جديد المدونة

جديد الرسائل

الخميس، 14 يونيو 2018

(7)من أحكام العيدَين



اشتقاق العيد

الْعِيد مُشْتَقٌّ مِنْ الْعَوْدِ، فَكُلُّ عِيدٍ يَعُودُ بِالسُّرُورِ، وَإِنَّمَا جُمِعَ عَلَى أَعْيَادٍ بِالْيَاءِ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَعْوَادِ الْخَشَبِ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.كذا في«نيل الأوطار»(3/337)للشوكاني.

الغناء يوم العيد والترفيه على النفس وإظهارُ السرور

عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ مِنْ جَوَارِي الأَنْصَارِ تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاوَلَتِ الأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثَ، قَالَتْ: وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ فِي يَوْمِ عِيدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَهَذَا عِيدُنَا». رواه البخاري (952)،ومسلم (892).

هذا الحديث يدل على:

 أن ديننا الحنيف دين يُسْرٍ وفُسْحةٍ ،فلا بأس بالترفيه على النفس يوم العيد،وكذا اللعب والتوسعة على الأهل بما ليس فيه تبذير ولا مخالفة للشرع.
قال البغوي في "شرح السنة" (4/322) : بُعَاثٌ: يَوْمٌ مَشْهُورٌ مِنْ أَيَّامِ الْعَرَبِ، كَانَتْ فِيهِ مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ لِلأَوْسِ عَلَى الْخَزْرَجِ، وَبَقِيَتِ الْحَرْبُ بَيْنَهُمَا مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً، إِلَى أَنْ قَامَ الإِسْلامُ.
وَكَانَ الشِّعْرُ الَّذِي تُغَنِّيَانِ فِي وَصْفِ الْحَرْبِ وَالشَّجَاعَةِ، وَفِي ذِكْرِهِ مَعُونَةٌ فِي أَمْرِ الدِّينِ.

 فَأَمَّا الْغِنَاءُ بِذِكْرِ الْفَوَاحِشِ،وَالابْتِهَارِ بِالْحُرَمِ، وَالْمُجَاهَرَةُ بِالْمُنْكَرِ مِنَ الْقَوْلِ، فَهُوَ الْمَحْظُورُ مِنَ الْغِنَاءِ، وَحَاشَاهُ أَنْ يَجْرِيَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِحَضْرَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، فَيُغْفِلَ النَّكِيرَ لَهُ، وَكُلُّ مَنْ رَفَعَ صَوْتَهُ بِشَيْءٍ جَاهِرًا بِهِ، وَمُصَرِّحًا بِاسْمِهِ لَا يَسْتُرُهُ وَلا يَكْنِي عَنْهُ، فَقَدْ غَنَّى، بِدَلِيلِ قَوْلِهَا:«وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ».

 وَقَوْلُهُ:«وهَذَا عِيدُنَا»يَعْتَذِرُ بِهِ عَنْهَا أَنَّ إِظْهَارَ السُّرُورِ فِي الْعِيدَيْنِ شِعَارُ الدِّينِ، وَلَيْسَ هُوَ كَسَائِرِ الأَيَّامِ.اهـ

ويدل أيضًا قوله:«إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَهَذَا عِيدُنَا»
 أنه ليس لنا أهل الإسلام أن نحتفِل بأعياد الكفار.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في «اقتضاء الصراط» (صـ206):هذا يوجبُ اختصاصَ كل قوم بِعيدهم.اهـ
وقال شيخ الإسلام رحمه الله في«اقتضاء الصراط المستقيم» (1/369) بتحقيق العقل: ومن المعلوم أن تعظيمَ أعيادهم ونحوها بالموافقة فيها نوع من إكرامهم، فإنهم يفرحون بذلك ويسرون به، كما يغتمُّون بإهمال أمر دينهم الباطل.اهـ

وسواء كان عيدَ ميلاد أو عيد ذِكْرِيَّات أو غيرِها .

والمراد بالغناء: الغناء الحَمَاسي الذي ليس فيه ما  يبعث الكامِنَ ويُحَرِّكُ الساكن.

بخلاف الغناء الذي يشتمل على مدح المحرمات والفواحش ويجرُّ إلى الفساد  فهذا ليس هو المراد.

وقد فسَّر جمع من السلف اللهوَ في قوله تعالى:﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (6) ﴾[لقمان]فسَّروه بالغناء.

وقال ابن القيم في «إغاثة اللهفان»(1/240):الغناء أشد لهوًا، وأعظم ضررًا من أحاديث الملوك وأخبارهم، فإنه رقية الزنا، ومنبت النفاق، وشرك الشيطان، وخمرة العقل، وصده عن القرآن أعظم من صد غيره من الكلام الباطل، لشدة ميل النفوس إليه، ورغبتها فيه.اهـ

ومن إظهار السرور في العيدَين:التجمُّل

عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَخَذَ عُمَرُ جُبَّةً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ تُبَاعُ فِي السُّوقِ، فَأَخَذَهَا، فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْتَعْ هَذِهِ تَجَمَّلْ بِهَا لِلْعِيدِ وَالوُفُودِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ» فَلَبِثَ عُمَرُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَلْبَثَ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجُبَّةِ دِيبَاجٍ، فَأَقْبَلَ بِهَا عُمَرُ، فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّكَ قُلْتَ: «إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لا خَلاقَ لَهُ» وَأَرْسَلْتَ إِلَيَّ بِهَذِهِ الجُبَّةِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَبِيعُهَا أَوْ تُصِيبُ بِهَا حَاجَتَكَ»رواه البخاري(948).

قلتُ لوالدي رحمه الله:كيف يُستدلُّ بهذا الحديث على التجمل للعيد والوفود وفي رواية«والجمعة»وقد أنكر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم  على عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقوله:«إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لا خَلاقَ لَهُ»؟
فأجابني :أنكر عليه عرضَ لبس الجبة  لأنها من حرير،ولم ينكر عليه التجمُّل.

ضربُ الدُّفِّ في العيد

عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ فِي أَيَّامِ مِنَى تُدَفِّفَانِ، وَتَضْرِبَانِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَغَشٍّ بِثَوْبِهِ، فَانْتَهَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ، فَكَشَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ: «دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ، فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ، وَتِلْكَ الأَيَّامُ أَيَّامُ مِنًى» رواه البخاري(987).

«تُدَفِّفَانِ»أي:تضربان بالدُّف.
أما الطبل فلا يجوز لأنه من الملاهي المحرمة.

الفرق بين الدُّف والطبل

استفدت من والدي الشيخ مقبل رحمه الله:
أنَّ الدُّفَّ يكون مفتوحًا من إحدى الجِهَتينِ كالصحن.
الطبل يكون مُغْلَقًا من الجهتين جميعًا.

التهنئة في العيدين

قال شيخ الإسلام في «فتاواه » (24/253) التهنئة يوم العيد قد روي عن طائفة من الصحابة أنهم كانوا يفعلونه . ورخص فيه الأئمة كأحمد وغيره .
لكن قال أحمد : أنا لا أبتدئ أحدا فإن ابتدأني أحد أجبته لأن جواب التحية واجب .

وأما الابتداء بالتهنئة فليس بسنة مأمورا بها ،ولا هو أيضا مما نهي عنه،فمن فعله فله قدوة،ومن تركه فله قدوة والله أعلم.اهـ

تخصيص المصافحة يوم العيد

استفدنا من والدي رحمه الله: أن هذا من العادات المباحة. 
وكان ينصح أن نربط أنفسنا بالدليل وأن نقضي على هذه العادات ما استطعنا.