(أَمَّا بَعْدُ) أي: مهما يك من شيء بعد، فـ«أما» حرف شرط وتفصيل، نائبة عن اسم شرط مع فعله المحذوف؛ لأن التقدير: مهما يك من شيء بعد.
و«بعد»: ظرف زمان متعلق بالفعل المحذوف.
(فَهَذَا اعْتِقَادُ الْفِرْقَةِ)الفِرقة بكسر الفاء: الطائفة، والفُرقة بالضم مأخوذة من الافتراق والاختلاف.
(النَّاجِيَةِ) صفة للفرقة، أي: أنها نجت من النار، وهذه التسمية (الفرقة الناجية) مأخوذة من حديث النبي صلى الله عليه وسلم، الحديث وفيه: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتَفْتَرِقَنَّ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ»، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ؟ قَالَ: «الْجَمَاعَةُ».
والمؤلف رَحِمَهُ اللهُ يبين في هذا الكتاب عقيدة الفرقة الناجية؛ ليحث على التمسك بها، والحذر من الانحراف عنها.
ومن أوصاف الفرقة الناجية: الإيمان، العمل الصالح، التواصي بالحق، التواصي بالصبر، كما في سورة العصر.
ويقول سُبحَانَهُ: ﴿وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170)﴾ [الأعراف: 170].
وروى البخاري (7280) عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: «كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى».
واستفدنا من الآية الثانية والحديث النبوي: أن من أوصاف الفرقة الناجية: التمسك بالكتاب والسنة، وحسن الاتباع.
(الْمَنْصُورَةِ) هذا مأخوذ من قوله صلى الله عليه وسلم: «وَلَنْ تَزَالَ هَذِهِ الأُمَّةُ قَائِمَةً عَلَى أَمْرِ اللهِ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ» والحديث في «الصحيحين» عن جماعة من الصحابة.
والذي ينصر هذه الطائفة هو الله، قال الله: ﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ﴾ [غَافِرٍ: 51].
وقوله تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد: 7].
(إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ) أي: إلى قرب قيام الساعة؛ لأنه عند قرب قيام الساعة يرتفع الخير ويذهب الصالحون، كما قال النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُقَالَ فِي الْأَرْضِ: اللهُ، اللهُ» رواه مسلم (148) عَنْ أَنَسٍ.
وهذا ليس فيها شبهة للصوفية؛ فقد تشبثوا به على إفراد لفظ الجلالة بالذكر، فهو مبين بالأدلة الأخرى، أن لفظ الجلالة تكون في كلام مفيد (لا إله إلا الله، الحمد لله).
وبعضهم يقول: الساعة هنا بمعنى: الموت، فهذان تفسيران.
(أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ) قال الشيخ ابن عثيمين في «شرحه»(1/46): أضافهم إلى السنة؛ لأنهم متمسكون بها، والجماعة؛ لأنهم مجتمعون عليها. اهـ.
وهم السلف لا فرق بينهم.
والسلف لغة: المتقدم في الزمن على غيره.
واصطلاحًا: قال شيخ الإسلام في «مجموع الفتاوى»(6/355): مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَهُمْ السَّلَفُ مِنْ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ وَمَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُمْ مِنْ الْخَلَفِ. اهـ.
الخلف هنا بمعنى: من جاء متأخرًا؛ لأن الخلف يأتي لمعنيين: يأتي بمعنى: المتأخر، يقال: السلف والخلف. ويأتي بمعنى: أهل البدع.
وهذه النسبة (السلفية) يتنكر لها أهل الأهواء، ويقولون: من أين هذه التسمية؟
والرد: قول النّبِيّ صلى الله عليه وسلم لفاطمة ابنته رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «وَنِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ» رواه البخاري (6285)، ومسلم (2450) عن عائشة عن فاطمة رضي الله عنهما.