جديد المدونة

جديد الرسائل

الثلاثاء، 26 أكتوبر 2021

(37)التَّذْكِيْرُ بِسِيْرَةِ سَيِّدِ البَشَرِ

 

اليوم الذي دُفِن فيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

اختلفت الروايات في دفنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هل كان الثلاثاء أو الأربعاء؟

ففي بعض الروايات أنه كان دفنه  يوم الثلاثاء، ومن ذلك:

عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: «تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَدُفِنَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ» رواه الترمذي في «الشمائل»( 378).

وهذا مرسل؛ أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف تابعي.

وجاء هذا عن سَعِيدَ بْن الْمُسَيِّبِ مرسلًا. أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (7/430). وسنده إلى سعيد حسن؛ من أجل عبد الرحمن بن حَرْملة.

وفيه بعض الروايات الأخرى من معضلات وبلاغات ونحوها.

وقد قال ابن عبد البر في «الاستذكار»(3/56): أَكْثَرُ الْآثَارِ عَلَى أَنَّهُ دُفِنَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْأَخْبَارِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وجاء في بعض الروايات أنه دُفن ليلة الأربعاء:

 عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَدُفِنَ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ. رواه أحمد(41/300). وفيه محمد بن إسحاق وقد عنعن.

 عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ فَمَكَثَ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَلَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ، وَدُفِنَ مِنَ اللَّيْلِ». رواه الترمذي في «الشمائل»( 377)، أَيْ: دُفِن لَيْلَة الْأَرْبِعَاءِ.

وهذا مرسل ؛ محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الملقب بالباقر من  صغار التابعين.

قال الحافظ ابن كثير رَحِمَهُ الله في «البداية والنهاية»(5/271) عن رواية دفنه يوم الثلاثاء: هُوَ قَوْلٌ غَرِيبٌ وَالْمَشْهُورُ عَنِ الْجُمْهُورِ مَا أَسْلَفْنَاهُ من أنه عليه السلام تُوُفِّيَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَدُفِنَ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ.

وأيَّد رواية دفنه ليلة الأربعاء، وقال: هُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ سَلَفًا وَخَلَفًا، مِنْهُمْ سُلَيْمَانُ بْنُ طَرْخَانَ التَّيْمِيُّ، وَجَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّادِقُ، وَابْنُ إِسْحَاقَ، وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَغَيْرُهُمْ. اهـ.

والسبب في تأخير دفن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،- مع ما ثبت من الأمر بالإسراع بتجهيز الجنازة، في قول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ، فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا، وَإِنْ يَكُ سِوَى ذَلِكَ، فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ» أخرجه البخاري (1315)، ومسلم (944) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-،انشغال الصحابة، واهتمامهم بأمر الخليفة بعد رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، فما دُفن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ إلا بعد البيعة لأبي بكر الصديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وهذا دليلٌ على أهمية نصب خليفةٍ للمسلمين.

قال الزرقاني في «شرحه على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية» (12/ 175): أخَّرُوه لِما ذُكر من عدم اتفاقهم على موته فأخَّروه حتى تيقنوه، أو لأنهم كانوا لا يعلمون حيث يدفن، حتى قال العالم الأكبر صديق الأمة وذكر الحديث، أو لأنهم اشتغلوا في الخلاف الذي وقع بين المهاجرين والأنصار في البيعة. فقال الأنصار: «مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ»، فقال أبو بكر: «نحنُ الأُمَرَاءُ، وَأَنْتُمُ الوُزَرَاءُ»، سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» ، فنظروا فيها حتى استقرَّ الأمرُ في الخلافة ونظمِها، وأجمعوا فبايعوا أبا بكر، ثم بايعوه بالغد بيعة أخرى على ملتهم-جماعتهم-. اهـ المراد.

وهنا سؤال قُدِّم لوالدي: كيف الجمع بين أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتعجيل دفن الميت وتأخير الصحابة لجنازته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما نقله أهلُ السير؟

جواب والدي رحمه الله: الأصل هو التعجيل، والتأخير لأمرٍ آخرَ، مثل: قضية الصحابة رضوان الله عليهم، فإنهم كانوا يخشون من حدوث فتنة بين المهاجرين والأنصار، وبين المهاجرين أنفسِهم، فبدأوا بقضاء هذه المهمة، ثم بعد ذلكم جهَّزوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ.

فالأصلُ هو تعجيل الجنازة، فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يقول: «إذا وُضعتِ الجنازةُ على جنوبكم فأسرعُوا بها، فإمَّا أن تقدِّمُوها إلى خير، وإما أن تقدِّمُوها إلى شرٍّ».

وهكذا أيضًا في تعجيل الجنازة ينبغي أن تُعجَّل إلا لأمرٍ عارض، فلا بأس بتأخيره، وليس هناك اختلافٌ بين هذا وذاك. المرجع/شريط: «أسئلة شباب مسجد السلام بعدن».