جديد المدونة

جديد الرسائل

الثلاثاء، 5 يناير 2021

(90)الإجابةُ عن الأسئلةِ

   بسم الله الرحمن الرحيم

❖❖❖❖❖❖

ما حكم تزين المرأة المطلقة وخروجها من البيت، مع العلم أنها تعتد في بيت أبيها، وليست في بيت زوجها. فهل أحكامها في ترك التزين والخروج كالمتوفى عنها زوجها؟ جزاكم الله خيرًا وأحسن إليكم.

المطلقة لا إحداد عليها سواء كانت مطلقة رجعية أو بائنة.

فَأَمَّا الرَّجْعِيَّةُ فَلَا إِحْدَادَ عَلَيْهَا إِجْمَاعًا ،وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي الْبَائِنِ فَقَالَ الْجُمْهُورُ: لَا إِحْدَادَ، وَقَالَتِ الْحَنَفِيَّةُ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو ثَوْرٍ: عَلَيْهَا الْإِحْدَادُ قِيَاسًا عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا، وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ. اهـ. من «فتح الباري» (9/486) للحافظ ابن حجر رَحِمَهُ الله.

والقول بالإحداد على المطلقة البائنة وهي التي طلقت ثلاثًا غير مستند إلى دليل، ولهذا رجح الإمام الشوكاني في «السيل الجرار» (434) قول الجمهور في هذه المسألة، وقال: وأما المطلقة بائنًا فلا إحداد عليها عند الجمهور، وهو الحق؛ لعدم ورود دليل يدل على ذلك، فيجب البقاء على البراءة الأصلية، ولا يخرج منها إلا من ورد النص بالوجوب عليه وهو المتوفى عنها فقط. اهـ.

فعلمنا أن المطلقة البائنة لها أن تتزين، وتتطيب،  وتكتحل، وتخضب بالحناء إلى غير ذلك؛ لأن الإحداد إنما هو عن المتوفى عنها زوجها.

أما مسألة خروج المطلقة: فإذا كان الطلاق رجعيًّا فلها أن تخرج ولكن يلزمها أن تستأذن من زوجها ما دامت في العدة؛ لأنها لا تزال في عصمته؛ ولهذا يقول الله عز وجل: ﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا﴾ [البقرة: 228].  فسماه الله عز وجل بعلًا للمرأة مع أنه قد طلقها،ويجوز له أن يخلو بها، وأيضًا لو مات وهي في عدتها ترث منه،أو ماتت يرث منها،ولها السكنى والنفقة...

قال الشوكاني رَحِمَهُ الله في «السيل الجرار» (427) معللًا للاستئذان منه: وجهه أنها لم تنقطع الزوجية بينهما، فقد بقي له طرف منها، وبقي لها طرف منه، وذلك إذا تراجعا. اهـ.

أما قوله تعالى: ﴿ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ﴾ [الطلاق:1].  فليس المراد أن المطلقة الرجعية لا تخرج، قال الشيخ ابن عثيمين رَحِمَهُ الله في «الشرح الممتع» (13/ 188) في الجواب عن هذه الآية: وأما ما استدلوا به من قوله تعالى: ﴿وَلاَ يُخْرَجْنَ﴾، فالمراد خروج مفارقة ليس المراد خروجًا لأي سبب، وهذا القول هو الصحيح. اهـ. 

فعرفنا أن المطلقة الرجعية يجوز لها الخروج بشرط أن تستأذن،كما أن الزوجة التي لم تطلق يجوز لها الخروج إذا أذن لها زوجها في الخروج.

أما إذا كان الطلاق بائنًا فإنها لا تستأذن؛لأنها ليست بزوجة له.

 وأما الخروج فلها أن تخرج للحاجة سواء من ليل أو نهار لما رواه الإمام مسلم (1483) عن جابر قال طُلِّقَتْ خَالَتِي، فَأَرَادَتْ أَنْ تَجُدَّ نَخْلَهَا، فَزَجَرَهَا رَجُلٌ أَنْ تَخْرُجَ، فَأَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «بَلَى فَجُدِّي نَخْلَكِ، فَإِنَّكِ عَسَى أَنْ تَصَدَّقِي، أَوْ تَفْعَلِي مَعْرُوفًا».  ورواه أبو داود (2297)بلفظ « طُلِّقَتْ خَالَتِي ثَلَاثًا»

وهذه الرواية تدل أن طلاقها كان بائنًا.

وقد قيَّد جمهور العلماء خروج المطلقة البائنة  في عدتها بالنهار، أي: ولا تخرج ليلًا.

قال النووي رحمه الله في «شرح صحيح مسلم» (10/ 108) في شرح حديث جابر: هَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ لِخُرُوجِ الْمُعْتَدَّةِ الْبَائِنِ لِلْحَاجَةِ. وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَاللَّيْثِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَآخَرِينَ: جَوَازُ خُرُوجِهَا فِي النَّهَارِ لِلْحَاجَةِ، وَكَذَلِكَ عِنْدَ هَؤُلَاءِ يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ في عدة الوفاة ووافقهم  أَبُو حَنِيفَةَ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ.وَقَالَ فِي الْبَائِنِ: لَا تَخْرُجُ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا. اهـ.

ولا دليل يمنع المطلقة البائنة من الخروج في الليل للحاجة.

أما عدة المطلقة: فعليها أن تعتد ثلاثة قروء، كما قال تعالى: ﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ﴾ [البقرة:228].  وسواء كان الطلاق رجعيًّا أو بائنًا؛ لأن بعضهم خصَّ المطلقة البائنة، وقال: عدتها حيضة ، وعموم الآية يردُّ ذلك.

وعدة المتوفي عنها زوجها أربعة أشهر وعشر، قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234) ﴾ [البقرة]. وهذا دليل أن عدة المتوفى عنها زوجها تختلف عن عدة المطلقة.

أما اعتداد المرأة في بيت أهلها كما ذُكر في السؤال: (أنها اعتدت في بيت أهلها) فهذا من العادات السيئة. الحكم الشرعي أنه إذا كان الطلاق رجعيًّا تبقى في بيت زوجها ، قال تعالى: ﴿ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ﴾.

وهذا إذا كان الطلاق رجعيًّا؛ ولهذا يقول الشيخ الألباني رَحِمَهُ الله: خروجها من بيت زوجها تعتبر ناشزًا، وبقاؤها في بيت أهلها هذا عصيان آخر، بعد أن يطلقها؛ لأن الآية معللة بعلة منطقية جدًّا، أما الآية: ﴿لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا﴾ [الطلاق: 1]. اهـ. من  «جامع تراث العلامة الألباني في الفقه» (12/ 514) للعلامة الألباني رَحِمَهُ الله .

 وإذا كان الطلاق بائنًا فهنا ليس للمرأة السكنى في بيت زوجها؛لقوله تعالى: ﴿لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا  ﴾ [الطلاق:1]. وأي أمر يحدث إذا كان الطلاق بائنًا؟!  فالآية في الطلاق الرجعي، فقد يقضي الله عَزَّ وَجَل أن المرأة ترجع إلى زوجها؛ ولهذا فاطمة بنت قيس تقول لمن احتج عليها من بعض الصحابة منهم عائشة بعموم الآية ﴿ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ﴾: بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ حَتَّى ﴿لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا﴾ [الطلاق: 1]، قَالَتْ: فَأَيُّ أَمْرٍ يُحْدِثُ بَعْدَ الثَّلَاثِ.

وروى الإمام مسلم (1480) عن الشَّعْبِيّ عن  فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمْ يَجْعَلْ لَهَا سُكْنَى وَلَا نَفَقَةً».

واستفدنا من هذا أن السكنى والنفقة للمطلقة الرجعية ،أما المطلقة البائنة  فليس لها سكنى ولا نفقة، والله أعلم.

❖❖❖❖❖❖