المؤلف النووي رَحِمَهُ اللهُ كتابه بالإخلاص؛ وذلك لأن العبادة لا تصح إلا بإخلاص العمل لله.

قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ [البينة: 5].

﴿وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ﴾ الأمر هنا أمر شرعي ديني.

﴿ حُنَفَاءَ﴾ الحنيف: المقبل على الله المعرض عما سواه.

﴿وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ ﴾ إقام الصلاة: الإتيان بها على الوجه التام المشروع.

﴿وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ قال القرطبي رَحِمَهُ اللهُ في «تفسيره»(20/144): أَيْ: ذَلِكَ الدين الذي أمروا به دين القيمة، أَيِ: الدِّينُ الْمُسْتَقِيمُ.

 وَقَالَ تَعَالَى: ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ﴾ [الحج: 37] هذه الآية أيضًا من أدلة الإخلاص.

وَقَالَ تَعَالَى: ﴿قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ﴾ [آل عمران: 29] وهذه الآية أيضًا من أدلة الإخلاص، وأن الله مطلع على ما في القلوب، وهذه أيضًا من أدلة مراقبة الله عَزَّ وَجَل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1/1-وَعَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَبِي حَفْصٍ عُمرَ بنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقُولُ: «إِنَّمَا الأَعَمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ فَهِجرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانْت هِجْرَتُه لِدُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوِ امرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ» مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِه. رواهُ إِماما المُحَدِّثِين: أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعيلَ بْنِ إِبْراهيمَ بْنِ الْمُغيرةِ بْنِ برْدزْبَهْ الْجُعْفِيُّ الْبُخَارِيُّ، وَأَبُو الحُسَيْنِ مُسْلمُ بْنُ الْحَجَّاجِ بْنِ مُسلمٍ القُشَيْريُّ النَّيْسَابُوريُّ رَضَيَ اللهُ عَنْهُمَا فِي «صَحيحيهِما» اللَّذَيْنِ هما أَصَحُّ الْكُتُبِ الْمُصَنَّفَة.

«وَإِنَّمَا لِكُلِّ امرِئٍ مَا نَوَى» أي: يكون له ما نواه من خير أو شر.

 

هذا الحديث من جوامع كلم النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ.

وفي هذا الحديث:

 -النية في العبادات، فلا يقبل العمل إلا بنية.

والنية في القلب فلا يُتلفظ بها، ولا يتعمق في إيجادها؛ لأنه يصير وسوسة.

-وفيه الإخلاص في العبادة والعمل الصالح، وابتغاء وجه الله.

-ذكر النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ في هذا حديث الهجرة وتفاوت النية فيها، فمنهم المهاجر يبتغي وجه الله، ومنهم المهاجر لغير ذلك، واقتصر في الحديث على مثالين من مقاصد الهجرة التي ليست لوجه الله: الهجرة للتجارة، ومن أجل أن ينكح امرأة، فله نيته.

وهذا الحديث جاء أن سبب وروده رجل يقال له: مهاجر أم قيس، لكن هذا لا يصح، وقد بين هذا ابن رجب رَحِمَهُ اللهُ في «جامع العلوم والحكم»، والقصة ثابتة أن مهاجر أم قيس هاجر؛ ليتزوج امرأة، لكن لم يثبت أنه سبب ورود هذا الحديث.

الهجرة لغة: الترك.

واصطلاحًا: الخروج من دار الكفر إلى دار الإسلام.

أسباب تعين على الإخلاص:

-منها العلم وبالأخص العقيدة؛ لأن العلم نور.

-الإيمان بالقدر.

-الزهد في الدنيا.

-النظر إلى عواقب الرياء السيئة، فهو من أسباب رد العمل.

-ومن أسباب العذاب كما في حديث الثلاثة التي تسعر بهم النار، رواه مسلم (1905) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.

-و من علامة العلم الذي لا ينفع.

-ويذهب البركة ويجلب الخذلان.

-وينفر قلوب الناس عن جهوده وعلمه وتعليمه ويموت ولا ينتفع بعلمه.

-والعبادة بدون إخلاص كالقشور التي لا لب فيها، والجسد الذي لا روح فيه.

-وأنه من أسباب تسلط الشيطان على العبد.

-وأن المعاصي تُيسَّر أبوابُها لغير المخلص.

-ومن أسباب الخزي والفضيحة.

-وأنه من أسباب مقت الله للمرائي وبُعده عنه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

2/2-وَعَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أُمِّ عَبْدِ اللَّهِ عَائشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَت: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: «يَغْزُو جَيْشٌ الْكَعْبَةَ فَإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الأَرْضِ يُخْسَفُ بأَوَّلِهِم وَآخِرِهِمْ»، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يُخْسَفُ بَأَوَّلِهِم وَآخِرِهِمْ وَفِيهِمْ أَسْوَاقُهُمْ وَمَنْ لَيْسَ مِنهُمْ؟ قَالَ: «يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِم وَآخِرِهِمْ، ثُمَّ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، هذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ.

«يُخْسَفُ بأَوَّلِهِم وَآخِرِهِمْ» أي: يخسف بهم كلهم.

«وَفِيهِمْ أَسْوَاقُهُمْ» أي: الذين يبيعون ويشترون.

من فوائد هذا الحديث:

-أن الكعبة ستُغزى، وهذا إخبار من النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، نؤمن به.

-وفيه أنهم لا يمكَّنون من هدم الكعبة، وهذا من حماية الله سُبحَانَهُ للكعبة وشرفها.

وإذا شاء الله في آخر الزمان ستهدم الكعبة، كما روى البخاري (1591 ومسلم (2909) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يُخَرِّبُ الكَعْبَةَ ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنَ الحَبَشَةِ».

-اهتمام أم المؤمنين عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بالعلم النافع.

-وفيه التحذير من مصاحبة الأشرار ومخالطتهم؛ فإن الفتنة قد تعم.

-وفيه أنهم يبعثون يوم القيامة على نياتهم إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر.