جديد المدونة

جديد الرسائل

الجمعة، 7 أغسطس 2020

(9) فقهُ التَّعاملِ بين الزوجين

 


من حق  الزوجين:الوفاء وحفظ الوُدِّ.

لقد عظَّم الله عزوجل عقد النكاح،وسماه ميثاقًا غليظا،قال الله سبحانه :﴿وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾[النساء: 21]،وهذا دليل أن الزواج يترتب عليه حقوق وآداب ووفاء وودٌّ وحسنُ عِشْرَةٍ.

وإن الوفاء بين الزوجين لَمِنْ أهمِّ الحقوق وأعظمها.

وإليكَ أيها الزوج شيئًا من الأدلة في الحث على الوفاء لزوجتك وشريكةِ حياتِك:

عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَّا عَلَى خَدِيجَةَ وَإِنِّي لَمْ أُدْرِكْهَا، قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَبَحَ الشَّاةَ، فَيَقُولُ: «أَرْسِلُوا بِهَا إِلَى أَصْدِقَاءِ خَدِيجَةَ» قَالَتْ: فَأَغْضَبْتُهُ يَوْمًا، فَقُلْتُ: خَدِيجَةَ فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنِّي قَدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا» رواه مسلم (2435).

قال المُناوي في «فيض القدير»(5/133):فيه حفظ العهد والصدق وحسن الود ورعاية حرمة الصاحب والعشير ولو ميتا، وإكرام أهل ذلك الصاحب وأصدقائه.اهـ

فهذا الحديث:فيه من الوفاء للزوجة الثناء عليها والصلة والإحسان إلى من تودُّهم وتحبهم.

عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: اسْتَأْذَنَتْ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، أُخْتُ خَدِيجَةَ، عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَرَفَ اسْتِئْذَانَ خَدِيجَةَ فَارْتَاعَ لِذَلِكَ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ هَالَةَ». قَالَتْ: فَغِرْتُ، فَقُلْتُ: مَا تَذْكُرُ مِنْ عَجُوزٍ مِنْ عَجَائِزِ قُرَيْشٍ، حَمْرَاءِ الشِّدْقَيْنِ، هَلَكَتْ فِي الدَّهْرِ، قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهَا .رواه البخاري(3821)،ومسلم(2437).

قوله:«فارتاع لذلك»قال القاضي في «إكمال المعلم»(7/443): أي هش لبرها، ونشطت نفسه سرورًا بها، وفى هذا كله منه عليه الصلاة والسلام  حسن عهد، وحفاظ على رعاية حق خديجة، وبرها وودها بعدها، وهو من حسن الإيمان.اهـ

وهذا فيه:تذكُّر الزوجة ولو بعد وفاتها ،وبعض الرجال إذا ماتت زوجته تصير عنده نسيا منسيًّا، وكأن لم يكن شيء من الحياة الطيبة والمودة بينهما،والعشرة الحسنة.

عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا بَعَثَ أَهْلُ مَكَّةَ فِي فِدَاءِ أَسْرَاهُمْ بَعَثَتْ زَيْنَبُ فِي فِدَاءِ أَبِي الْعَاصِ بِمَالٍ، وَبَعَثَتْ فِيهِ بِقِلَادَةٍ لَهَا كَانَتْ عِنْدَ خَدِيجَةَ أَدْخَلَتْهَا بِهَا عَلَى أَبِي الْعَاصِ قَالَتْ: فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَقَّ لَهَا رِقَّةً شَدِيدَةً، وَقَالَ: «إِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا، وَتَرُدُّوا عَلَيْهَا الَّذِي لَهَا». فَقَالُوا: نَعَمْ. وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ عَلَيْهِ أَوْ وَعَدَهُ أَنْ يُخَلِّيَ سَبِيلَ زَيْنَبَ إِلَيْهِ، وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَرَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: «كُونَا بِبَطْنِ يَأْجِجَ حَتَّى تَمُرَّ بِكُمَا زَيْنَبُ فَتَصْحَبَاهَا حَتَّى تَأْتِيَا بِهَا»رواه أبو داود(2692).

وهذا الحديث الأخير فيه الوفاء بين الزوجَين من وجهين:

وفاء الزوج لزوجته فالنبي صلى الله عليه وسلم من وفائه لخديجة تذكَّرَها حين رأى زينب ورأى القلادة التي كانت تلبسها قبل أن تعطيها ابنتها زينب.قال القاري في «مرقاة المفاتيح »(6/2556): قوله:(فَلَمَّا رَآهَا)أَيْ: تِلْكَ الْقِلَادَةِ (رَقَّ لَهَا) أَيْ: لِزَيْنَبَ (رِقَّةً شَدِيدَةً) أَيْ: لِغُرْبَتِهَا وَوَحْدَتِهَا، وَتَذَكَّرَ عَهْدَ خَدِيجَةَ وَصُحْبَتِهَا، فَإِنَّ الْقِلَادَةَ كَانَتْ لَهَا وَفِي عُنُقِهَا.اهـ

وفاء الزوجة لزوجها وقت الشدة والكُربة من مرضٍ أو بلاءٍ وابتلاء ..

فزينب رضي الله عنها كان زوجها أبو العاص وابن خالتها هالة مأسورًا في أسرى بدر،فأرسلت زينب لفدائه بتلك القلادة التي أعطتها أمها خديجة رضي الله عنهم وفاءً منها له.

فأطلقه النبي صلى الله عليه وسلم واشترط عليه أن يردَّ إليه زينب ابنتِه،فوفى له بذلك،وإليه يشير الحديث الذي رواه البخاري(3110)،ومسلم (2449)عن المسور بن مخرمة الحديث وفي  آخره:«ثُمَّ ذَكَرَ صِهْرًا لَهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، فَأَثْنَى عَلَيْهِ فِي مُصَاهَرَتِهِ إِيَّاهُ، قَالَ: «حَدَّثَنِي، فَصَدَقَنِي وَوَعَدَنِي فَوَفَى لِي».

قال الذهبي رحمه الله في«سير أعلام النبلاء»(1/331)عن أبي العاص: أَسْلَمَ قَبْلَ الحُدَيْبِيَةِ بِخَمْسَةِ أَشْهُرٍ.وَكَانَ قَدْ وَعَدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى مَكَّةَ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، فَيَبْعَثَ إِلَيْهِ بِزَيْنَبَ ابْنَتِهِ، فَوَفَى بِوَعْدِهِ، وَفَارَقَهَا مَعَ شِدَّةِ حُبِّهِ لَهَا، وَكَانَ مِنْ تُجَّارِ قُرَيْشٍ وَأُمَنَائِهِم، وَمَا عَلِمْتُ لَهُ رِوَايَةً. وَلَمَّا هَاجَرَ، رَدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوْجَتَهُ زَيْنَبَ بَعْدَ سِتَّةِ أَعْوَامٍ عَلَى النِّكَاحِ الأَوَّلِ .

نستفيد من هذه الأدلة:

فضل وفاء الزوج لزوجته.

 حِفْظُ الوفاء للزوجة في حياتها و بعد موتها.

الحنين والشوق للزوجة عند ذكرِها.

فاحذر من أن تكون لئيما،من الذين لا يعرفون عهدا ولا وفاء للزوجة.

تعلَّم هذه الأخلاق النبوية،والآداب العليَّة،ليكون بيتك سعيدًا خاليًا من المشاكل،فإن كثرة مشاكل البيوت بسبب عدم الوفاء بين الزوجين.

وقد ثبت منْ حديث عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي»رواه الترمذي(3895).

فما أجمل الوفاء بين الزوجين!

ويليه إن شاء الله في رسالة قادمة وفاء الزوجة لزوجها.