من فوائد حديث الشفاعة الطويل
عن أنس: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ مَاجَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ ، فَيَأْتُونَ آدَمَ، فَيَقُولُونَ: اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِإِبْرَاهِيمَ فَإِنَّهُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ ، فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ، فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُوسَى فَإِنَّهُ كَلِيمُ اللَّهِ، فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِعِيسَى فَإِنَّهُ رُوحُ اللَّهِ، وَكَلِمَتُهُ، فَيَأْتُونَ عِيسَى، فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، فَيَأْتُونِي، فَأَقُولُ: أَنَا لَهَا» الحديث. رواه البخاري (7510)، و مسلم (193)
في هذا الحديث من الفوائد:
- وصف الناس يوم القيامة، وبيان أنهم يكونون في حيرة واضطراب وازدحام، فهو يوم كرب وهول، يجمع الله فيه الأولين والآخرين.
- أول هذا الحديث في الشفاعة العظمى يتدافعها الأنبياء حتى تصل إلى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وهذا هو المقام المحمود. (وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، فَيَأْتُونِي، فَأَقُولُ: أَنَا لَهَا).وأما آخره في قوله: (وَيُلْهِمُنِي مَحَامِدَ أَحْمَدُهُ بِهَا لاَ تَحْضُرُنِي الآنَ) فهذا في شفاعات أخرى للنبي صلى الله عليه وسلم في خروج الموحدين من النار.
-نستفيد كما في «فتح الباري» (11/441): أن الناس-يُغَطَّى عَنْهُمْ بَعْضُ مَا عَلِمُوهُ فِي الدُّنْيَا؛ لِأَنَّ فِي السَّائِلِينَ مَنْ سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يَسْتَحْضِرُ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنَّ ذَلِكَ الْمَقَامَ يَخْتَصُّ بِهِ نَبِيُّنَا صلى الله عليه وسلم، إِذْ لَوِ اسْتَحْضَرُوا ذَلِكَ لَسَأَلُوهُ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ، وَلَمَا احْتَاجُوا إِلَى التَّرَدُّدِ مِنْ نَبِيٍّ إِلَى نَبِيٍّ، وَلَعَلَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْسَاهُمْ ذَلِكَ لِلْحِكْمَةِ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ إِظْهَارِ فَضْلِ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم.
-ونستفيد: أن المسؤول إذا سئل عن شيء لا يقدر عليه يعتذر، ويدل على غيره ممن هو أهل لذلك.
-ونستفيد: التخويف من المعاصي، وبيان خطر الذنب.
-الشفاعة لأصحاب الكبائر في الخروج من النار، كما قال النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي» رواه ابن ماجه (4310)، وأبو داود (1774) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنهمَا.
-فيه دليل على خروج عصاة الموحدين من النار، وهذا من عقيدة أهل السنة والجماعة، والخوارج والمعتزلة ينكرون ذلك، ويقولون: بخلود أصحاب الكبائر في النار . وكذلك المرجئة الغلاة؛ لأن عندهم هذه الشفاعة لا يحتاج لها؛ لأنهم يقولون: لا يدخل أصحاب الكبائر النار.
والشفاعة في خروج الموحدين من النار ليست خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم، فإنه يشاركه فيها الأنبياء والملائكة والمؤمنون كما روى مسلم في «صحيحه»(183) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: الحديث وفيه: «فَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: شَفَعَتِ الْمَلَائِكَةُ، وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ، وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ، فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ قَدْ عَادُوا حُمَمًا، فَيُلْقِيهِمْ فِي نَهَرٍ فِي أَفْوَاهِ الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ: نَهَرُ الْحَيَاةِ، فَيَخْرُجُونَ كَمَا تَخْرُجُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ».
وليس معنى «قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ» نفي أصل الإيمان، فإن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يقول: «إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، إِلَّا نَفْسٌ مُؤْمِنَةٌ» رواه النسائي(2958) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
-وفيه فضل التوحيد.
-وفيه أن الشفاعة في خروج الموحدين تتكرر من النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أربع مرات.
-وفيه أن الشفاعة لا تكون إلا بإذن الله، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يشفع حتى يأذن الله له.
-وفيه أن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم لا يشفع إلا لمن أذن الله له، ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ﴾ [البقرة: 255]. فالشفاعة ملك لله، ﴿ قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا﴾ [الزمر: 44].
-فيه عظمة الله وكبرياؤه، فلا أحد يشفع عنده إلا بإذنه.
-وفيه تفضل الله ومنته إذ يخرج من النار من يشاء من الموحدين من غير شفاعة مأخوذ من آخر الحديث: «وَعِزَّتِي وَجَلاَلِي، وَكِبْرِيَائِي وَعَظَمَتِي لَأُخْرِجَنَّ مِنْهَا مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ».
-ونستفيد أن الإيمان يزيد وينقص.
-وفيه شفقة النّبِيّ صلى الله عليه وسلم على أمته ورحمته بأمته، وكما وصفه الله بذلك: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)﴾ [التوبة: 128].