جديد المدونة

الاثنين، 17 مارس 2025

(139)نصائح وفوائد

 

المكروه الوارد على القلب

 

قال ابن القيم رَحِمَهُ الله في « زاد المعاد»(2/327): الْمَكْرُوه الْوَارِد عَلَى الْقَلْبِ يَنْقَسِمُ بِاعْتِبَارِ سَبَبِهِ إِلَى قِسْمَيْنِ:

 فَإِنَّهُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ سَبَبُهُ أَمْرًا مَاضِيًا، فَهُوَ يُحْدِثُ الْحَزَنَ.

 وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ تَوَقُّعُ أَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ، فَهُوَ يُحْدِثُ الْهَمَّ.

 وَكِلَاهُمَا مِنَ الْعَجْزِ، فَإِنَّ مَا مَضَى لَا يُدْفَعُ بِالْحُزْنِ؛ بَلْ بِالرِّضَى، وَالْحَمْدِ وَالصَّبْرِ وَالْإِيمَانِ بِالْقَدَرِ، وَقَوْلِ الْعَبْدِ: قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ.

وَمَا يُسْتَقْبَلُ لَا يُدْفَعُ أَيْضًا بِالْهَمِّ، بَلْ إِمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ حِيلَةٌ فِي دَفْعِهِ، فَلَا يَعْجِزُ عَنْهُ، وَإِمَّا أَلَّا تَكُونَ لَهُ حِيلَةٌ فِي دَفْعِهِ، فَلَا يَجْزَعُ مِنْهُ، وَيَلْبَسُ لَهُ لِبَاسَهُ، وَيَأْخُذُ لَهُ عُدَّتَهُ، وَيَتَأَهَّبُ لَهُ أُهْبَتَهُ اللَّائِقَةَ بِهِ، وَيَسْتَجِنُّ بِجُنَّةٍ حَصِينَةٍ مِنَ التَّوْحِيدِ وَالتَّوَكُّلِ، وَالِانْطِرَاحِ بَيْنَ يَدَيِ الرَّبِّ تَعَالَى، وَالِاسْتِسْلَامِ لَهُ وَالرِّضَى بِهِ رَبًّا فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَلَا يَرْضَى بِهِ رَبًّا فِيمَا يُحِبُّ دُونَ مَا يَكْرَهُ، فَإِذَا كَانَ هَكَذَا، لَمْ يَرْضَ بِهِ رَبًّا عَلَى الْإِطْلَاقِ، فَلَا يَرْضَاهُ الرَّبُّ لَهُ عَبْدًا عَلَى الْإِطْلَاقِ. اهـ.

فالمكروه الوارد على القلب:

إما أن يكون في شيء ماضٍ فهو الحزن، يعني: يتذكر أشياء مؤلمة في ماضيه، هذا يقال له: حزن.

وإما أن يكون في شيء مستقبل، فهذا يقال له: الهم، فإذا كان متوقعًا لمكروه في المستقبل هذا هَمٌّ.

فما كان في الشيء الماضي فعلاجه أن يدعو الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وأن يؤمن بالقدر، وما كان في الشيء المستقبل إن استطاع أن يدفعه فعل، يأخذ بالأسباب، وإن كان لا حيلة له في دفعه فيوطن نفسه على الصبر، ويكثر من ذكر الله والاستغفار، وأيضًا يحسن الظن بالله؛ ففي الحديث القدسي: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي» الحديث رواه البخاري (7405)، ومسلم (2675) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وقد لا يفرق بين الحزن والهمِّ والغَمِّ، قال الشنقيطي رَحِمَهُ الله في « أضواء البيان»(7/140): وَالْخَوْفُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ: الْغَمُّ مِنْ أَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ.

وَالْحَزَنُ: الْغَمُّ مِنْ أَمْرٍ مَاضٍ.

وَرُبَّمَا اسْتُعْمِلَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي مَوْضِعِ الْآخَرِ.

وقال الشيخ ابن عثيمين رَحِمَهُ اللهُ في «شرح العقيدة الواسطية»(1/367): وقوله: ﴿لا تَحْزَنْ﴾: نهي يشمل الهم مما وقع وما سيقع؛ فهو صالح للماضي والمستقبل. اهـ.

الأدلة كلها فيها النهي عن الحزن؛ لأن الحزن يضعف القلب ويحطم المعنوية، ويوهن البدن؛ فلهذا الله عَزَّ وَجَل جعل الحزن من الشيطان، قال الله عَزَّ وَجَل: ﴿إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (10)﴾ [المجادلة]. وجاء الدليل بالاستعاذة من الحزن لأضراره، فكان النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يستعيذ بالله من الحزن مع أنه من مكفرات الذنوب، كما قال النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ، وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حُزْنٍ وَلاَ أَذًى وَلاَ غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ» رواه البخاري (5641) ومسلم (2573) واللفظ للبخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.

فعلينا أن نسأل الله العافية فإننا في دار الأحزان، وسؤال الله العافية من الأدعية الجامعة العظيمة، ثبت عَنْ العَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ عم النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي شَيْئًا أَسْأَلُهُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: «سَلِ اللَّهَ العَافِيَةَ»، فَمَكَثْتُ أَيَّامًا ثُمَّ جِئْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي شَيْئًا أَسْأَلُهُ اللَّهَ، فَقَالَ لِي: «يَا عَبَّاسُ يَا عَمَّ رَسُولِ اللَّهِ، سَلِ اللَّهَ، العَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ». رواه الترمذي (3514).

العافية: دفاع الله عن العبد، يعني: أعم مما قد يظن أن المراد به الصحة، العافية أعم.

هذا يدل على أن سؤال الله العافية من الأدعية العظيمة التي ينبغي الإكثار منها، نسأل الله العافية في الدنيا والآخرة، ونعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن.