مِن فِقهِ أُمِّ أَيمَنَ رضي الله عنها
عَن أَنَس بن مالك رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ أَبُو بَكرٍ رضي الله عنه، بَعدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِعُمَرَ: انطَلِق بِنَا إِلَى أُمِّ أَيمَنَ، نَزُورُهَا كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَزُورُهَا، فَلَمَّا انتَهَينَا إِلَيهَا بَكَت، فَقَالَا لَهَا: مَا يُبكِيكِ؟ مَا عِندَ اللَّهِ خَيرٌ لِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَت: مَا أَبكِي أَن لَا أَكُونَ أَعلَمُ أَنَّ مَا عِندَ اللَّهِ خَيرٌ لِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَكِن أَبكِي أَنَّ الوَحيَ قَدِ انقَطَعَ مِنَ السَّمَاءِ، فَهَيَّجَتهُمَا عَلَى البُكَاءِ فَجَعَلَا يَبكِيَانِ مَعَهَا. رواه مسلم (2454).
هذا الحديث يدل على فضل أم أيمن رضي الله عنها وفقهها، فهي تبكي؛ حزنًا على فراق النبي صلى الله عليه وسلم، ولأن الوحي قد انقطع من السماء.
قال القرطبي في « المفهم»(6/362): تعني: أن الوحي لما انقطع بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم عمل الناس بآرائهم، فاختلفت مذاهبهم، فوقع التنازع والفتن، وعظمت المصائب والمحن، ولذلك نجم بعده صلى الله عليه وسلم النفاق، وفشا الارتداد والشقاق، ولولا أن الله تعالى تدارك الدِّين بثاني اثنين لما بقي منه أثر ولا عين. اهـ.
وقال ابن هُبيرة في « الإفصاح»(1/99): فيه أن بكاء أم أيمن كان لانقطاع الوحي النازل من السماء، وهذا مهم يشملها ويشمل سائر الناس، ولذلك أثار بكاء أبي بكر وعمر.
وَقال النووي في شرح هذا الحديث: فيه البُكَاءُ حُزنًا عَلَى فِرَاقِ الصَّالِحِينَ وَالأَصحَابِ، وَإِن كَانُوا قَدِ انتَقَلُوا إِلَى أَفضَلَ مِمَّا كانوا عليه.
ونستفيد منه:
-فضيلة أخرى لأم أيمن رضي الله عنها، فالنبي صلى الله عليه وسلم وصاحباه أبو بكرٍ وعمر كانوا يزورونها.
-أن أم أيمن توفيت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وليس قبله، وقد جاء في «صحيح مسلم» قَالَ ابنُ شِهَابٍ:... ثُمَّ تُوُفِّيَت بَعدَ مَا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِخَمسَةِ أَشهُرٍ. وهذا ظاهره الإرسال، فابن شهاب لم يدرك ذلك الزمن، وجاء أنها توفيت في زمن خلافة عثمان بن عفان، والله تعالى أعلم.
-فضل مجالسة الصالحين وأنها تجلب الخشية ورقَّة القلب.
قال ابن هُبيرة في « الإفصاح»(1/99): فيه أن الإنسان قد يهيج له البكاء ببكاء أخيه، ولا يكون ذلك ناقصًا من إخلاصه. اهـ.
وفيه من أحكام الزيارة:
-فضل التزاور في الله.
-وَفيه: زِيَارَةُ الصَّالِحِ لِمَن هُوَ دُونَهُ. قاله النووي في شرح هذا الحديث.
- وَزِيَارَةُ الإِنسَانِ لِمَن كَانَ صَدِيقُهُ يَزُورُهُ وَلِأَهلِ وُدِّ صَدِيقِهِ. قاله النووي أيضًا في شرح هذا الحديث.
فإذا كان الأب أو الأم أو الشيخ أو صاحب الفضل يزور شخصًا صديقًا له ينبغي زيارتُهُ.
-قال ابن هُبيرة في « الإفصاح»(1/99): فيه أنه يستحب للمؤمن ألا يغفل عن حسن العهد، ولا يلهو عن ذكر الصحبة، فإنهما كانا يزوران أم أيمن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. اهـ.
-أنه لا بأس بزيارة الرجل المرأة الكبيرة، وهذا يكون بدون خلوة، وعند أمن الفتنة.
-استِصحَابُ العَالِمِ وَالكَبِيرِ صَاحِبًا لَهُ فِي الزِّيَارَةِ وَالعِيَادَةِ وَنَحوِهِمَا قاله النووي في شرح هذا الحديث.
وأم أيمن رضي الله عنها اسمها بركة الحبشية من الصحابيات الفاضلات ومن المهاجرات.
وهي من حواضن النبي صلى الله عليه وسلم، وحواضنه:
أمه آمنة فهي تُعدُّ من حواضنه، وأمُّ أيمن، وحليمة السعدية، وثويبة، وجدامة الشيماء
فإنها كانت تساعد أمها حليمة في حضانته، يراجع: «زاد المعاد» (1/ 82).
وأشهر حواضن النبي صلى الله عليه وسلم أم أيمن رضي الله عنها بعد أمِّه.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم لها بمنزلة الولد حتى إنها ربما كانت تصيح عليه وتغضب كما في «صحيح مسلم» (2453) عَن أَنَسٍ قَالَ: انطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى أُمِّ أَيمَنَ فَانطَلَقتُ مَعَهُ فَنَاوَلَتهُ إِنَاءً فِيهِ شَرَابٌ قَالَ فَلَا أَدرِي أَصَادَفَتهُ صَائِمًا أَو لَم يُرِدهُ فَجَعَلَت تَصخَبُ عَلَيهِ وَتَذَمَّرُ عَلَيهِ.
وأما ما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أم أيمن أمي بعد أمي. فهذا حديث معضل؛ رواه سليمان بن أبي شيخ معضلًا.
وضعف الحديثَ العلامة الألباني رحمه الله في «الضعيفة » (7059).