أقسام الحديث
قال ابن الصلاح رَحِمَهُ اللهُ: اعلم ...أَنَّ الحَدِيثَ عِندَ أَهلِهِ يَنْقَسِمُ إِلَى: صَحِيحٍ، وَحَسَنٍ، وَضَعِيفٍ .
وابن كثير رَحِمَهُ اللهُ ناقش ابن الصلاح في هذا التقسيم، وقال: (هذا التقسيمُ إنْ كان بالنِّسبة إلى ما في نَفْس الأمر، فليس إلَّا صحيحٌ أو ضعيفٌ) يعني: إن كان بالنسبة إلى حقيقة الأمر فبقية الأقسام تدخل في الصحيح أو تدخل في الضعيف، لا تخرج عن هذَين، فمثلًا: الحسن يدخل في الصحيح، وأقسام الضعيف: المنكر، والشاذ، والمعل يدخل في الضعيف، والمدلَّس، والمنقطع والمعضل إلى آخره كذلك يدخل في الضعيف. (وَإِن كَانَ بِالنِّسبَةِ إِلَى اصْطِلَاحِ المُحَدِّثِينَ؛ فَالحَدِيثُ يَنقَسِمُ عِندَهُم إِلَى أَكثَرَ مِن ذَلِكَ) هذه مناقشات الحافظ ابن كثير رَحِمَهُ اللهُ أن اصطلاح المحدثين أوسع.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحديث الصحيح
هو الحَدِيثُ المُسْنَدُ الَّذِي يَتَّصِلُ إِسنَادُهُ بِنَقْلِ العَدلِ الضَّابِطِ عَنِ العَدْلِ الضَّابِطِ إِلَى مُنتَهَاهُ، وَلَا يَكُونُ شَاذًّا وَلَا مُعلَّلًا.
فإذا توفر في الحديث هذه الشروط الخمسة يحكم له بالصحة بإجماع أهل الحديث.
خرج من قيود الحديث الصحيح: المرسل والمنقطع والمعضل والشاذ وما فيه علة قادحة وما في راويه نوع جرح.
المسند: هو: مرفوعُ صحابيٍ بسندٍ ظاهرُهُ الاتصال. «نزهة النظر»(141).
المتصل: ما اتصل سنده إلى منتهاه.
الشاذ: مخالفة المقبول لمن هو أولى منه.
المعل: قال والدي رَحِمَهُ اللهُ في «السير الحثيث شرح اختصار علوم الحديث»(35): العلة تنقسم إلى قسمين: إلى علة قادحة: وهي سبب خفي في الحديث، يوجب ضعفه، لا يطلع عليه-أي: ذلكم السبب-إلا حفَّاظ الحديث ونقاده، هذه هي العلة القادحة. والعلة غير القادحة؛ كإبدال ثقة بثقة، فإن أبدل ثقة بثقة فهذا لا يضر.
العدل: قال والدي رحمه الله في شرحه (34): العدل هو الذي لا يرتكب الكبائر، ولا يصر على الصغائر، ويأتي من الواجبات بحسب ما يستطيع.
وفي «إيضاح السبيل»(15) للإتيوبي رَحِمَهُ الله: العدل هو: المسلم البالغ العاقل السالم من أسباب الفسق وخوارم المروءة.
الضابط: الضبط ضبطان: ضبط صدر: وهذا الحفظ، أن يكون علمه في صدره، قويًّا في حفظه له، ويستحضره متى شاء، ومتى طُلب منه.
وأما ضبط الكتاب: فهو: أن يحافظ على كتابه من ورَّاقي السوء، فالذي يتساهل في صيانة كتبه، ويصل إليها أهلُ العبَثِ، هذا يضعَّف.
ومَنْ كان يغلط إذا حدث من حفظه، لكنه كتابه صحيح، فما عُلِمَ أنه حدَّث به من كتابه يُقبل؛ لأن عنده ضبط كتاب، وقد يُصَرَّحُ بهذا في السند فيقال: حدثنا فلان من كتابه، أو قراءة عليه.
تعريفات:
المرسل: قول التابعي: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ. وجمهور الفقهاء يرون قبول حديث المرسل، أما أهل الحديث فالإمام مسلم يقول في مقدمة «صحيحه»: وَالْمُرْسَلُ مِنَ الرِّوَايَاتِ فِي أَصْلِ قَوْلِنَا، وَقَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ.
المنقطع: ما سقط من سنده راوٍ فأكثر ليس على التوالي.
المعضل: ما سقط من سنده راويان فأكثر على التوالي.
المشهور: ما رواه ثلاثة فأكثر ما لم يبلغ حد التواتر.
والغريب: ما تفرد به راوٍ، سواء أكان السند كله متفردًا به أم كان الراوي تفرد به، فيعد غريبًا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قول: الشَّافِعِيّ أَجَلُّ مَن رَوَى عَن مَالِكٍ
علق والدي رَحِمَهُ اللهُ في «مراجعة تدريب الراوي»: أن المراد جلالة القدر، وإلا فهناك من تلاميذ الإمام مالك من هو أثبت في مالك، كالقعنبي و عبد الله بن يوسف التنيسي.
قال الحافظ في «تهذيب التهذيب»(6/87): قال ابن معين: أوثق الناس في «الموطأ» القعنبي، ثم عبد الله بن يوسف. اهـ.
قال والدي رَحِمَهُ اللهُ في «مراجعة تدريب الراوي»: وأهلُ الفَنِّ أولى بِفَنِّهم.
وقال والدي رَحِمَهُ اللهُ في «السير الحثيث»(38): وأخشى أن يكون الذي زاد (الشافعي عن مالك) شافعيًّا؛ لأن الشافعية ربما تعصبوا، وإلا فالمعروف أن القعنبي وعبدالله بن يوسف ويحيى بن يحيي التميمي النيسابوري اعتمدهم صاحبا «الصحيحين»، وما رويا عن الشافعي. أقصد أن هناك من المحدثين الذين رووا عن مالك، ربما يرجَّحون على الشافعي في علم الحديث. الإمام الشافعي رَحِمَهُ اللهُ في اللغة وفي الفقه، وفي فهم الحديث معروف جزاه الله خيرًا، وهو يعتبر ناصر السنة، لكن هناك من المحدثين من حفظ أكثر منه، ومن كان مشتغلًا بالحديث وأكثر، والإمام الشافعي رَحِمَهُ اللهُ ربما روى عن إبراهيم بن أبي يحيي الذي هو يعتبر ركنًا من أركان الكذب؛ من أجل هذا فصاحبا «الصحيح» لم يرويا للشافعي.
فأنا أخشى أن يكون هذا من قول بعض الشافعية. اهـ.
وإبراهيم بن أبي يحيى الأسلمي هو الذي قال فيه الإمام أحمد رَحِمَهُ اللهُ: جهمي قدري كل بلاء فيه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أصح الأسانيد
أصح الأسانيد يكون بالتقييد: أصح الأسانيد عند فلان، لا مطلقًا أنه يكون أصح الأسانيد في السنة، لكن بالتقييد، وقد ذكر هذا المعنى الحاكم رحمه الله.
من أمثلة أصح الأسانيد:
فعند أَحمَدَ وَإِسحَاقَ: أَصَحُّها الزُّهْريُّ، عَنْ سَالِمٍ، عَن أَبِيهِ.
وعند عليّ بن المَدِينِيِّ وَالفَلَّاس: أَصَحُّهَا مُحمَّدُ بنُ سِيرِينَ، عَن عَبِيدَةَ ، عَن عَليٍّ.
وعند يَحيَى بنِ مَعِينٍ: أَصَحُّهَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبرَاهِيمَ، عَن عَلْقَمةَ، عَنِ ابنِ مَسعُودٍ.
وعند البُخاريِّ: مَالِكٌ، عَن نَافِعٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ.
والأسانيد التي قيل فيها: من أصح الأسانيد يتنافس فيها أهل العلم، وقد ألف العراقي رَحِمَهُ اللهُ أحاديث جمعها من سلسلة التي يقال عنها: أصح الأسانيد؛ ليحفظها ولده أبو زرعة، واسم الكتاب «تقريب الأسانيد»، ثم طلب بعضهم من العراقي أن يقوم بشرحها، فشرحها ولم يكمل شرحها، وأكملها ولده أبو زرعة، وهو ألَّف هذا؛ من أجل أن يحفظها ولده، وهذا فيه الاهتمام بتعليم الأولاد.
وسلسلة أصح الأسانيد من فوائد معرفتها: الترجيح عند الاختلاف، فإذا حصل خلاف بين سندين، أحدهما من أصح الأسانيد والآخر لم يوصف بذلك، فيقدم الذي قيل فيه: من أصح الأسانيد.