تسأل إحدى أخواتي في الله عما يلي:
قالَ الإمامُ الشافعيُّ رحمهُ اللهُ: الوَقارُ في النُّزْهَةِ سُخْفٌ. (مناقب الشافعي 2/212)
يعني: إذا كنت في رحلة أو نحوها فانبسط واضحك وامزح واترك عنك ثقالة الدم والتعقل الذي يقتل اللقاءات.
هل هذا صحيح؟
الجواب: الأثر أخرجه البيهقي في «مناقب الشافعي»، وسنده ضعيف جدًّا؛ فيه أبو عبد الرحمن السلمي شيخ البيهقي، وهو: صوفي تالف.
ولكل مقامٍ مقال؛ روى الإمام مسلم رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى (2750) عَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ، سَاعَةً وَسَاعَةً»، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.
فلا بأس باستجمام النفس أحيانًا للمصلحة، وبما لا مضيعة فيه.
روى ابن أبي شيبة في «المصنف» (7/ 177)عَنْ قَسَامَةَ بْنِ زُهَيْرٍ قَالَ: رَوِّحُوا الْقُلُوبَ تَعِي الذِّكْرَ. والأثر صحيح.
وكان والدي الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله ربَّمَا يخرج بعد درس العصر برفقتِه وضيوفه إذا كان لديهم استفسارات، فيذهبون مشيًا على أقدامهم إلى ما يُسمَّى بالوادي عندنا أو الصحراء، أو يمشون بين المزارع؛ رياضَةً للبدن، وترفيهًا للنفس، وقد يذهبون في السيارة ويستصحبون معهم العصير، ثم يجلسون وتُطرح الأسئلة عليه، وفي أثناء الطريق كان يذاكر مَنْ معه.
وهذه طريقة والدي رحمه الله الحرص على مذاكرة العلم، وإشغال اللقاء والجلوس بالعلم وتقديم النصح، حتى على مائدة الطعام يسأل، وإذا قُدِّم له سؤال يجيب عنه.
أولَئِكَ آبائي فَجِئني بِمِثلِهِم...إِذا جَمَعَتنا يا جَريرُ المَجامِعُ
أما تلكَ العبارة: واضحك وامزح .. فهذه العبارة فيها إجمال.
فالضحك يكون في حدوده ومن غير إكثارٍ منه، روى البخاري في «الأدب المفرد» (253) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تُكْثِروا الضَّحِكَ فَإن كَثْرَة الضَّحِكِ تُمِيتُ القَلْبَ».
والمزاح كذلك يكون في حدوده وشروطه.
قال الخطيب في «الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع» (1/ 156): إِنَّمَا يُسْتَجَازُ مِنَ الْمِزَاحِ يَسِيرُهُ وَنَادِرُهُ وَطَرِيفُهُ الَّذِي لَا يَخْرُجُ عَنْ حَدِّ الْأَدَبِ وَطَرِيقَةِ الْعِلْمِ.
فَأَمَّا مُتَّصِلُهُ وَفَاحِشُهُ وَسَخِيفُهُ، وَمَا أَوْغَرَ مِنْهُ الصُّدُورَ وَجَلَبَ الشَّرَّ، فَإِنَّهُ مَذْمُومٌ، وَكَثْرَةُ الْمِزَاحِ وَالضَّحِكِ يَضَعُ مِنَ الْقَدْرِ، وُيُزِيلُ الْمُرُوءَةَ.