جديد المدونة

جديد الرسائل

الأربعاء، 25 يناير 2023

(1) اختصار درس تبصرة العقول في شرح ثلاثة الأصول

 

مؤلف «ثلاثة الأصول» هو: الشيخ محمد بن عبدالوهاب النجدي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى من كبار العلماء.

قال رَحِمَهُ اللهُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم

(بِسْمِ اللَّهِ) الباء للاستعانة، أي: أستعين بالله. والاستعانة بالله: يفيد البراءة من الحول والقوة، والاعتراف بالضعف والعجز والتقصير.

يقول الشيخ ابن عثيمين رَحِمَهُ اللهُ في «شرح البيقونية»(19): المعنى أبتدِئ بكل اسم من أسماء الله . اهـ.

وقد بدأ المؤلف رَحِمَهُ اللهُ كتابه بالبسملة؛ اقتداءً بكتاب الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، واقتداءً بفعل النبي صلى الله عليه وسلم في مراسلاته.

والجار والمجرور في (بِسْمِ اللَّهِ) متعلقان بفعل محذوف متأخِّرٍ مناسب للمقام.

 (اللهبمعنى: المألوه، وهو المعبود، المستحق للعبادة وحده لا شريك له.

(الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) نعتان للفظ الجلالة، واختلفوا في التفرقة بين (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ): والذي ذهب إليه ابن القيم رَحِمَهُ اللهُ أن (الرَّحْمَنِ) يتضمن إثبات صفة ذاتية، و(الرَّحِيمِ) يتضمن إثبات صفة فعلية.

قال رَحِمَهُ اللهُ: (اعلَم رَحِمَكَ اللهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَينَا تَعَلُّمُ أَربَعِ مَسَائِلَ)

(اعلَم) كلمة يؤتى بها؛ لتنبيه المخاطب على أهمية الأمر.

(رَحِمَكَ اللهُ) هذا فيه الدعاء- للمخاطَب والتلميذ- والتلطف.

والرحمة إذا أُفردت تشمل المغفرة، فمن قال: رحمك الله، فقد دعا بمغفرة ذنوبك والعصمة منها في المستقبل. وأما إذا قُرِنت بالمغفرة، فالمغفرة لِما مضى من الذنوب، والرحمة والتوفيق للخير والسلامة من الذنوب في المستقبل. كما قال الشيخ ابن عثيمين في شرح هذا الكتاب.

(أَنَّهُ يَجِبُ عَلَينَا تَعَلُّمُ أَربَعِ مَسَائِلَ) هذا فرض عين؛ لأن العلم على قسمين: فرض عين كالتوحيد، وأركان الإيمان، وأركان الإسلام. وفرض كفاية فهو: إذا قام به البعض سقط عن الآخرين.

والبدء بالعقيدة في طلب العلم واجب؛ لأن العقيدة هي الأساس والنجاة؛ ولهذا في الحديث «فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ»، وهذا فيه البدء بالأهم فالأهم.

 (الأُولَى: العِلمُ، وَهُوَ مَعرِفَةُ اللهِ، وَمَعرِفَةُ نَبِيِّهِ، وَمَعرِفَةُ دِينِ الإِسلَامِ بِالأَدِلَّةِ)

(مَعرِفَةُ اللهِ) فنعرفه بأنه الرب الواحد المعبود وحده لا شريك له، ونعرفه بأسمائه وصفاته وأفعاله. ومن عرف الله حق معرفته، عظَّمَه وانقاد له وخضع له ولدينه وشرعه؛ ولهذا يقول الله : ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [الأنعام: 91].

ومن ازداد بالله علمًا ازداد إيمانًا وتعظيمًا له، وازداد عبادة لله ودينًا، وازداد خشوعًا وزهدًا في الدنيا.

(وَمَعرِفَةُ نَبِيِّهِ) أنه محمد بن عبدالله، أرسله الله بالهدى ودين الحق؛ ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، أرسله الله رحمة للعالمين، وأن من أنكر عموم رسالته إلى الثقلين لا يكون مؤمنًا؛ فإن الله يقول: ﴿ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [الأنعام: 19].

ويقول النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ، وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ» رواه الإمام مسلم (153) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ..

(وَمَعرِفَةُ دِينِ الإِسلَامِ) أنه دين الله الحق، من ابتغى غيره كان من الضالين الغاوين الخاسرين، قال الله: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾[آل عمران: 85].

(بِالأَدِلَّةِ) أي: أن معرفة الله، ونبيه، ودين الإسلام يكون بالأدلة، ولا يكون بأقوال الرجال وآرائهم، ولا يكون بالتقليد، وقد أنكر الله على المقلدة في آيات كثيرة، كقوله سُبحَانَهُ: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ [لقمان: 21].

 (الثَّانِيَةِ: العَمَلُ بِهِ) أي: العمل بالعلم، ولا يكون العلم نافعًا إلا بالعمل به، وقد ذمَّ الله أهل الكتاب في آياتٍ كثيرة على تركهم العمل، كقوله تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكَافِرِينَ [البقرة: 89].

والعلم شجرة والعمل ثمرة، فلا يأنس أحدٌ بالعلم وهو مفرِّطٌ في العمل؛ لأن هذا علم لا ينفع.

 (الثَّالِثَةِ: الدَّعوَةُ إِلَيهِ) الدعوة إلى ما تعلمه، هذا من مراتب العلم: تبليغه ونشره، الدعوة إلى الله ما تكون في أول مرتبة، تكون بعد التعلم، ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [يوسف: 108].

والدعوة إلى الله هي وظيفة الأنبياء والمرسلين ومن أفضل الأعمال، ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)﴾ [فصلت].

الدعوة إلى الله من بركة العلم، ومن العمل بالعلم، ومن أسباب نماء العلم وثمرته، ومن خدمة العلم، ويدخل في الدعوة إلى الله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

 (الرَّابِعَةِ: الصَّبرُ عَلَى الأَذَى فِيهِ) الداعي إلى الله لا بُد أن يؤذى فيجب الصبر على الأذى في سبيل الله، وكما قال ربنا سبحانه: ﴿ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ﴾[الأنعام: 34].

قال رَحِمَهُ اللهُ: (وَالدَّلِيلُ قَولُهُ تَعَالَى: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿وَالْعَصْرِ إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾[العصر])

(وَالدَّلِيلُ) أي: دليل الأربع المسائل.

﴿وَالْعَصْرِ أقسم الله بالعصر، وهو الزمن.

﴿ إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ أي: كل الناس في خسارة إلا من توفر فيهم أربع صفات: إيمان، وعمل صالح، والدعوة إلى الله، والتواصي بالصبر.

قال رَحِمَهُ اللهُ: (قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: لَو مَا أَنزَلَ اللهُ حُجَّةً عَلَى خَلقِهِ إِلَّا هَذِهِ السُّورَةُ لَكَفَتهُم)

الشافعي : محمد بن إدريس رَحِمَهُ اللهُ.

وهذا كما قال الشيخ ابن عثيمين رَحِمَهُ اللهُ هنا في «شرح ثلاثة الأصول»(27): مراده رحمه الله أن هذه السورة كافية للخلق في الحث على التمسك بدين الله بالإيمان، والعمل الصالح، والدعوة إلى الله، والصبر على ذلك، وليس مراده أن هذه السورة كافية للخلق في جميع الشريعة. اهـ.

 (وَقَالَ البُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: بَابُ العِلمِ قَبلَ القَولِ وَالعَمَلِ) قول البخاري في «صحيحه» في كتاب العلم.

 (وَالدَّلِيلُ قَولُهُ تَعَالَى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾ فَبَدَأَ بِالعِلمِ قَبلَ القَولِ وَالعَمَلِ)فالعلم هو القائد للعمل، العلم متبوع والعمل تابع.