جديد المدونة

جديد الرسائل

الثلاثاء، 4 سبتمبر 2018

(54)سِلْسِلَةُ التَّفْسِيْرِ


           فوائد ومسائل من دروس تفسير ابن كثير رحمه الله

سورة الأنبياء

قال ابن كثير:هي مكية روى البخاري عن عبد الله وهو ابن مسعود قال:بنو إسرائيل، والكهف، ومريم، وطه، والأنبياء، هن من العتاق الأول، وهن من تلادي.اهـ

 (بنو إسرائيل) يعني: سورة الإسراء.

(من العتاق الأول) أَي من أول مَا نزل من القرآن، كما في «مقدمة فتح الباري» (1/153).

(وهن من تلادي) قال الحافظ ابن حجر رَحِمَهُ الله في «فتح الباري» (8/ 388): ومراد ابن مسعود أنهن من أول ما تعلم من القرآن،وأن لهن فضلا لما فيهن من القصص وأخبار الأنبياء والأمم اهـ.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

 ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1)﴾ قال ابن كثير رحمه الله: هذا تنبيه من الله، عز وجل، على اقتراب الساعة ودنوِّها، وأن الناس في غفلة عنها.

﴿وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ﴾ قال ابن كثير: أي: لا يعملون لها، ولا يستعدون من أجلها.

﴿مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2)﴾.

قال ابن كثير رحمه الله:أخبر تعالى أنهم لا يصغون إلى الوحي الذي أنزل الله على رسوله، والخطاب مع قريش ومن شابههم من الكفار.

﴿مُحْدَثٍ﴾ أي: جديد إنزاله، كما في تفسير ابن كثير.



﴿وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ أي: قائلين فيما بينهم خفية﴿هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ يعنون رسول الله صلى الله عليه وسلم، يستبعدون كونه نبيا، لأنه بشر مثلهم، فكيف اختص بالوحي دونهم، كما في تفسير ابن كثير.

﴿أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ﴾ أي:تُشاهدون، قال ابن كثير: أي: أفتتبعونه فتكونون كمن أتى السحر وهو يعلم أنه سحر.

﴿قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (4)﴾

فيه قولان: أحدهما قال: أي قال لهم نبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

الثاني: أن فاعل قال ربي سبحانه.

أما معنى الآية: قال ابن كثير:أي: الذي يعلم ذلك، لا يخفى عليه خافية، وهو الذي أنزل هذا القرآن المشتمل على خبر الأولين والآخرين، الذي لا يستطيع أحد أن يأتي بمثله، إلا الذي يعلم السر في السموات والأرض.

قال:وقوله: ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ أي: السميع لأقوالكم، العليم بأحوالكم. وفي هذا تهديد لهم ووعيد.

﴿بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (5)﴾ قال ابن كثير: هذا إخبار عن تعنت الكفار وإلحادهم، واختلافهم فيما يصفون به القرآن، وحيرتهم فيه، وضلالهم عنه. فتارة يجعلونه سحرا، وتارة يجعلونه شعرا، وتارة يجعلونه أضغاث أحلام، وتارة يجعلونه مفترى، كَمَا قَالَ ﴿انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا﴾ [الْإِسْرَاءِ: 48 وَالْفُرْقَانِ: 9].

﴿فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ﴾ يعنون ناقة صالح، وآيات موسى وعيسى وغيرها.

﴿مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (6)﴾.

أي:لم تؤمن الأمم المتقدمة بالرسل وقد جاءوا بالمعجزات والآيات بل كذبوا وعاندوا أفهؤلاء كفار قريش الذين طلبوا الآيات يؤمنون لو جاءتهم بل هم أشد عنادا وتكذيبًا. قال الله تعالى رادًّا عليهم:{وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ}[الإسراء: 59] الآية.  

·     من الفوائد :

1.   اقتراب قيام الساعة،وكما قال تعالى:﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1)﴾[القمر:1]،وبعثة النبي صلى الله عليه وسلم دليل على قرب قيام الساعة.روى البخاري (6504)،ومسلم (2951) عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ».

2.   ذم الغفلة وأنها من صفات الكفار.

3.   الحث على التهيُّؤِ والاستعداد ليوم القيامة.فيوم القيامة قد دنا وكثير من الناس غافلون عنه لم يفكِّروا فيه ولم يستعدوا له،وقد أمرنا ربنا أن نتقي هذا اليوم وأن نخشاه لهولِه وثِقَله وشِدَّته،قال تعالى:{ وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (48)}[البقرة].

وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33)}[لقمان].



4.   فيه شبهة للمعتزلة القائلين القرآن مخلوق، قالوا: محدث، أي: مخلوق. وهذا غير صحيح فالمعنى كما تقدم (أي جديد إنزاله)فالقرآن نزل من عند الله مفرَّقًا حسب الحوادث وحاجة الناس، وهو كلام الله ،وكلام الله صفة من صفاته ،وصفات الله غير مخلوقة.

5.   سبب إعراض الكفار عن الإيمان بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه بشر أي وليس من الملائكة.

6.   حَيرة الكفار واضطراب أمرهم في وصف القرآن،فتارة يقولون سحر، وتارة يقولون أضغاث أحلام، وتارة يقولون مفترى، وتارة يقولون  شعر،﴿ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ ﴾ أي: قول شاعر، وهذا غاية الاضطراب .