النوع الثاني عشر: المدلَّس
التدليس على قسمين:
الأول: تدليس الإسناد عند ابن الصلاح قال: أَنْ يَرْوِيَ عَمَّنْ لَقِيَهُ مَا لَم يَسْمَعْهُ مِنْهُ، أَوْ عَمَّنْ عَاصَرَهُ وَلَمْ يَلْقَهُ، مُوهِمًا أَنَّهُ قَد سَمِعَهُ مِنْهُ.
والقدر الأخير من التعريف عند الحافظ ابن حجر يقال له: المرسل الخفي، وهو: أن يروي عمن عاصره ولم يلقه موهمًا أنه سمعه منه، هذا الذي ذهب إليه الحافظ ابن حجر، ونبهنا عليه والدي رحمه الله.
وقد كره تدليس الإسناد جماعة من العلماء، وقد كان شعبة شديد الإنكار على المدلسين، فقد جاء أنه قال: لَأَنْ أَزْنِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِن أَنْ أُدَلِّسَ. هذا الأثر ثابت أخرجه ابن أبي حاتم في مقدمة «الجرح والتعديل»(1/173)، وهو محمول كما قال ابن الصلاح: (عَلَى الْمُبَالَغَةِ وَالزَّجْرِ) في التدليس.
ومن شدة تحري شعبة بن الحجاج يقول: كنت أنظر إلى فم قتادة، فإذا قال للشيء: حدثنا عنيت به فوقفته عليه، وإذا لم يقل: حدثنا لم أعنَ به. أخرجه ابن أبي حاتم في مقدمة «الجرح والتعديل» (2/34).
وكان رَحِمَهُ اللهُ يستوقف شيخه: هل سمعت هذا من فلان؟ لأنه يخشى من التدليس، أو من وهَمِ الراوي. وربَّما استحلفه، كما في مقدمة «الجرح والتعديل»(1/170) لابن أبي حاتم.
هل التدليس يقدح في الراوي ويرد خبره بحيث يكون من المجروحين؟
أكثر علماء أهل الحديث على عدم القدح في المدلس. والتدليس مذموم، ولكن الذين وقعوا في التدليس لهم أعذار على فعلهم، فهم اجتهدوا، ولا ينبغي هذا. وفي «الصحيحين» أحاديث كثيرة من طريق المدلسين، وأيضًا شعبة مع شدة تحرِّيه وإتقانه ومع تشدده قَبِل حديث المدلسين إذا صرَّحوا بالتحديث.
وذهبت الظاهرية إلى رد حديث المدلس مطلقًا ولو صرَّح بالتحديث.
وأما جمهور أهل العلم ومنهم الشافعي وابن الصلاح فعلى هذا التفصيل: إذا صرَّح المدلس بالتحديث فيقبل، وترد روايته إذا أتى بلفظ محتمل.
والذي استفدنا من والدي رَحِمَهُ الله التفصيل الآتي: المدلسون على مراتب، فمن كان من الطبقة الأولى والثانية تقبل عنعنتهم، إلا إذا نص إمام وحافظ من الحفاظ أنه لم يسمع ذلك فيصار إليه.
ومن كان من الطبقة الثالثة والرابعة لا تقبل عنعنتهم.
والطبقة الخامسة: طبقة الضعفاء من المدلسين، جمعوا بين التدليس والضعف كابن لهيعة، فهذه مردودة، ولا يحتج بها، وتقبل في الشواهد والمتابعات.
تدليس الإسناد وأنواعه:
أَنْ يَرْوِيَ عَمَّنْ لَقِيَهُ مَا لَم يَسْمَعْهُ مِنْهُ، موهمًا أنه سمعه منه.
تدليس التسوية: وهو إسقاط ضعيف بين ثقتين قد سمع أحدهما من الآخر.
وممن كان يفعله: محمد بن مصفى والوليد بن مسلم وبقية بن الوليد، ولذلك قيل في شأن بقية: أحاديث بقية ليست نقية فكن منها على تقية.
وتدليس التسوية لا يقبل إلا إذا صرح بالتحديث من شيخه وشيخ شيخه، ولا يشترط أن يصرح بالتحديث في طبقات السند كلها، كما استفدناه من والدي رَحِمَهُ اللهُ.
وتدليس التسوية أشر أنواع التدليس؛ لأنه يسقط ضعيفًا ويسوي الإسناد يعني: يجعله سواء من رواية الثقات.
تدليس العطف: أن يقول: حدثنا فلان وفلان، كما يفعله هشيم بن بشير، يقول: حدثنا حصين ومغيرة. وهو لم يسمع من مغيرة، وفيه إضمار، أي: (والمغيرة لم يحدثني).
تدليس السكوت: يقول: «حدثنا» ويسكت سكتة لطيفة يضمر في نفسه من حدثه، ثم يقول: هشام بن عروة.
وممن دلس هذا النوع: عمر بن علي المقدمي، وهذا النوع لا يحتج بحديثه ولو صرح بالتحديث، ويصلح في الشواهد والمتابعات.
هذا القسم الأول، أما القسم الثاني فهو: تدليس الشيوخ، وهُوَ: الْإِتْيَانُ بِاسْمِ الشَّيخِ أَوْ كُنْيَتِهِ عَلَى خِلَافِ الْمَشْهُورِ بِهِ؛ تعمية لأمره وتوعيرًا للوقوف على حاله.
وتدليس الشيوخ ليس فيه سقط، فالإسناد متصل.
سبب تدليس الشيوخ: هناك عدة أسباب منها: التعمية على السامع، والتوعير للوقوف على حاله، التوعير أي: التعسير، وهذا لا ينبغي «يَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا» رواه البخاري (3038)، ومسلم (1733) عن أبي موسى الأشعري.
حكم هذا التدليس: قد يكون مكروهًا كما إذا كان أصغر منه سنًا، أو نازل الرواية.
وقد يحرم مثل ما إذا دلس هالكًا أو ضعيفًا؛ لئلا يُعرف حاله، أو ليوهم أنه رجل آخر من الثقات على وفق اسمه وكنيته، النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» رواه مسلم (101) عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.