مسألة: إذا دعا لنفسه ولغيره فأيهما يبدأ؟
السنة أنه إذا دعا لنفسه ودعا لغيره أن يبدأ بنفسِه
ومن الأدلة في هذا:
-قال نبي الله نوح: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَاراً﴾[ نوح:28].
-وقال تعالى عن نبيَّيْهِ إبراهيم وإسماعيل: ﴿ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) ﴾[البقرة: 128].
- وقال تَعَالَى: ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35) ﴾[إبراهيم: 35]، وقال تعالى لنبيه محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [محمد: 19].
-وقال تَعَالَى عن عباده الصالحين: ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10) ﴾ [الحشر: 10].
-عن ابنِ مسعود رضي الله عنه، قال: كُنَّا نُصَلِّي خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَقُولُ: السَّلامُ عَلَى اللَّهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلامُ، وَلَكِنْ قُولُوا: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِين، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ» رواه البخاري (7381)، ومسلم (402).
قال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري»: قَوْلُهُ: «السَّلَامُ عَلَيْنَا» اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْبَدَاءَةِ بِالنَّفْسِ فِي الدُّعَاءِ.
-عن أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: وَكَانَ إِذَا ذَكَرَ أَحَدًا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ بَدَأَ بِنَفْسِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْنَا وَعَلَى أَخِي كَذَا، رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْنَا. رواه مسلم(2380).
قال النووي رَحِمَهُ الله في شرح هذا الحديث: قَالَ أَصْحَابُنَا: فِيهِ اسْتِحْبَابُ ابْتِدَاءِ الْإِنْسَانِ بِنَفْسِهِ فِي الدُّعَاءِ وَشِبْهِهِ مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ، وَأَمَّا حُظُوظُ الدُّنْيَا فَالْأَدَبُ فِيهَا الْإِيثَارُ وَتَقْدِيمُ غَيْرِهِ عَلَى نَفْسِهِ.
أما إذا دعا لغيره على الانفراد فلا شيء في ذلك؛ فقد فعله النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
-عن عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسْمًا، فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَغَضِبَ حَتَّى رَأَيْتُ الغَضَبَ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ قَالَ: «يَرْحَمُ اللَّهَ مُوسَى، قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ» رواه البخاري (3405)، ومسلم (1062).
-عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ: ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي المَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة: 260]، وَيَرْحَمُ اللَّهُ لُوطًا، لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ، وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ طُولَ مَا لَبِثَ يُوسُفُ، لَأَجَبْتُ الدَّاعِيَ» رواه البخاري (3372)، ومسلم (151).