ليلة القدر
قال الله تعالى: ﴿ إِنَّا
أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ
(2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ
وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى
مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5) ﴾ [القدر].
هذه السورة في فضل ليلة القدر وأنها
خير من ألف شهر.
وهذا فضلٌ ومنَّة من الله على
عباده أنَّ قيام ليلة القدر أفضل من ألف شهر.
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره(7/572) :
الْأَلْفَ شَهْرٍ عِبَارَةٌ عَنْ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً وَأَرْبَعَةِ
أَشْهُرٍ.اهـ.
وروى البخاري(1901)،ومسلم (760) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ
القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ».
إيمانًا: أي:تصديقًا بفضلها.
واحتسابًا:للأجر من الله لا رياء ولا سمعة ولا غير ذلك مما ينافي
الإخلاص.
«غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ
ذَنْبِهِ»وهذه بشارة عظيمة بمغفرة الذنوب وكفارتها بقيام ليلة واحدة.
قال ابن رجب رحمه الله في «لطائف المعارف»(207)عن هذا الحديث وعن:« مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا
غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» .وَقَوْله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».
دلَّ هذا على: أن هذه الأسباب الثلاثة كل واحد
منها مكفر لما سلَف من الذنوب وهي: صيام رمضان وقيامه وقيام ليلة القدر.
فقيام ليلة القدر بمجرده يكفر الذنوب لمن وقعت له ولا
يتأخر تكفير الذنوب بها إلى انقضاء الشهر.
وأما صيام رمضان وقيامه فيتوقف التكفير بهما على
تمام الشهر، فإذا تمَّ الشهر فقد كمل للمؤمن صيام رمضان وقيامه،فيترتب له على ذلك
مغفرة ما تقدم من ذنبه بتمام السببين وهما صيامه وقيامه.اهـ
ليلة القدر يُقدَّر
فيها الأمور قال تعالى:{ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4)}.
وينبغي الدعاء بما علَّمنا نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
روى الترمذي (3513)،وابن ماجة (3850)من طريق عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
بُرَيْدَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ
إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ القَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ:
" قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي
".
وعبدالله بن بريدة جزم بعضهم أنه لم يسمع من عائشة ،ولكنه قد تابعه أخوه
سليمان بن بريدة عند النسائي في الكبرى (10647).فالحديث صحيح .
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره(7/581): وَالْمُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ
مِنَ الدُّعَاءِ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ وَفِي شَهْرِ رَمَضَانَ أَكْثَرُ، وَفِي
الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْهُ ثُمَّ فِي أَوْتَارِهِ أَكْثَرُ وَالْمُسْتَحَبُّ
أَنَّ يُكْثِرَ مِنْ هَذَا الدُّعَاءِ ثم ذكر حديث عائشة .
والموفَّق من لم
تفُتْهُ ليلة القدر،والمحرومُ من حُرِمَ خيرها وفضلها.
وما أكثر حِرْمان
الرافضة من الخير والفضائل،ومِن حِرْمانهم أنهم لا يؤمنون بوجود ليلة القدر
ويقولون: إنها قد رُفِعت.
وتُطلَبُ ليلة القدر في أوتار العشر الأخيرة من رمضان.
قال البخاري في «صحيحه» تبويب
حديث(2017): بَابُ تَحَرِّي لَيْلَةِ القَدْرِ فِي الوِتْرِ مِنَ العَشْرِ
الأَوَاخِرِ ثم ذكر حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي
الوِتْرِ، مِنَ العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ».
قال العلماء:الحكمة من إخفاء ليلتها ليجتهد المسلم في العبادة ويطلبها في
جَمِيعِ مَحَالِّ رَجَائِهَا.
هذا،ونسألُ الله
المعونة والقبول فقد قال تعالى:﴿ إنما يتقبل الله من المتقين﴾.
قال ابن رجب رحمه
الله في«لطائف المعارف»(192):المعوَّل على القبول لا على الاجتهاد،والاعتبار ببر
القلوب لا بعمل الأبدان، رُبَّ قائم حظه من قيامه السهر، كم من قائم محروم، وكم من
نائم مرحوم ،نام وقلبه ذاكر،وهذا قام وقلبُه فاجر.
إن المقادير إذا
ساعدت ... ألحقت النائم بالقائم
لكن العبد مأمور
بالسعي في اكتساب الخيرات والاجتهاد في الأعمال الصالحات. وكل ميسر لما خُلِق له،أما
أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة،وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة:{فَأَمَّا
مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى،
وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى، وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ
لِلْعُسْرَى} فالمبادرة إلى اغتنام العمل
فيما بقي من الشهر،فعسى أن يُستدرك به ما فات من ضياع العمر.اهـ