هل المرأة لها أن تحج تطوعًا؟
الجواب: لها أن تحج تطوعًا؛ لعمومات الأدلة في الترغيب في الحج.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَجَّ هَذَا البَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» رواه البخاري (1819)، ومسلم (1350).
عن عمرو بن العاص رضي الله عنه الحديث وفيه: فَلَمَّا جَعَلَ اللهُ الْإِسْلَامَ فِي قَلْبِي أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلْأُبَايِعْكَ، فَبَسَطَ يَمِينَهُ، قَالَ: فَقَبَضْتُ يَدِي، قَالَ: «مَا لَكَ يَا عَمْرُو؟» قَالَ: قُلْتُ: أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ، قَالَ: «تَشْتَرِطُ بِمَاذَا؟» قُلْتُ: أَنْ يُغْفَرَ لِي، قَالَ: «أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟ وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا؟ وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟» الحديث رواه مسلم (121).
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَإِنَّهُمَا: يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ، وَالذُّنُوبَ، كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ» رواه النسائي (2630)، والحديث في «الصحيح المسند» (1/338) لوالدي رَحِمَهُ اللَّهُ.
وقد يشكل على هذا ما يأتي:
عن أبي واقدٍ الليثي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِنِسَائِهِ فِي حَجَّتِهِ: «هَذِهِ ثُمَّ ظُهُورَ الْحُصُرِ».
رواه أحمد (36/236)، وفيه واقد بن أبي واقد مجهول.
وعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلنِّسَاءِ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ: «هَذِهِ، ثُمَّ ظُهُورَ الْحُصْرِ»، قَالَ: فَكُنَّ كُلُّهُنَّ يَحْجُجْنَ إِلَّا سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ، وَزَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ، فَإِنَّهُمَا كَانَتَا تَقُولَانِ: وَاللَّهِ لَا تُحَرِّكُنَا دَابَّةٌ بَعْدَ إِذْ سَمِعْنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
رواه أحمد(44/332)، وأبو يعلى (7154)، وله شواهد، وقد ذكره الشيخ في «السلسلة الصحيحة»( 2401).
وقد وجَّه الحديثَ البيهقي رَحِمَهُ الله في «السنن»(4/535)، وقال: فِي حَجِّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وَغَيْرِهَا مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُنَّ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذَا الْخَبَرِ وُجُوبُ الْحَجِّ عَلَيْهِنَّ مَرَّةً وَاحِدَةً، كَمَا بَيَّنَ وُجُوبَهُ عَلَى الرِّجَالِ مَرَّةً، لَا الْمَنْعُ مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ، وَاللهُ أَعْلَمُ.
قلت: وقد ثبت عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلاَ نَغْزُو وَنُجَاهِدُ مَعَكُمْ؟ فَقَالَ: «لَكِنَّ أَحْسَنَ الجِهَادِ وَأَجْمَلَهُ الحَجُّ، حَجٌّ مَبْرُورٌ».
فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَلاَ أَدَعُ الحَجَّ بَعْدَ إِذْ سَمِعْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رواه البخاري(1861).
قال الحافظ في شرح هذا الحديث: وقد تأوَّلت عَائِشَةُ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ(هَذِهِ ثُمَّ ظُهُورَ الْحُصُرِ)، كَمَا تَأَوَّلَهُ غَيْرُهَا مِنْ صَوَاحِبَاتِهَا، عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِنَّ غَيْرُ تِلْكَ الْحَجَّةِ، وَتَأَيَّدَ ذَلِكَ عِنْدَهَا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَكِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ».
قال الحافظ: وَفَهِمَتْ عَائِشَةُ وَمَنْ وَافَقَهَا مِنْ هَذَا التَّرْغِيبِ فِي الْحَجِّ إِبَاحَةَ تَكْرِيرِهِ لَهُنَّ، كَمَا أُبِيحَ لِلرِّجَالِ تَكْرِيرُ الْجِهَادِ، وَخَصَّ بِهِ عُمُومَ قَوْلِهِ: «هَذِهِ ثُمَّ ظُهُورَ الْحُصُرِ»، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ﴾[الأحزاب: 33]، وَكَأَنَّ عُمَرَ كَانَ مُتَوَقِّفًا فِي ذَلِكَ، ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ قُوَّةُ دَلِيلِهَا فَأَذِنَ لَهُنَّ فِي آخَرِ خِلَافَتِهِ، ثُمَّ كَانَ عُثْمَانُ بَعْدَهُ يَحُجُّ بِهِنَّ فِي خِلَافَتِهِ أَيْضًا، وَقَدْ وَقَفَ بَعْضُهُنَّ عِنْدَ ظَاهِرِ النَّهْيِ. اهـ.
فعلى هذا يكون هذا الحديث من الأدلة على وجوب الحج في العمر مرة، وما زاد على ذلك فتطوع.
وقد روى هذا المعنى الإمام مسلم (1337) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، قَدْ فَرَضَ الله عَلَيْكُمُ الحَجَّ، فَحُجُّوا»، فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ، يَا رَسُولَ الله؟ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا، فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ قُلْتُ: نَعَمْ، لَوَجَبَتْ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ»، ثُمَّ قَالَ: «ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ، وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ».