الاستمرار في العبادة إلى أن
يأتي الموت
قال تعالى عن عيسى عليه الصلاة والسلام: (وَأَوْصانِي
بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا).
وقال تَعَالَى لِنبيه مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وعلى آله وَسَلَّمَ:(وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)
[الْحِجْرِ: 99].
في هاتَيْنِ الآيتين من الفوائد:
الأمر بعبادة الله سبحانه إلى أن يأتي الموت.
رد على غلاة الصوفية الذين يزعمون أن منهم من يصل إلى حالة يرتفع عنه
التكليف ،الأوامر والنواهي الشرعية تسقط عنه ،فربنا سبحانه وتعالى يأمر بالاستمرار في العبادة
مدة الحياة كلها (مَا
دُمْتُ حَيًّا) فلا يسقط عن أحدٍ التكليف إلا لمن زال
عقله.
قال ابن القيم رحمه الله في مدراج
السالكين (1/124):مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يَصِلُ إِلَى مَقَامٍ يَسْقُطُ عَنْهُ فِيهِ
التَّعَبُّدُ، فَهُوَ زِنْدِيقٌ كَافِرٌ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ، وَإِنَّمَا وَصَلَ
إِلَى مَقَامِ الْكُفْرِ بِاللَّهِ، وَالِانْسِلَاخِ مِنْ دِينِهِ، بَلْ كُلَّمَا
تَمَكَّنَ الْعَبْدُ فِي مَنَازِلِ الْعُبُودِيَّةِ كَانَتْ عُبُودِيَّتُهُ
أَعْظَمَ، وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ مِنْهَا أَكْبَرَ وَأَكْثَرَ مِنَ الْوَاجِبِ
عَلَى مَنْ دُونَهُ، وَلِهَذَا كَانَ الْوَاجِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ عَلَى جَمِيعِ الرُّسُلِ أَعْظَمَ مِنَ
الْوَاجِبِ عَلَى أُمَمِهِمْ، وَالْوَاجِبُ عَلَى أُولِي الْعَزْمِ أَعْظَمَ مِنَ
الْوَاجِبِ عَلَى مَنْ دُونَهُمْ، وَالْوَاجِبُ عَلَى أُولِي الْعِلْمِ أَعْظَمَ
مِنَ الْوَاجِبِ عَلَى مَنْ دُونَهُمْ، وَكُلُّ أَحَدٍ بِحَسَبِ مَرْتَبَتِهِ.اهـ
وقد استدلوا بقوله تعالى:(وَاعْبُدْ
رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الْحِجْرِ: 99]قالوا: اليقين هنا المعرفة.
قال الشنقيطي رحمه الله في أضواء
البيان تفسير آية(99)من سورة الحجر: اعْلَمْ أَنَّ مَا يُفَسِّرُ بِهِ
هَذِهِ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ بَعْضُ الزَّنَادِقَةِ الْكَفَرَةِ الْمُدَّعِينَ
لِلتَّصَوُّفِ، مِنْ أَنَّ مَعْنَى الْيَقِينِ الْمَعْرِفَةَ بِاللَّهِ جَلَّ
وَعَلَا ، وَأَنَّ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا وَصَلَ مِنَ
الْمَعْرِفَةِ بِاللَّهِ إِلَى تِلْكَ الدَّرَجَةِ الْمُعَبَّرَ عَنْهَا
بِالْيَقِينِ، أَنَّهُ تَسْقُطُ عَنْهُ الْعِبَادَاتُ وَالتَّكَالِيفُ ،لِأَنَّ
ذَلِكَ الْيَقِينَ هُوَ غَايَةُ الْأَمْرِ بِالْعِبَادَةِ.
إِنَّ تَفْسِيرَ الْآيَةِ بِهَذَا
كُفْرٌ بِاللَّهِ وَزَنْدَقَةٌ، وَخُرُوجٌ عَنْ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ بِإِجْمَاعِ
الْمُسْلِمِينَ.
وَهَذَا النَّوْعُ لَا يُسَمَّى فِي الِاصْطِلَاحِ تَأْوِيلًا،
بَلْ يُسَمَّى لَعِبًا ،وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ هُمْ
وَأَصْحَابُهُ هُمْ أَعْلَمُ النَّاسِ
بِاللَّهِ، وَأَعْرُفُهُمْ بِحُقُوقِهِ وَصِفَاتِهِ وَمَا يَسْتَحِقُّ مِنَ
التَّعْظِيمِ، وَكَانُوا مَعَ ذَلِكَ أَكْثَرَ النَّاسِ عِبَادَةً لِلَّهِ جَلَّ وَعَلَا ، وَأَشَدَّهُمْ خَوْفًا مِنْهُ
وَطَمَعًا فِي رَحْمَتِهِ. وَقَدْ قَالَ جَلَّ
وَعَلَا: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) [35 - 28] .اهـ
والمفسرون يقولون: معنى اليقين في الآية الموت .قال ابن القيم رحمه الله في طريق الهجرتين ودار السعادتين (224):اليقين هنا الموت باتفاق أهل الإسلام
.اهـ
نسألُ الله أن يثبتنا
على عبادته وحده لا شريك له.
وأن يرزقنا حُسن
الخاتمة.