الدرس الثامن من دروس آيات الحج من[سورة الحج (22) آية: 36]
وهو الدرس التاسع عشر من دروس تفسير سورة الحج
﴿لَنْ
يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا
لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37) ﴾
قال ابن الجوزي في «زاد المسير» (3/239):قال المفسرون: ومعنى الآية: لن تُرفع إِلى الله لحومُها
ولا دماؤها، وإِنما يُرفع إِليه التقوى وهو ما أُرِيدَ
به وجهُه منكم. قال:والإِشارة
بهذه الآية إِلى أنه لا يقبل اللحوم والدِّماء إِذا لم تكن صادرة عن تقوى الله،
وإِنما يتقبل ما يتقونه به، وهذا تنبيه على امتناع قبول الأعمال إِذا عريت عن
نيَّةٍ صحيحة.
﴿كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ﴾ قال ابن كثير:أَيْ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ سَخَّرَ لَكُمُ
الْبُدْنَ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى مَا هَداكُمْ أَيْ لِتُعَظِّمُوهُ كَمَا
هَدَاكُمْ لِدِينِهِ وَشَرْعِهِ وَمَا يحبه ويرضاه وَنَهَاكُمْ عَنْ فِعْلِ مَا
يَكْرَهُهُ وَيَأْبَاهُ.
﴿وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ﴾ قال ابن كثير: أَيْ وَبَشِّرْ يَا مُحَمَّدُ
الْمُحْسِنِينَ أَيْ فِي عَمَلِهِمُ الْقَائِمِينَ بِحُدُودِ اللَّهِ
الْمُتَّبِعِينَ مَا شُرِعَ لَهُمُ الْمُصَدِّقِينَ الرَّسُولَ فِيمَا
أَبْلَغَهُمْ وَجَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
من فوائد الآية الكريمة:
ü في الآية كما قال السعدي في «تفسيره»(1/538):حث وترغيب على الإخلاص في النحر، وأن يكون القصد وجه الله
وحده، لا فخرا ولا رياء، ولا سمعة، ولا مجرد عادة، وهكذا سائر العبادات، إن لم
يقترن بها الإخلاص وتقوى الله، كانت كالقشور الذي لا لب فيه، والجسد الذي لا روح
فيه.
ü امتنان الله على عباده إذ سخر لهم البُدن
مع عظم جسمها وقوتها.
ü تعظيم الله بالتكبير عند ذبح الأضحية
والهدي، وقال سبحانه في الآية الأُخرى:﴿فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ﴾فيستفاد من الآيتين الجمع بين التسمية
والتكبير، وكما قال أنس بن مالك:«ضَحَّى النبي صلى الله عليه وسلم بِكَبْشَيْنِ
أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ
رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا» رواه البخاري (5565)،ومسلم (1966).
وكان ابن عمر رضي الله عنهما يجمع بينهما إذا نحر هديه فيقول: «بسم الله والله أكبر»، قال
القرطبي في «تفسيره»(12/66): وَهَذَا مِنْ فِقْهِهِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. اهـ.
ü البشارة للمحسنين، وهذا من جزاء المحسنين، يقول سبحانه:﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾،والإحسان
عام، الإحسان في عبادة الله، والإحسان إلى الخلق بالأخلاق الطيبة، واللين، والكلام
الطيب، والعطاء، والعلم، والنصح، والتذكير، والخدمة، ونحو ذلك.
وأهل الإحسان يحبهم الله، كما قال عزوجل: ﴿وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ
الْمُحْسِنِينَ﴾[المائدة:93]،وبشرهم الله بالجنة وزيادة على ذلك، فقال: ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾[يونس:26].
وأعظم إحسان يقَدَّمُ للخلق هو نشر العلم وتعليمه، لأن هذا هو أصل السعادة؛
ولأنه يفرق به بين الحق والباطل، ولأنه نور وبصيرة ،ولأن أجره مستمر حتى بعد موت
صاحبه،ولفضائله الكثيرة.
و كل ميسر لما خلق له، فبعض الناس ميسر للصدقة، وبعضهم ميسر لنشر العلم، وبعضهم
ميسر للخدمة والمعونة،وبعضهم ميسر للإكرام والضيافة،وبعضهم ميسر للعبادات الأخرى:
كالصلاة، والصيام، والذكر، ربما لا يفتر لسانه من ذكر الله، وآخر ميسر للصلاة عند
بيت الله الحرام والطواف،هذا كله داخل في الإحسان. نسأل الله أن يجعلنا من المحسنين.
وهذا الدرس خاتمة دروس الحج من تفسير سورة الحج،ولله الحمد والمنة.