جديد المدونة

جديد الرسائل

الأحد، 7 أغسطس 2022

(126)سِلْسِلَةُ التَّوْحِيْدِ وَالعَقِيْدَةِ

 تسأل إحدى أخواتي في الله عن حديث: « لا يقبل الله توبة عبد كفر بعد إسلامه»

هل هذا يحمل... إن مات على ذلك؟

 

الجواب

هذا الحديث رواه الإمام أحمد (33/222) عن معاوية بن حَيْدَة رضي الله عنه.

وذكره والدي الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله في « الجامع الصحيح»(3838)، وترجم له:  لا تقبل توبة المتلاعب بالتوبَة.

وأعاده في بعض المواضع أيضا، منها (4476) تحت ترجمة: ما جاء في الردة.

ويشبه هذا الحديث قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (137)﴾[النساء].

وهذا يشكل مع قوله تعالى: ﴿ كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (88) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (89)﴾[آل عمران].

وهكذا سائر الأدلة في توبة المرتد ومن تكرر منه الردة، عافانا الله من ذلك.

وقد اختلفت أجوبة أهل العلم عن الحديث المسؤل عنه وكذا ما في معناه في نفي قبول توبة المرتد.

قال الحافظ ابن حجر رَحِمَهُ الله في « فتح الباري»(12/273): وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ على ذَلِك، كَمَا فسره ابن عَبَّاس فِيمَا أخرجه ابن أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ.

أو أن المراد  لا يوفقهم  للتوبة،  قال ابن جرير الطبري في تفسير آية النساء من « تفسيره»(5/561):  فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ إِذًا: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ} [آل عمران: 86]، يَعْنِي: كَيْفَ يُرْشِدُ اللَّهُ لِلصَّوَابِ، وَيُوَفِّقُ لِلْإِيمَانِ قَوْمًا جَحَدُوا نُبُوَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعْدَ إِيمَانِهِمْ، أَيْ: بَعْدَ تَصْدِيقِهِمْ إِيَّاهُ، وَإِقْرَارِهِمْ بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ {وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ} [آل عمران: 86]، يَقُولُ: وَبَعْدَ أَنْ أَقَرُّوا أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خَلْقِهِ حَقًّا، {وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [آل عمران: 86]، يَعْنِي: وَجَاءَهُمُ الْحُجَجُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَالدَّلَائِلُ بِصِحَّةِ ذَلِكَ، {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [آل عمران: 86]، يَقُولُ: وَاللَّهُ لَا يُوَفِّقُ لِلْحَقِّ وَالصَّوَابِ الْجَمَاعَةَ الظَّلَمَةَ، وَهُمُ الَّذِينَ بَدَّلُوا الْحَقَّ إِلَى الْبَاطِلِ، فَاخْتَارُوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ.

ومنهم من حمله على التوبة من الذنوب مع الشرك، وهذا قول الشيخ الألباني رَحِمَهُ الله.

قال الشيخ الألباني في «سلسلة الأحاديث الصحيحة»(2545): أي: توبته من ذنب في أثناء  كفره؛ لأن التوبة من الذنب عمل، والشرك يحبطه كما قال تعالى: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ[الزمر: 65]، فكذلك قوله تعالى في الآية: ﴿لن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ، أي: من ذنوبهم، وليس من كفرهم.

وبهذا فسرها بعض السلف، فجاء في « تفسير روح المعاني»  للعلامة الآلوسي (1/ 624) ما نصه بعد أن ذكر بعض الأقوال المشار إليها: وقيل: إن هذه التوبة لم تكن عن الكفر، وإنما هي عن ذنوب كانوا يفعلونها معه، فتابوا عنها مع إصرارهم على الكفر، فردت عليهم لذلك.

 

اللهم احفظ لنا ديننا وتوفنا مسلمين.