حذر الطالب من تخبيب التلاميذ على شيوخِهِم
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ خَبَّبَ زَوْجَةَ امْرِئٍ، أَوْ مَمْلُوكَهُ فَلَيْسَ مِنَّا» رواه أبو داود، وإسناده حسن.
والحديث عام في النهي عن إفساد ذات البين، سواء الزوجة على زوجِها أو السعي بالإفساد بين الجار والجاره، والصديق وصديقه، والأخ وأخيه، والابن وأبيه...
ومن أعظمِ السعي بالإفساد: محاولة فصل التلميذ عن شيخِهِ السُّنِّي، بتوغير صدرِه عليه، والتفريق بينه وبين شيخه بشتى التحريشات.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في «شرح حلية طالب العلم» (١٤٢):
أما طرد أهل البدع من المجالس، نعم يُطردون من المجالس، وللشيخ أن يطرد من مجلسه ما دون ذلك، فإذا رأى من أحد الطلبة أنه يفسد الطالب عند زملائه؛ بحيث يعتدون على الشيخ، ولا يهابونه، ويحتقرونه، فله أن يطرده؛ لأنه يعتبر مفسدًا فيُطرد. اهـ.
وقد دلَّ قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلَيْسَ مِنَّا» على الزجر والوعيد على ذلك.
وقد روى الخطيب في «الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع»(1370) من طريق سُفْيَانَ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِلزُّهْرِيِّ: يَا أَبَا بَكْرٍ: قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُوَقِّرْ كَبِيرَنَا». مَا مَعْنَاهُ؟ فَقَالَ الزُّهْرِيُّ: مِنَ اللَّهِ الْعِلْمُ، وَعَلَى الرَّسُولِ الْبَلَاغُ، وَعَلَيْنَا التَّسْلِيمُ. هذا أثر صحيح.
وسفيان هو: ابن عيينة، سفيان الثوري لا يروي عن الزهري إلا بواسطة، كما في «الفتح»(3567)
وهذا قول لبعض أهل العلم ترك تفسير «لَيْسَ مِنَّا»؛ لأنه أبلغ في الزجر.
قال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» عند رقم حديث (7070): وَالْأَوْلَى عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ السَّلَفِ إِطْلَاقُ لَفْظِ الْخَبَرِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِتَأْوِيلِهِ؛ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي الزَّجْرِ، وَكَانَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ يُنْكِرُ عَلَى مَنْ يَصْرِفُهُ عَنْ ظَاهِرِهِ، وَيَرَى أَنَّ الْإِمْسَاكَ عَنْ تَأْوِيلِهِ أَوْلَى؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ. ا هـ المراد.
وقال النووي رَحِمَهُ الله في « شرح صحيح مسلم»(2/50): قَالَ الْعُلَمَاءُ: مَعْنَاهُ لَيْسَ عَلَى هَدْيِنَا وَجَمِيلِ طَرِيقَتِنَا، كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ لِابْنِهِ: لَسْتَ مِنِّي.
وقال الحافظ في «فتح الباري» عند حديث (5063): قَوْلُهُ: «فَلَيْسَ مِنِّي»، إِنْ كَانَتِ الرَّغْبَة بِضَرْبٍ مِنَ التَّأْوِيلِ يُعْذَرُ صَاحِبُهُ فِيهِ، فَمَعْنَى «فَلَيْسَ مِنِّي» أَيْ: عَلَى طَرِيقَتِي، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَخْرُجَ عَنِ الْمِلَّةِ، وَإِنْ كَانَ إِعْرَاضًا وَتَنَطُّعًا يُفْضِي إِلَى اعْتِقَادِ أَرْجَحِيَّةِ عَمَلِهِ، فَمَعْنَى «فَلَيْسَ مِنِّي» لَيْسَ عَلَى مِلَّتِي؛ لِأَنَّ اعْتِقَادَ ذَلِكَ نَوْعٌ مِنَ الْكُفْرِ.
وأما تفسير المرجئة بأن: «ليس منا» ليس مثلنا كما ذكره الإمام أحمد عنهم كما في «السنة» للخلال (516) فمن أبطل الباطل؛ إذ أنه سيكون من لم يفسد زوجة أحد يكون مثل النبي و أصحابه، ومن لم يغش كذلك وهكذا...
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رَحِمَهُ الله في « مجموع الفتاوى»(19/294): لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ: لَيْسَ مِنْ خِيَارِنَا كَمَا تَقُولُهُ الْمُرْجِئَةُ، وَلَا أَنْ يُقَالَ: صَارَ مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ فَيَكُونُ كَافِرًا كَمَا تَقُولُهُ الْخَوَارِجُ.
بَلْ الصَّوَابُ أَنَّ هَذَا الِاسْمَ الْمُضْمَرَ(نا) يَنْصَرِفُ إطْلَاقُهُ إلَى الْمُؤْمِنِينَ الْإِيمَانَ الْوَاجِبَ، الَّذِي بِهِ يَسْتَحِقُّونَ الثَّوَابَ بِلَا عِقَابٍ، وَلَهُمْ الْمُوَالَاةُ الْمُطْلَقَةُ وَالْمَحَبَّةُ الْمُطْلَقَةُ، وَإِنْ كَانَ لِبَعْضِهِمْ دَرَجَاتٌ فِي ذَلِكَ بِمَا فَعَلَهُ مِنْ الْمُسْتَحَبِّ، فَإِذَا غَشَّهُمْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ حَقِيقَةً؛ لِنَقْصِ إيمَانِهِ الْوَاجِبِ الَّذِي بِهِ يَسْتَحِقُّونَ الثَّوَابَ الْمُطْلَقَ بِلَا عِقَابٍ، وَلَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِهِمْ مُطْلَقًا، بَلْ مَعَهُ مِنْ الْإِيمَانِ مَا يَسْتَحِقُّ بِهِ مُشَارَكَتَهُمْ فِي بَعْضِ الثَّوَابِ، وَمَعَهُ مِنْ الْكَبِيرَةِ مَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الْعِقَابَ، كَمَا يَقُولُ مَنْ اسْتَأْجَرَ قَوْمًا لِيَعْمَلُوا عَمَلًا، فَعَمِلَ بَعْضُهُمْ بَعْضَ الْوَقْتِ، فَعِنْدَ التَّوْفِيَةِ يَصْلُحُ أَنْ يُقَالَ: هَذَا لَيْسَ مِنَّا فَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ الْكَامِلَ، وَإِنْ اسْتَحَقَّ بَعْضَهُ.
وَقال أيضًا رَحِمَهُ الله في « مجموع الفتاوى»(7/41): كَذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا، وَمَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا» كُلُّهُ مِنْ هَذَا الْبَابِ، لَا يَقُولُهُ إلَّا لِمَنْ تَرَكَ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ، أَوْ فَعَلَ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَيَكُونُ قَدْ تَرَكَ مِنْ الْإِيمَانِ الْمَفْرُوضِ عَلَيْهِ مَا يَنْفِي عَنْهُ الِاسْمَ لِأَجْلِهِ، فَلَا يَكُونُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلْوَعْدِ، السَّالِمِينَ مِنْ الْوَعِيدِ. اهـ.
ونكون استفدنا من كلام شيخ الإسلام بيان معنى: « ليس منا» نفي الإيمان الكامل الواجب، وأن الإيمان الواجب ناقص.