جديد المدونة

جديد الرسائل

السبت، 5 مارس 2022

(13) سلسلة النساء الفقيهات

 

                            مِنْ فِقْهِ أُمَيْمَةَ بِنْتِ رُقَيْقَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا

 

عن أُمَيْمَةَ بِنْتِ رُقَيْقَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، تَقُولُ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نِسْوَةٍ، فَقَالَ لَنَا: فِيمَا اسْتَطَعْتُنَّ وَأَطَقْتُنَّ، قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَرْحَمُ بِنَا مِنَّا بِأَنْفُسِنَا، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، بَايِعْنَا- قَالَ سُفْيَانُ: تَعْنِي صَافِحْنَا-، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا قَوْلِي لِمِائَةِ امْرَأَةٍ كَقَوْلِي لاِمْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ» رواه الترمذي (1597).

 

هذا الحديث يدل على غزارة فقْهِ هذه الصحابية الجليلة أُمَيْمَةَ بِنْتِ رُقَيْقَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، كيف فهمت من قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهن لما بايعهن: «فِيمَا اسْتَطَعْتُنَّ وَأَطَقْتُنَّ» ما يلي:

 

-إثبات صفة الرحمة لله عزوجل.

 -أن الله أرحم بالخلق من أنفسهم، وكما قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا  [النساء: 29].

نهانا سبحانه عن قتل أنفسنا، ثم أعقب ذلك برحمة الله بعباده، وهذا دليل أن الله أرحم بنا من أنفسنا، وقال سبحانه: ﴿ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.

 

وهذا فوق رحمة الأم بولدها، فهو أبلغ من قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الآتي:

عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيٌ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ قَدْ تَحْلُبُ ثَدْيَهَا تَسْقِي، إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ، فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتُرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ» قُلْنَا: لا، وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لاَ تَطْرَحَهُ، فَقَالَ: «لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا» رواه البخاري(5999)، ومسلم(2754).

هذا الحديث فيه: أن الله سبحانه أرحم بالخلق من أمهاتهم، فرحمته بعباده أشد من رحمة الأمهات بأولادهم.

وخُصَّ ذِكْرُ الأم دون الأب في هذا الحديث؛ لأنها أشدُّ رحمة من الأب غالبًا.

- فهمها كمال رحمة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشفقته بأمته، وكما قال تعالى: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)  [التوبة: 128]

-فهمُهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أن الأصل عموم التشريع للرجال والنساء، وأن النساء شقائق الرجال، فاستدلت بهذا الأصل على بيعة النساء باليد كالرجال، فامتنع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال كما في رواية ابن ماجه (2874): «إِنِّي لَا أُصَافِحُ النِّسَاءَ». 

 

-حرصها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا على الخير.

 

كما نستفيد من هذَيْنِ الحديثَين: أن الإنسان يكون في طمأنينة، في أموره ومعاشه، فإذا رزقنا ربنا سبحانه وأعطانا فبرحمته، وإذا منعنا ولم يعطنا فبرحمته وعدله، فلنعلِّقْ قلوبنا بالله عزوجل، ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ(216)﴾[البقرة]. 

ونستفيد من قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « إِنَّمَا قَوْلِي لِمِائَةِ امْرَأَةٍ كَقَوْلِي لاِمْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ»: أن الحكم الواحد لجميع أمته، فقوله لواحدة يكفي، فلا يحتاج أن يقوله لكل امرأة ولا لكل شخص، والعدد للكثرة لا للتحديد؛ إذ الأصل عموم التشريع إلا ما خصه الدليل.