جديد المدونة

جديد الرسائل

الاثنين، 7 أغسطس 2023

(15) اختصار دروس الأمثال في القرآن

 

وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ(24)تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ(25)﴾ [إبراهيم].

﴿أَلَمْ ﴾ الهمزة للاستفهام الإنكاري، وهي تقتضي أن ما بعدها غير واقع، وأن مدعيه كاذب، فإذا جاء بعدها نفي كان مثبتًا؛ لأن نفي النفي إثبات.

وقد دخلت في هذه الآية على نفي، فيكون المعنى: لقد ضرب الله مثلًا كلمة.

﴿ تَرَ ﴾ بمعنى: تعلم.

﴿كَلِمَةً ﴾ بدل من ﴿ مَثَلا﴾. الكلمة الطيبة: شهادة أن لا إله إلا الله عند جمهور المفسرين، ولا مانع أن تكون الكلمة الطيبة أعم كما قال تَعَالَى: ﴿وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24) [الحج: 24]. ولكن أعلاها كلمة (لا إله إلا الله).

﴿ كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ ﴾ فيه أقوال في بيان الشجرة الطيبة: الإيمان، المؤمن، أنها النخلة وهذا قول جمهور المفسرين واختاره ابن جرير، ودليله حديث عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَهِيَ مَثَلُ الْمُسْلِمِ، حَدِّثُونِي مَا هِيَ؟». فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَادِيَةِ وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ.

 قَالَ عَبْدُاللهِ: فَاسْتَحْيَيْتُ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنَا بِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هِيَ النَّخْلَةُ».

 قَالَ عَبْدُاللهِ: فَحَدَّثْتُ أَبِي بِمَا وَقَعَ فِي نَفْسِي، فَقَالَ: لَأَنْ تَكُونَ قُلْتَهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِي كَذَا وَكَذَا. رواه البخاري(131ومسلم(2811).

وقيل: شجرة في الجنة. ولا دليل عليه. 

﴿ أَصْلُهَا ثَابِتٌ ﴾ الأصل: جذور الشجرة.

﴿تُؤْتِي أُكُلَهَا ﴾ أي: ثمارها.

﴿ كُلَّ حِينٍ﴾ أي: في كل وقت ليلًا ونهارًا صيفًا وشتاءً. وثمارها أنواع: بلح، بُسر، رُطب، تمر رطبًا ويابسًا.

خلاصة  فوائد درس هذا المثل:

-هاتان الآيتان من أدلة العقيدة، وأن العقيدة هي الأساس في السعادة، في قبول العمل، في النجاح والفوز بالجنة.

-أن الكلمة الطيبة تُثمر الأعمال الصالحة.

-وفيه تصوير المعاني بالأمور المحسوسة؛ للتقريب إلى الفهم، فثبات الإيمان في قلب المؤمن كثبوت النخلة الراسخة التي ضربت عروقها في الأرض، فمهما هبت الريح لا تسقطها ولا تزحزحها.

- أن شجرة الإيمان شجرة مباركة، لها أصول وفروع، وثمار.

- قول جمهور المفسرين في الكلمة الطيبة أنها كلمة التوحيد لا إله إلا الله، وأن الشجرة الطيبة النخلة.

- أن تفسير الشجرة الطيبة بالنخلة، وتفسيرها بالمؤمن لا اختلاف بينهما؛ فكلاهما مشبَّهٌ بالآخر.

ذكر ابن القيم فوائد وحِكَمًا بيَّن من خلالِها وجه التشابه بين المؤمن والنخلة:

الأول: أن هذه الشجرة لا بد لها من عدة أمور: أن يكون لها عروق وساق ، وفروع، وورق، وثمر، فكذلك شجرة الإيمان لا بد لها من عروق، وأصول وهو الساق، وفروع، وثمر.

فالعروق العلم والمعرفة واليقين، وأن يكون لها ساق-أي: أصل-وهو الإخلاص لله، وفروع وهي الأعمال الصالحة، وثمر وهو ما تثمره هذه الكلمة الطيبة من الأعمال الصالحة والتقوى والأخلاق والمكارم.

ومنها: أن النخلة لا تبقى إلا بسقيها، فلا حياة لها بدون ماء، فهكذا شجرة الإسلام في القلب تحتاج إلى سقي بالوحي والعلم النافع.

ومنها: أن الغرس والزرع الذي ينفع لا بد من رعايته؛ بإزالة ما دخل بينه من نبت غريب ليس من جنسِهِ، ومن أوساخ، فإذا رعاه وتعاهده كمُل غرسه وزرعه، وحصل النفع به، وإن تركه أوشك أن يتلف أو تضعف الثمرة، فهكذا شجرة الإيمان يرد عليها ما يُضعفها من فسوق، وخيانة، وفتن، وشهوات وشبهات، ووسوسة الشيطان، والنفس الأمارة بالسوء، فيحتاج إلى تنقيتِهِ وإزالة ما يوهنه.