هَل صَلَاةُ الضُّحَى وَالوِترِ وَالأَضحَى وَاجِبَةٌ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
صلاة الضحى والوتر والنحر من قال بوجوبها على النّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال: هذا من خصائصه، فهذا معتمد على بعض الأحاديث الضعيفة، والتي من أشهرها: عن ابن عباس عن النّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: «ثَلَاثٌ هُنَّ عَلَيَّ فَرائِضٌ، وَهِى لَكُم تَطَوُّعٌ: النَّحرُ، وَالوِترُ، وَرَكعَتَا الضُّحَى»، وهذا الحديث في سنده أبو جناب الكلبي، وهو: يحيى بن أبي حية ضعيف. وجاء من وجه آخر، وفيه مندل بن علي العنزي، وهو: ضعيف.
والصحيح أن هذه المسائل مستحبة في حق النّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كما هي مستحبة في حقِّ أمته.
والدليل على استحباب ركعتي الضحى و الوتر:
عن طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، الحديث وفيه قَالَ النّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ». فَقَالَ له الرجل: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: «لَا، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ». رواه البخاري (46)، ومسلم (11). فهذا الحديث دليل على أن صلاة الوتر و صلاة الضحى لا تجب، والحديث عام في حق النّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأمته.
-عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ، حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ يُومِئُ إِيمَاءً صَلاةَ اللَّيْلِ، إِلَّا الفَرَائِضَ وَيُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ» رواه البخاري (1000).
والشاهد: أنه لو كان الوتر فريضة ما صلى على راحلته؛ لأن الفريضة كان النّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينزل عن رحلته ويستقبل القبلة ويصلي.
والحنفية يرون أن الوتر واجبٌ على النّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلى غيره من أمته، وهذا الحديث رد عليهم.
أما قول النّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا» رواه أحمد (9717) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فهذا يفيد أن الوتر سنة مؤكدة.
أما مسألة وجوب النحر عليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم النحر، فتقدم أن الحديث فيه سنده ضعيف، واستدلوا أيضًا بقوله تعالى: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ [الكوثر: 2]. أي: اذبح يوم النحر، وفي الآية تفاسير أخرى، منها: اذبح لله، ومنها: ضع يدك اليمنى على يدك اليسرى على صدرك.
فالقول بالخصوصية يحتاج إلى دليل، والصحيح أن النحر يوم النحر مستحب للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولأمته، والأضحية سنة مؤكَّدة ومن شرائع الدين.
أما الوجوب فلا، فعنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا دَخَلَتِ الْعَشْرُ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا». رواه مسلم (1977).
فجعل في الأضحية الاختيار، وإذا أحب أن يضحي فعليه أنه لا يأخذ من شعره ولا ظفره ولا بشره شيئًا.
ـــــــــــــــــــــــــ
هَلِ التَّهَجُّدُ فِي اللَّيلِ كَانَ وَاجِبًا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
فيه خلاف، والصحيح ما رجحه الإمام الشافعي وغيره أن قيام الليل كان واجبًا على النّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلى أصحابه، واستمر ذلك حولًا كاملًا ثم أنزل الله عَزَّ وَجَل التخفيف، ونسخ الوجوب في حقه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفي حق أمته، والدليل في هذا حديث سعد بن هشام: (أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ أُمِّ المُؤمِنِينَ فَقَالَ: يَا أُمَّ المُؤمِنِينَ، أَنبِئِينِي عَن قِيَامِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَت: أَلَستَ تَقرَأُ بِـ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ﴾؟ قُلتُ: بَلَى. قَالَت: فَإِنَّ اللهَ افتَرَضَ القِيَامَ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصحَابُهُ حَولًا، حَتَّى انتَفَخَت أَقدَامُهُم، وَأَمسَكَ اللهُ خَاتِمَتَهَا اثنَي عَشرَ شَهرًا فِي السَّمَاءِ، ثُمَّ أَنزَلَ اللهُ التَّخفِيفَ فِي آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ، فَصَارَ قِيَامُ اللَّيلِ تَطَوُّعًا بَعدَ فَرِيضَةٍ).
يعني آخر السورة: ﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ﴾ الآية.
ويدل لعدم الوجوب أيضًا قوله تعالى: ﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ ﴾[الإسراء: 79].
وقد سألت والدي عن هذه الآية: هل تفيد الوجوب للأمر فيها ﴿ فَتَهَجَّدْ﴾؟ فأجابني: الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: ﴿ نَافِلَةً لَكَ﴾.
يعني: أن الله عَزَّ وَجَل سمى قيام الليل نافلة.
أما من قال بالوجوب فتمسكوا بالأمر ﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ ﴾، مع ما جاء في تفسير ابن عباس في النافلة قال: (يَعنِي بِالنَّافِلَةِ: أَنَّهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةٌ، أُمِرَ بِقِيَامِ اللَّيلِ فَكُتِبَ عَلَيهِ) رواه ابن جرير الطبري في «تفسيره»، وفيه عطية بن سعد العوفي ضعيف.
ـــــــــــــــــــــــــ
مِن الخَصَائِصِ النَّبَوِيَّةِ المُدَاوَمَةُ عَلَى رَكعَتَينِ بَعدَ العَصرِ؟
عُدَّ في خصائص النّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المداومة على ركعتين بعد العصر.
والدليل: عن أم سلمة، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْهَا-أي: عن الركعتين بعد العصر-، ثُمَّ رَأَيْتُهُ يُصَلِّيهِمَا حِينَ صَلَّى العَصْرَ، الحديث وفيه قال النّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ، سَأَلْتِ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ العَصْرِ، وَإِنَّهُ أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ القَيْسِ، فَشَغَلُونِي عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ فَهُمَا هَاتَانِ» رواه البخاري (1233)، ومسلم (834).
وفي رواية عند أحمد (44/277) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَنَقْضِيهِمَا إِذَا فَاتَتْنَا؟ قَالَ: لَا.
لكن هذه الزيادة شاذة؛ تفرد بها يزيد بن هارون.
والحاصل في هذه المسألة: أن من فاتته راتبة الظهر لعذر فله أن يصليها بعد العصر؛ اقتداءً بالنّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتعد من ذوات الأسباب، فهي مخصصة لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا صَلَاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ» رواه البخاري (586)، ومسلم (827) عن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ.
وأما المداومة فهي من خصائص النّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأن عائشة تقول: «وَكَانَ إِذَا صَلَّى صَلَاةً أَثْبَتَهَا» رواه مسلم (835)
وهناك قول آخر: هذا ليس من الخصوصيات.
والصحيح ما تقدم، وصلاة الفائتة من الراتبة ونحوها لعذر انشغال بعد صلاة العصر هذا جائز؛ لأن الأصل التأسي بالنّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأما المداومة على ركعتين بعد العصر فهذا من الخصائص.