جديد المدونة

جديد الرسائل

الثلاثاء، 17 مايو 2022

(17) سلسلة النساء الفقيهات

 

مِنْ فِقْهِ أسماء بنت أبي بكر الصديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما

عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَتْ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُ أُمِّي؟ قَالَ: «نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ».

رواه البخاري (2620)، ومسلم (1003).

في هذا الحديث: تَحَرِّي أَسْمَاءَ فِي أَمْرِ دِينِهَا، وَكَيْفَ لَا وَهِيَ بِنْتُ الصِّدِّيقِ، وَزَوْجُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. قاله الحافظ في شرح هذا الحديث من«فتح الباري».

وهذا يدلُ على غزارة علمِهَا، ورسوخِ عقيدتِهَا وإيمانها، وقوة فهمِهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا؛ فهي تعلم أن شرعَ الله مُقَدَّمٌ على العاطفي النفسي.

والأمُّ يرقُّ لها القلب، ومع ما في الأدلة  المتكاثرة في بيان عِظَمِ حَقِّ الوَالِدَيْنِ، ولكن لأنها كافرة فقد يكون لها حكمٌ آخرُ تخرج به عن برِّ الوالدين، فسألت رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمرها أن تصلَ أُمَّهَا.

وهذا دليل على صلة القريب الكافر.

قال الخطابي في « شرح صحيح البخاري»(2/1287): فيه: أن الرحم الكافرة توصل ببر المال ونحوه كالرَّحم المسلمة. اهـ.

وقد أهدى عمر بن الخطاب لأخ له مشرك هدية.

قال ابن القيم في «أحكام أهل الذمة»(2/793): وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِلْقَرَابَةِ حَقًّا - وَإِنْ كَانَتْ كَافِرَةً - فَالْكُفْرُ لَا يُسْقِطُ حُقُوقَهَا فِي الدُّنْيَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾[النساء: 36].

وَكُلُّ مَنْ ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَحَقُّهُ وَاجِبٌ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا، فَمَا بَالُ ذِي الْقُرْبَى وَحْدَهُ يَخْرُجُ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ وَصَّى اللَّهُ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ؟!

 وَرَأْسُ الْإِحْسَانِ الَّذِي لَا يَجُوزُ إِخْرَاجُهُ مِنَ الْآيَةِ هُوَ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ عِنْدَ ضَرُورَتِهِ، وَحَاجَتِهِ، وَإِلَّا فَكَيْفَ يُوصَى بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ فِي الْحَالَةِ الَّتِي لَا يَحْتَاجُ إِلَى الْإِحْسَانِ، وَلَا يَجِبُ لَهُ الْإِحْسَانُ أَحْوَجَ مَا كَانَ إِلَيْهِ؟ وَاللَّهُ  سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى  حَرَّمَ قَطِيعَةَ الرَّحِمِ، وَإِنْ كَانَتْ كَافِرَةً، وَتَرْكُ رَحِمِهِ يَمُوتُ جُوعًا، وَعَطَشًا، وَهُوَ مِنْ أَغْنَى النَّاسِ، وَأَقْدَرِهِمْ عَلَى دَفْعِ ضَرُورَتِهِ أَعْظَمُ قَطِيعَةً.

ولا يُعارض هذا معاداة الكافرين، قال الحافظ في «فتح الباري»(شرح ترجمة حديث2619):  ثُمَّ الْبِرُّ وَالصِّلَةُ وَالْإِحْسَانُ لَا يَسْتَلْزِمُ التَّحَابُبَ وَالتَّوَادُدَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾الْآيَةَ[المجادلة:22]؛ فَإِنَّهَا عَامَّةٌ فِي حَقِّ مَنْ قَاتَلَ وَمَنْ لَمْ يُقَاتِلْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وينبغي الاهتمام بِنُصحهِم ودعوتِهِم إلى دين الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة.

كما يجب الحذر من الميول إليهم وتعظيمِهِم، ومن خشي على نَفْسِه الفتنة في دينِهِ فليهجرهم ولا يقبل هداياهم، عدا الأبَوَيْنِ فلا يحلُّ هجرُهُما.