الطفل الذي تكشف المرأة زينتها أمامه
قال تعالى: ﴿ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ﴾[النور:31].
في هذه الآية: أن الأطفال الذين لم يطَّلِعُوا على عورات النساء يحل للمرأة الكشف عن زينتِها أمامهم.
قال ابن قدامة في « المغني»(7/100): فَأَمَّا الْغُلَامُ، فَمَا دَامَ طِفْلًا غَيْرَ مُمَيِّزٍ، لَا يَجِبُ الِاسْتِتَارُ مِنْهُ فِي شَيْءٍ.
وَإِنْ عَقَلَ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا: حُكْمُهُ حُكْمُ ذِي الْمَحْرَمِ فِي النَّظَرِ.
وَالثَّانِيَةُ: لَهُ النَّظَرُ إلَى مَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَتَحْتَ الرُّكْبَةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: ﴿لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ﴾ [النور: 58] إلَى قَوْله تَعَالَى: ﴿ليْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ [النور: 58] إلَى قَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾ [النور: 59]، فَدَلَّ عَلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْبَالِغِ وَغَيْرِهِ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: أَبُو طَيْبَةَ حَجَمَ نِسَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ غُلَامٌ.
وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى قَوْلُهُ: ﴿أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ﴾ [النور: 31]، وَقِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: مَتَى تُغَطِّي الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا مِنْ الْغُلَامِ؟ قَالَ: إذَا بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ. اهـ.
فإذا كان الطفل دون سن التمييز فهذا لا إشكال في جواز كشف المرأة عنده، كابن سنة أو ابن سنتين ونحو ذلك مِمَّن لا يفهم، قال الشيخ زكريا الأنصاري في «شرح البهجة الوردية»(4/97): الذي لا يَقدر على حكاية ما يراه هذا يجوز كشف العورة عنده. اهـ.
لأنه دون سنِّ التمييز.
و إذا بلغ سنَّ التمييز ولم يبلغ الحُلُم، وليس عنده شهوة للنساء، ولا معرفة بما يسمى بالجنس، ولا حرص ولا اهتمام لديه على الاطلاع على مفاتن النساء. فهذا لا حرج على المرأة أن تظهر عليه؛ ولهذا الإمام أحمد أجاب عن سؤال: مَتَى تُغَطِّي الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا مِنْ الْغُلَامِ؟ قَالَ: إذَا بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ.
وكان والدي الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله إذا احتاج شيئًا وهو في مكتبة الرجال رُبَّما أرسل إلى بيتِه نحوَ هذا السِّنِّ؛ ليأخذ ورقَةً أو كتابًا، ونحو ذلكَ، أوِ احتاج الطلاب إلى شيءٍ فأرسلوا ولدًا إلى البيت كان يأذن له والدي بالدُّخول، ولا يأمرنا بالاحتجاب منه.
وقال الشيخ الألباني رَحِمَهُ الله: الصبي الصغير في الوقت الذي لم يبلغ سنَّ التكليف له حالتان: الحالة الأولى أن يكون صبيًّا وولدا عاديًّا، بمعنى لم تتحرك فيه الشهوة الجنسية، فالولد في هذه الحالة يجوز للمرأة المسلمة أن تظهر أمامه كما تظهر أمام المحارم، لا تزيد على ذلكَ.
أما إذا كان الصبي -على الرغم من أنه لم يبلغ سن التكليف- يظهر عليه أنه أصبح يعلم ما هنالك مما يتعلق بالجنس كما يقولون اليوم، وأنه قد يتكلم، وقد يغمز ، وقد يلمَس ونحو ذلك، فحينئذٍ -والحالة هذه- ينبغي أن يُعامَلَ هذا الولد -على الرغم من كونه لم يبلغ سنَّ التكليف- معاملة من بلغ سِنَّ التكليف، مِنْ باب سَدِّ الذريعة؛ لأنه ممن اطلع على عورات النساء، وإن كان الأصل في هذا سِنَّ التكليف، ويجب أن تهتم بهذه القضية اهتمامًا بالغًا؛ لأن الناس أهملوها إهمالًا كُلِيًّا إلا من عصم الله وقليلٌ ما هم، لا تكاد تجد بيتًا مسلمًا تُراعى فيه هذه الناحية الشرعية.
[المرجع/ مفرَّغ من مقطع صوتي للشيخ الألباني].
وقال الشيخ ابن عثيمين في تفسير سورة النور (182) : وقوله: ﴿أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا﴾ يظهروا بمعنى: يطلعوا، ﴿عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ﴾ للجماع.
والمعنى أنهم لا يعرفون ما يتعلق بالعورات. فقوله ﴿لَمْ يَظْهَرُوا﴾ أي: لم يطلعوا بحيث لا يدرون ماذا يُفْعَل بالعورات، هذا المراد، ما هو المراد بالاطلاع بالعين؛ لأن الاطلاع بالعين هذا يكون في الأطفال وغيرهم، لكن المراد بالاطلاع أنهم لا يدرون ماذا يُصنع بالعورات ولا يَرِد لهم على بال، هؤلاء الأطفال يجوز أن تبدى لهم الزينة. اهـ.
ويجب الانتباه أنَّ الأطفال يختلفون في الإدراك والنَّباهَةِ والذَّكَاءِ، وخاصةً الآن مع هذه الأجهزة الحديثة قد تُسَبِّبُ التفات الأطفال إلى ذلك في سِنٍّ مبَكِّرٍ، والله أعلم.