قال الله تَعَالَى: ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا﴾[النساء: 87].
وقال: ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً﴾[النساء: 122].
هذا استفهام معناه النفي، التقدير: لا أحد أصدق من الله حديثًا. «البحر المحيط في التفسير»(4/7).
قال الشيخ ابن عثيمين رَحِمَهُ اللهُ في «شرح العقيدة الواسطية»(1/372): وإتيان النفي بصيغة الاستفهام أبلغ من إتيان النفي مجردًا؛ لأنه يكون بالاستفهام مشربًا معنى التحدي، كأنه يقول: لا أحد أصدق من الله حديثًا، وإذا كنت تزعم خلاف ذلك؛ فمن اأصدق من الله؟ اهـ.
وهذا من البلاغة، إتيان النفي بصيغة الاستفهام أبلغ في المعنى من إتيان النفي مجردًا من الاستفهام.
وذكَّرني هذا بفائدة استفدناها من والدي رَحِمَهُ الله:
أن الإتيان بصيغة النفي بدل النهي أبلغ في المعنى؛ لأنه كأن الناس قد انتهوا.
وقال الشيخ ابن عثيمين في «شرح بلوغ المرام»(4/476) ذكر هذا، وقال: النفي إذا كان بمعنى النهي زاده تأكيدًا، كيف ذلك؟ لأنه إذا صيغ بصيغة النفي، فالنفي خبر وليس إنشاء، فكأنه يقول: إن هذا الأمر أمر مفروغ منه لا يمكن أن يقع؛ ولذلك قال أهل البلاغة: إن إتيان النهي بصيغة النفي أو الأمر بصيغة الخبر يكون أشد تأكيدًا؛ لأنه بمنزلة أن يُقال: إن المنهي عنه ضار أمرًا منتفيًا، وإن المأمور به صار أمرًا واقعًا، إذن التحريم أخذناه من كلمة «لا تُنكح البكر حَتَّى تُستأذن».
فإن قال قائل: هذا نفي.
قلنا: هو بمعنى النهي.
فإن قال: ما هي البلاغة، أو ما هي الحكمة في أن يأتي النهي بصيغة النفي؟
فالجواب: لأن هذا أبلغ في التأكيد، كأن المنهي عنه صار أمرًا منتفيًا لا وجود له.