جديد المدونة

جديد الرسائل

الاثنين، 23 يناير 2023

(53) العلم وفضلُه

 

                                  الحث على تبليغ العلم

 

قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ[المائدة].

 

فيه أنه يجب على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يبلِّغَ رسالةَ ربّهِ، وقد بلَّغ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرسالة أتمَّ التبليغ وأكمله.

 

 وقد كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشهِدُ اللهَ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بأنه بلغ الرسالة. وكان الصحابة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم يشهدون أنه بلَّغَ الرسالة، كحديث جابر الطويل عند مسلم في حجة الوداع، حذَّرَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ من التعامل بالربا، وعلَّمَ مناسك الحج، وأوصى بالنساء خيرًا، وغير ذلك، ثم قال: «وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟»، قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ، فَقَالَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ، يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ: «اللهُمَّ، اشْهَدْ، اللهُمَّ، اشْهَدْ» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.

أي: يكرّرُ ثلاثًا إشهادَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لربِّهِ أنه قد بلَّغَ أمتَهُ الرسالةَ.

قال السعدي رَحِمَهُ الله في تفسير هذه الآية من «تفسيره»(239): هذا أمر من الله لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم بأعظم الأوامر وأجلِّها، وهو التبليغ لما أنزل الله إليه، ويدخل في هذا كل أمر تلقته الأمة عنه صلى الله عليه وسلم من العقائد والأعمال والأقوال، والأحكام الشرعية والمطالب الإلهية.

فبلَّغ صلى الله عليه وسلم أكمل تبليغ، ودعا وأنذر، وبشر ويسر، وعلم الجهال الأميين حتى صاروا من العلماء الربانيين، وبلغ بقوله وفعله وكتبه ورسله. فلم يبق خير إلا دل أمته عليه، ولا شر إلا حذرها عنه، وشهد له بالتبليغ أفاضل الأمة من الصحابة، فمن بعدهم من أئمة الدين ورجال المسلمين. اهـ.

هذه الآية الكريمة من أدلة وجوب تبليغ العلم، وعدمِ كتمانِهِ. فالأمر عامٌّ  لحملَة هذا الدين.

قال القرطبي رَحِمَهُ الله في «تفسيره»(6/242): هَذَا تَأْدِيبٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَأْدِيبٌ لِحَمَلَةِ الْعِلْمِ مِنْ أُمَّتِهِ أَلَّا يَكْتُمُوا شَيْئًا مِنْ أَمْرِ شَرِيعَتِهِ، وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَمْرِ نَبِيِّهِ أَنَّهُ لَا يَكْتُمُ شَيْئًا مِنْ وَحْيِهِ. اهـ.

 

وقوله تَعَالَى: ﴿وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾ أي: إن لم يبلغ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما أُنزل إليه فما بلغ رسالة ربّهِ.

 وهذا لا يلزم منه الوقوع؛ لأنه شرط، والتعليق بالشرط لا يلزم منه الوقوع، وهذا نحو قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ[الزُّمَرِ: 65] الآية.  وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بعد أن ذكر عددًا من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام: ﴿وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(88)[الأنعام].

قال الحافظ ابن كثير في « تفسيره»(3/299)-تفسير سورة الأنعام-: هَذَا شَرْطٌ، وَالشَّرْطُ لَا يَقْتَضِي جَوَازَ الْوُقُوعِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ﴾[الزُّخْرُفِ: 81]، وَكَقَوْلِهِ: ﴿لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ: 17]، وَكَقَوْلِهِ: ﴿لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ [الزُّمَرِ: 4].