جديد المدونة

جديد الرسائل

الاثنين، 7 أبريل 2025

(42) فقه التعامل بين الزوجين

 

                          مواساة الزوجة

 

عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أنها قَالَتْ للنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَارَأْسَاهْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ذَاكِ لَوْ كَانَ وَأَنَا حَيٌّ فَأَسْتَغْفِرَ لَكِ وَأَدْعُوَ لَكِ» فَقَالَتْ عَائِشَةُ: وَا ثُكْلِيَاهْ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَظُنُّكَ تُحِبُّ مَوْتِي، وَلَوْ كَانَ ذَاكَ، لَظَلِلْتَ آخِرَ يَوْمِكَ مُعَرِّسًا بِبَعْضِ أَزْوَاجِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَلْ أَنَا وَا رَأْسَاهْ، لَقَدْ هَمَمْتُ-أَوْ أَرَدْتُ-أَنْ أُرْسِلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَابْنِهِ وَأَعْهَدَ: أَنْ يَقُولَ القَائِلُونَ-أَوْ يَتَمَنَّى المُتَمَنُّونَ-ثُمَّ قُلْتُ: يَأْبَى اللَّهُ وَيَدْفَعُ المُؤْمِنُونَ، أَوْ يَدْفَعُ اللَّهُ وَيَأْبَى المُؤْمِنُونَ» رواه البخاري (5666).

 

في هذا الحديث أن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قالت للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « وَارَأْسَاهْ» تتوجع، فقال النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «بَلْ أَنَا وَا رَأْسَاهْ».

 وهذا فيه مواساة الزوجة، إذا أصيبت بشيء يواسيها الزوج، يتْعَبُ لتعبها، ويألم لألَمِهَا.

قال ابن القيم رَحِمَهُ الله في «الروح»(258) في الكلام على الفرق بين الإخبار بالألم والشكوى: وَلَعَلَّ من هَذَا-أي: الإخبار بالحال لقصد صحيح لا الشكوى- قَول النَّبِي لما قَالَت عَائِشَة: وارأساه، فَقَالَ: «بل أَنا وارأساه»، أَي: الوجع الْقوي بِي، أَنا دُونك فتأسي بِي فَلَا تَشْتَكِي.

قال: ويلوح لي فِيهِ معنى آخر، وَهُوَ:

 أَنَّهَا كَانَت حَبِيبَة رَسُول الله، بل كَانَت أحب النِّسَاء إِلَيْهِ على الْإِطْلَاق، فَلَمَّا اشتكت إِلَيْهِ رَأسهَا أخْبرهَا أَن بمحبها من الْأَلَم مثل الَّذِي بهَا، وَهَذَا غَايَة الْمُوَافقَة من الْمُحب ومحبوبه، يتألم بتألمه، وَيسر بسروره، حَتَّى إِذا آلمه عُضْو من أَعْضَائِهِ آلم الْمُحب ذَلِك الْعُضْو بِعَيْنِه.

 وَهَذَا من صدق الْمحبَّة وصفاء الْمَوَدَّة.

 فَالْمَعْنى الأول يفهم أَنَّك لَا تَشْتَكِي واصبري، فَبِي من الموجع مثل مَا بك، فتأسي بِي فِي الصَّبْر وَعدم الشكوى.

 وَالْمعْنَى الثَّانِي يفهم إعلامها بِصدق محبته لَهَا، أَي: انظري قُوَّة محبتي لَك كَيفَ واسيتك فِي ألمك ووجع رَأسك، فَلَمْ تَكُونِي متوجعة وَأَنا سليم من الوجع؟ بل يؤلمني مَا يؤلمك، كَمَا يسرني مَا يَسُرك، كَمَا قيل

وَإِنَّ أَولى البَرايا أَن تُواسِيَهُ...عِندَ السُرورِ الَّذي واساكَ في الحَزَنِ

[مقتطف من دروس بلوغ المرام لابنة الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله]