39-وَعَنْ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَسْبِغِ الْوُضُوءَ، وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ، وَبَالِغْ فِي الاسْتِنْشَاقِ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا» أَخْرَجَهُ الْأَرْبَعَةُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَلِأَبِي دَاوُدَ فِي رِوَايَةٍ: «إِذَا تَوَضَّأْتَ فَمَضْمِضْ».
الإسباغ: وهو الإنقاء واستكمال جميع الأعضاء بالماء.
وإسباغ الوضوء على قسمين:
واجب، وذلك بتعميم غسل الأعضاء بكاملها مع جريان الماء.
ومستحب، وهذا في الغسلة الثانية والثالثة.
«وَلَمْ يُسْبِغِ الوُضُوءَ» أي: الإسباغ المستحب.
وإسباغ الوضوء فيه فضيلة، روى الإمام مسلم (251) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟» قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ».
وتخليل الأصابع عام في أصابع اليدين والرجلين، وهو على قسمين:
واجب، وذلك إذا كان الماء قليلًا لا يصل إلا بالتخليل.
ومستحب، وذلك إذا كان يصل الماء بدون التخليل.
وشُرع تخليل الأصابع؛ لأنه قد يترسب بينها بعض الأوساخ أو الدهون وخاصة أصابع الرجلين؛ لأنها أكثر ملاصقة من أصابع اليدين.
وتخليل أصابع اليدين: إدخال بعضها في بعض.
ويستحب في تخليل أصابع الرجلين أن يكون بالخنصر؛ لحديث المُسْتَورِدِ بنِ شَدَّادٍ القُرَشِيِّ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يَدْلُكُ بِخِنْصِرِهِ مَا بَيْنَ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ».
الحديث أخرجه أبو داود (148)، والترمذي (40)، وفيه ابن لهيعة ضعيف، لكنه مقرون بالليث بن سعد وعمرو بن الحارث عند ابن أبي حاتم. وله شواهد ذكرها الحافظ في «التلخيص الحبير» (1/164)، فالحديث صحيح.
قال الترمذي رَحِمَهُ اللهُ تحت حديث رقم (38): والعمل على هذا عند أهل العلم أنه يخلل أصابع رجليه في الوضوء، وبه يقول أحمد، وإسحاق.
وقال إسحاق: يخلل أصابع يديه، ورجليه في الوضوء.
وهل فيه ترتيب في تخليل أصابع الرجلين؟
في «الموسوعة الكويتية»(11/51): أَمَّا تَخْلِيل أَصَابِعِ الرِّجْل، فَيُسْتَحَبُّ فِيهِ أَنْ يَبْدَأَ بِخِنْصَرِ الرِّجْل الْيُمْنَى، وَيَخْتِمَ بِخِنْصَرِ الرِّجُل الْيُسْرَى؛ لِيَحْصُل التَّيَامُنُ، وَهُوَ مَحَل اتِّفَاقٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ.
«وَبَالِغْ فِي الاسْتِنْشَاقِ» المبالغة في الاستنشاق: جذب الماء بالنفس إلى أقصى الأنف، وهذا لغير الصائم.
من فوائد هذا الحديث:
-مشروعية إسباغ الوضوء.
-مشروعية تخليل ما بين الأصابع.
-استحباب المبالغة في الاستنشاق إلا للصائم.
وكما يستحب المبالغة في الاستنشاق كذلك يستحب المبالغة في الاستنثار.
-نستفيد من الحديث أيضًا: أن الأنف قد يكون منفذًا للطعام والشراب، فلو أن مريضًا يعطى الطعام أو الشراب من أنفه فإنه يكون مفطرًا ولا يصح صيامه.
- وجوب المضمضة في الوضوء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
40-وَعَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُخَلِّلُ لِحْيَتَهُ فِي الْوُضُوءِ. أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ.
تخليل اللحية: تفريقها بالأصابع.
واللحية: الشعر النابت على اللحيين والذقن وما قرب من ذلك.
واللحيان: العظمان اللذان فيهما الأسنان.
واللحية على قسمين:
كثيفة وهي التي لا يرى ما وراءها من البشرة.
وخفيفة: وهي التي يرى ما وراءها من البشرة.
فإذا كانت اللحية كثيفة فالواجب غسل ظاهرها وما استرسل منها؛ لأن هذا من الوجه، وقد قال الله تَعَالَى: ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ ﴾ [المائدة:6]. وأما التخليل فيكون مستحبًّا كما فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فقد كانت لحيته كثيفة وكان يخللها.
أما إذا كانت خفيفة فيغسل ما تحتها، ويجب تخليل اللحية الخفيفة إذا كان الماء لا يصل إلى باطنها؛ لأنه قليل فلا يصل إلا بالتخليل.
ونستفيد من هذا الحديث:
مشروعية تخليل اللحية في الوضوء.
ونستفيد: أن النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ كانت له لحية، وما كان يأخذ منها شيئًا لا تهذيب كما يقال ولا غيره.
وأما الحديث الذي رواه الترمذي (2762) عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْخُذُ مِنْ لِحْيَتِهِ مِنْ عَرْضِهَا وَطُولِهَا» فالحديث ضعيف جدًّا؛ فيه عمر بن هارون البلخي وهو متروك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
41-وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِثُلُثَيْ مُدٍّ، فَجَعَلَ يَدْلُكُ ذِرَاعَيْهِ. أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ.
والحديث ثابت، وله شاهد عن أُمّ عُمَارَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ فَأُتِيَ بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ قَدْرُ ثُلُثَيِ الْمُدِّ» رواه أبو داود (94)، وهو في «الصحيح المسند» (1653) لوالدي رَحِمَهُ الله.
المد: ملء كفَّي الرجل المعتدل.
(المعتدل) أي: المتوسط.
الدلك في الوضوء: إمرار اليد على العضو. يغسل ويدلك بيديه ما يكتفي بضرب الماء على العضو.
الذراع: من المرفق إلى رؤوس الأصابع.
في هذا الحديث من الفوائد:
مشروعية الدلك في الوضوء.
وفيه ثلاثة أقول لأهل العلم: أن الدلك في الوضوء وكذا الغسل واجب، وهذا قول مالك والمزني.
ومنهم من قال: الدلك مستحب، وهذا قول جمهور العلماء.
ومنهم من فصل: إن كان الماء يصل إلى العضو بدون دلك فالدلك مستحب، وإن كان لا يصل الماء إلا بالدلك فهو واجب، وهذا هو القول الصحيح.
وفيه من الفوائد: الاقتصاد في ماء الوضوء.
وهو من أدلة الاقتصاد في الماء، فينبغي التأسي بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ والحذر من الإسراف، ﴿وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)﴾ [الأعراف: 31].
وقد جاءت بعض الأدلة في التحذير في الإسراف في ماء الوضوء، مثل حديث: عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِلْوُضُوءِ شَيْطَانًا يُقَالُ لَهُ: وَلَهَانُ، فَاتَّقُوا وَسْوَاسَ الْمَاءِ» رواه ابن ماجه(421)، ولكنه حديث ضعيف.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
42-وَعَنْهُ، أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْخُذُ لِأُذُنَيْهِ مَاءً خِلَافَ الْمَاءِ الَّذِي أَخَذَ لِرَأْسِهِ. أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَهُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِلَفْظ: وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ بِمَاءٍ غَيْر فَضْلِ يَدَيْهِ، وَهُوَ الْمَحْفُوظ.
رواية البيهقي فيها أخذ ماء جديد لمسح الأذنين، ولكنها رواية شاذة، والشاذ من قسم الضعيف، والصحيح ما رواه الإمام مسلم (236): «وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ بِمَاءٍ غَيْرِ فَضْلِ يَدِهِ» عن عَبْد اللهِ بْن زَيْدِ.
«فَضْلِ يَدِهِ» الفضلة البقية، يعني: أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أخذ لمسح رأسه ماءً جديدًا.