جديد المدونة

جديد الرسائل

الخميس، 3 يناير 2019

(66)سِلْسِلَةُ التَّفْسِيْرِ




                     
             فوائد ومسائل من دروس تفسير ابن كثير

                  [سورة الأنبياء (21):الآيات 48 إلى 50]



﴿وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ (48) الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (49)وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (50)﴾.



كثيرًا ما يقرن الله سبحانه وتعالى في كتابه بين  نبوة نبينا محمد وموسى عليهما الصلاة والسلام وبين كتابيهما،وفي هذا الموضع في سورة الأنبياء:﴿وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ﴾ ثم قال:﴿وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ﴾.



﴿وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ﴾الفرقان هو الكتاب الذي أنزله الله على نبيه موسى وهو التوراة كتبه الله بيده كما في حديث محاجة آدم وموسى عليهما السلام وفيه أنه:«قَالَ لَهُ آدَمُ:يَا مُوسَى اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِكَلاَمِهِ،وَخَطَّ لَكَ بِيَدِهِ» رواه البخاري (6614)،ومسلم (2652) عن أبي هريرة.



أما مجيء العطف في قوله تعالى:﴿وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ فقال الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان:الظاهر في معناه:أن الفرقان هو الكتاب الذي أوتيه موسى،وإنما عطف على نفسه تنزيلا لتغاير الصفات منزلة تغاير الذوات ،لأن ذلك الكتاب الذي هو التوراة موصوف بأمرين:أحدهما:أنه مكتوب كتبه الله لنبيه موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.

والثاني:أنه فرقان؛ أي:فارق بين الحق والباطل،فعطف الفرقان على الكتاب،مع أنه هو نفسه نظرا لتغاير الصفتين،كقول الشاعر:

إلى الملك القرم وابن الهمام...وليث الكتيبة في المزدحم



وكتاب موسى كما هو معلوم أنه منسوخ بالقرآن الكريم وأنه قد حرَّف اليهود كثيرًا منه وبدلوه وغيروه كما قال تعالى:﴿أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75)﴾[البقرة:75].



﴿وَضِياءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ﴾ أَيْ تَذْكِيرًا لَهُمْ وَعِظَةً.

﴿الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ﴾ كَقَوْلِهِ:﴿مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ﴾[ق:50].

﴿وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ﴾ أَيْ خَائِفُونَ وَجِلُونَ.

﴿وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ﴾ يعني الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ.

﴿أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ﴾ أَيْ أَفَتُنْكِرُونَهُ وهو في غاية الجلاء والظهور؟كما في تفسير ابن كثير.

·     فيه من الفوائد:

1. فضل التوراة وشرفها ولكنها قد بُدِّلت وحُرِّفَت.

2. ذكر وصفين للمتقين:أحدهما:خشية الله بالغيب،ومن أدعية الرسول صلى الله عليه وسلم«وَأَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ» رواه النسائي في «سننه» (1305) عن عمار بن ياسر رضي الله عنه.

(فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ) أي في السر والعلانية.

والغيب ما غاب عن الناس،وذكر الأمرين الغيب والشهادة لأن الخشية قد تكون بين الناس فإذا غاب وانفرد انتهك حرمات الله.

الصفة الثانية:الإشفاق من الساعة هذا من صفات المتقين الخوف من الساعة لأنهم يعلمون أنها حق ويعلمون أن يوم الساعة يوم الهول والكرب والشدة يشيب فيه الصغير كما قال تعالى:﴿فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا (17)﴾[المزمل:17]. وتدنو الشمس فيه من رؤوس الخلائق فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون أي ليس في طاقتهم ولا تحملهم لشدة الأمر وهوله ولهذا وصف الله سبحانه ذلك اليوم بأنه يوم عظيم فقال:﴿أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4)﴾[ المطففين:4] ووصفه بأنه يوم ثقيل﴿إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا (27)﴾[الإنسان:27] وأمر باتقائه وخشيته فقال سبحانه:﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (48)﴾[البقرة:48].فيوم القيامة يجب أن نتفكر فيه وأن نتأمل مواقفه وشدائده وأن نستعد له بطاعة الله سبحانه ورضا الله عز وجل واجتناب غضبه وسخطه،وأن نحذر الغفلة فإنها داء عظيم وسبب كبير في التفريط والحِرْمان والله المستعان.

3.  فضل القرآن الكريم.

4. أن الذكر من أسماء القرآن،وكما قال تعالى:﴿وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾[ص:1].

5. أن القرآن منزل من عند الله وكما قال سبحانه:﴿تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)﴾[فصلت:42].

6. وصف القرآن بأنه مبارك قال تعالى:﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29)﴾[ص:29] والبركة ثبوت الخير الإلهي في الشيء.

  وبركات القرآن كثيرة منها:


·                أنه هدى ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾[الإسراء:9].

·               ورحمة﴿هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾[الجاثية:20].

·               وشفاء من الأمراض قال تعالى﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾[يونس:57]،فالقرآن علاج لقلوبنا وأبداننا.

·               أنه شرف ورفعة لمن تمسك به ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ﴾[الزخرف:44].

·               ومن بركاته أنه حصن من الشبهات والشهوات والفتن المضلة،حصن لمن تمسك به واهتدى به ومطردة للشيطان الرجيم.عَنْ الحَارِثِ الأَشْعَرِيِّ أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ الحديث وفيه «وَآمُرُكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا اللَّهَ فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ خَرَجَ العَدُوُّ فِي أَثَرِهِ سِرَاعًا حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حِصْنٍ حَصِينٍ فَأَحْرَزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ،كَذَلِكَ العَبْدُ لَا يُحْرِزُ نَفْسَهُ مِنَ الشَّيْطَانِ إِلَّا بِذِكْرِ اللَّهِ»رواه الترمذي (2863) وهو في «الصحيح المسند » (285) لوالدي رحمه الله.

وروى الإمام مسلم (1218)عن جابر في حديث حجة الوداع الطويل الحديث وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ،كِتَابُ اللهِ.

فلا أمان للعباد من الضلال والبدع والفتن إلا بالاعتصام بهذا القرآن الكريم ﴿وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101)﴾[آل عمران].

بركات القرآن كثيرة نسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن تغمره بركات القرآن في الدنيا والآخرة.

وفضائل القرآن كلها هي من بركات هذا القرآن الكريم.

وكيف تنال بركة القرآن؟ تنال بركة القرآن بقراءته وحفظه وتدبر آياته وتفهم وتدبر معانيه والتخلق بأخلاقه والعمل به.