جديد المدونة

جديد الرسائل

الخميس، 2 يونيو 2022

(24) فقهُ التَّعاملِ بين الزوجين

 

  

مِنْ حُسْنِ العِشْرَةِ بين الزَّوجَيْنِ

عن أبي الزبير عَنْ جَابِر بن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، اسْتَأْذَنَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحِجَامَةِ، «فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا طَيْبَةَ أَنْ يَحْجُمَهَا».

 قَالَ: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ أَخَاهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ، أَوْ غُلَامًا لَمْ يَحْتَلِمْ. رواه مسلم (2206).

فيه من الفوائد:

التداوي بالحجامة.

استئذان المرأة من زوجها إذا أرادتِ التداوي.

اهتمام الزوج بعلاج زوجته إذا احتاجت إلى ذلك.

وهذا للاستحباب، أما على سبيل وجوب نفقة العلاج، فهذا ليس عليه دليل، وقد أفتتِ اللجنة الدائمة بذلك، وهذا نصُّ الفتوى:

في « فتاوى اللجنة الدائمة»(21/170) برئاسة الشيخ ابن باز رَحِمَهُ الله: أما نفقات العلاج ومصاريفه فليست واجبة على الزوج، كالنفقة والسكنى، ولكن يشرع له بذلها مع القدرة؛ لعموم قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ[النساء:19]، ولقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي».

وفيه كما قال القرطبي في «المفهم»(5/596): فيه من الفقه ما يدلُّ على أن ذا المحرم يجوز أن يطَّلع من ذات محرمه على بعض ما يحرم على الأجنبي، وكذلك الصبي؛ فإن الحجامة غالبًا إنما تكون من بدن المرأة فيما لا يجوز لأجنبي الاطلاع عليه، كالقفا والرَّأس والساقين. اهـ.

وهذا مأخوذٌ من قول الراوي في شأن أبي طيبة: حسبت أنه كان أَخَاهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ، أَوْ غُلَامًا لَمْ يَحْتَلِمْ.

أما ابن حزم رَحِمَهُ الله في « المحلى»(9/164) فاعترض على هذا الحُسْبَانِ، وقال: وَأَمَّا قَوْلُ الرَّاوِي: حَسِبْتُ أَنَّهُ كَانَ أَخَاهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ أَوْ غُلَامًا لَمْ يَحْتَلِمْ، فَإِنَّمَا هُوَ ظَنٌّ مِنْ بَعْضِ رُوَاةِ الْخَبَرِ مِمَّنْ دُونَ جَابِرٍ. ثُمَّ هُوَ أَيْضًا ظَنٌّ غَيْرُ صَادِقٍ؛ لِأَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ  رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا  وُلِدَتْ بِمَكَّةَ، وَبِهَا وَلَدَتْ أَكْثَرَ أَوْلَادِهَا.

وَأَبُو طَيْبَةَ غُلَامٌ لِبَعْضِ الْأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ، فَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ أَخَاهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ، وَكَانَ عَبْدًا مَضْرُوبًا عَلَيْهِ الْخَرَاجُ، كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «حَجَمَ رَسُولَ اللَّهِ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو طَيْبَةَ فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ، وَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يُخَفِّفُوا مِنْ خَرَاجِهِ»، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُحْجِمَهَا إلَّا حَتَّى يَرَى عُنُقَهَا، وَأَعْلَى ظَهْرَهَا مِمَّا يُوَازِي أَعْلَى كَتِفَيْهَا.

وأخرجه ابن حبان (5602)، تحت ترجمة: ذِكْرُ الْأَمْرِ لِلْمَرْأَةِ أَنْ يَحْجُمَهَا الرَّجُلُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ إِذَا كَانَ الصَّلَاحُ فِيهِمَا مَوْجُودًا.

وهذا يفيد: أنه لا بأس بتداوي المرأة عند الرجل للضرورة، ومع أمن الفتنة.