حفصَةُ بنت سيرين رَحِمَهَا الله
عن هشام،- وهو ابن حسان-، عن إياس بن معاوية، قال: ما أدركت أحدًا أفضِّلُه على حفصة.
فقيل له: الحسن، وابن سيرين؟
فقال: أما أنا فلا أفضِّل عليها أحدًا.
قال: وقرأتِ القرآن، وهي ابنة اثنتي عشرة سنة.
وماتت وهي ابنة سبعين سنة. كذا قال ابن أَبي داود فقيل له: تسعين سنة، فقال: كذا في الحديث.
أخرجه أَبُو بَكْر بْن أَبي داود كما في «تهذيب الكمال»(35/152)، والأثر صحيح.
وهي إحدى سيدات نساء التابعين، قال العراقي رَحِمَهُ الله في « الألفية »:
وفي نِسَاءِ التَّابِعِينَ الأَبْدَا ... حَفْصَةُ مَعْ عَمْرَةَ أُمِّ الدَّرْدَا
قال العراقي في « شرح الألفية»(2/163): قولي: الأبدا، أي: أبداهُنَّ، بمعنى أولهنَّ في الفضلِ.
ثم قال: قالَ أبو بكرِ بنُ أبي داودَ: سَيِّدَتَا التَّابِعِينَ مِنَ النِّسَاءِ حَفْصَةُ بنتُ سيرينَ، وعَمْرَةُ بنتُ عبدِ الرحمنِ، وثالثتُهما وليستْ كهما أُمُّ الدرداءِ، يريدُ الصُّغرى، واسمها هُجَيْمَةُ، ويقالُ: جُهَيْمَةُ، فأمَّا أُمُّ الدرداءِ الكُبْرى، فهيَ صحابيةٌ، واسمها خَيْرَةٌ.
وقد ترجم لها الذهبي رَحِمَهُ الله في « تاريخ الإسلام»(3/37) بترجمةٍ موجزة حافلة، وقال: كَانَتْ عَدِيمَةَ النَّظِيرِ فِي نِسَاءِ وَقْتِهَا، فَقِيهَةً صَادِقَةً فَاضِلَةً كَبِيرَةَ الْقَدْرِ، تُوُفِّيَتْ بعد المائة.
وقال الحافظ في «تقريب التهذيب»: حفصة بنت سيرين أم الهذيل الأنصارية البصرية، ثقة من الثالثة، ماتت بعد المائة، من رجال الجماعة.
رحم الله حفصة بنت سيرين، كيف حَظِيَتْ بمناقبَ جمَّةٍ، منها:
-أنها من المحدِّثات الفقيهات.
-شهادة إياس بن معاوية أحد فضلاء التابعين لها بأنه ما أدركَ أحدًا يفضِّلُهُ عليها.
-إقبالها على العلم وهي صغيرة السنٍّ.
-حفظها القرآن وهي ابنة اثنتي عشرة سنة.
وقد استمرَّت رَحِمَهَا الله في طلب العلم والتعليم والعبادة حتى توفاها الله.
-دخولها إن شاء الله في الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللهِ».
-أنَّها عُدَّتْ في سيدات التابعين من النساء، وأنها أوَّلُهُنَّ فضلًا.
-وصف الذهبي رَحِمَهُ الله لها بأوصاف، من ضمنِها: أنه لا يوجد لها نظيرٌ فِي نِسَاءِ وَقْتِهَا.
فتأمَّلْنَ هذه الفضائل، وسابِقْنَ إليها، والموفَّقة مَنْ صرفَتْ همَّتها لآخرتِها، اللهم أحيي قلوبنا من غفلتِها.