جديد المدونة

جديد الرسائل

الجمعة، 26 مايو 2017

(113)سِلْسِلَةُ الفَوَائِدِالعِلْمِيَّةِ والمَسَائِلِ الفِقْهِيَّةِ

                
                 المرأة تغسل زوجها إذا مات والعكس   

أما تغسيل المرأة لزوجها فاتفق العلماء على جوازه . قال ابن قدامة في «المغني» (مسألة1619) :قَالَ أَحْمَدُ لَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ النَّاسِ.اهـ
وقال  ابن المنذر في«الأوسط»(5/334): أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَغْسِّلَ زَوْجَهَا إِذَا مَاتَ .اهـ
وَقد قالت عَائِشَةُ رضي الله عنها: «لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ، مَا غَسَلَهُ إِلَّا نِسَاؤُهُ». رواه أبو داود (3141) .

وأما تغسيلُ الرجل لامرأته:

فروى ابن ماجة(1465)،وأحمد (43/81)عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْبَقِيعِ، فَوَجَدَنِي وَأَنَا أَجِدُ صُدَاعًا فِي رَأْسِي، وَأَنَا أَقُولُ: وَا رَأْسَاهُ، فَقَالَ: «بَلْ أَنَا يَا عَائِشَةُ وَا رَأْسَاهُ» ثُمَّ قَالَ: «مَا ضَرَّكِ لَوْ مِتِّ قَبْلِي، فَقُمْتُ عَلَيْكِ، فَغَسَّلْتُكِ، وَكَفَّنْتُكِ، وَصَلَّيْتُ عَلَيْكِ، وَدَفَنْتُكِ».وفيه محمد بن إسحاق مدلس وقد عنعن .
 وضعَّفَ النووي رحمه الله في«المجموع»(5/133) إسنادَه لوجود عنعنة ابن إسحاق.اهـ
وقد صرح ابن إسحاق  بالتحديث كما في«السيرة»(2/643) لابن هشام ،ولفظه:« وَمَا ضَرّكِ لَوْ مُتِّ قَبْلِي، فَقُمْتُ عَلَيْكَ وَكَفَّنْتُكَ، وَصَلَّيْتُ عَلَيْكَ وَدَفَنْتُكَ؟»وليس فيه التصريح بلفظ موضع الشاهد.
وأصل الحديث رواه البخاري (5666) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أنها قَالَتْ للنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَارَأْسَاهْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ذَاكِ لَوْ كَانَ وَأَنَا حَيٌّ فَأَسْتَغْفِرَ لَكِ وَأَدْعُوَ لَكِ» فَقَالَتْ عَائِشَةُ: وَا ثُكْلِيَاهْ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَظُنُّكَ تُحِبُّ مَوْتِي، وَلَوْ كَانَ ذَاكَ، لَظَلِلْتَ آخِرَ يَوْمِكَ مُعَرِّسًا بِبَعْضِ أَزْوَاجِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَلْ أَنَا وَا رَأْسَاهْ، لَقَدْ هَمَمْتُ - أَوْ أَرَدْتُ - أَنْ أُرْسِلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَابْنِهِ وَأَعْهَدَ: أَنْ يَقُولَ القَائِلُونَ - أَوْ يَتَمَنَّى المُتَمَنُّونَ - ثُمَّ قُلْتُ: يَأْبَى اللَّهُ وَيَدْفَعُ المُؤْمِنُونَ، أَوْ يَدْفَعُ اللَّهُ وَيَأْبَى المُؤْمِنُونَ».
أما ما جاء أن فاطمة غسلها علي وأسماء بنت عميس فهذا أخرجه عبدالرزاق في«المصنف»(3/409) عن عُمَارَةَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ أُمِّ جَعْفَرِ بِنْتِ مُحَمَّدٍ، عَنْ جَدَّتِهَا أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ  قَالَتْ: أَوْصَتْ فَاطِمَةُ إِذَا مَاتَتْ أَنْ لَا يُغَسِّلَهَا إِلَّا أَنَا وَعَلِيٌّ قَالَتْ: «فغَسَّلْتُهَا أَنَا وَعَلِيٌّ».
وإسناده ضعيف .فيه مجهولا حال .
عمارة بن مهاجر ذكره ابن حبان في«الثقات»(7/261) ،وقال:عمَارَة بْن مهَاجر يروي عَن أبي بكر بن مُحَمَّد بْن عَمْرو بْن حزم، روى عَنْهُ الدَّرَاورْدِي.اهـ
قلت:هو مجهول حال .
وأُمُّ جَعْفَرِ بِنْتُ مُحَمَّدٍ  .ترجم لها المزي في«تهذيب الكمال»،وقال:أم عون بنت محمد بن جعفر بن أَبي طالب القرشية الهاشمية، ويُقال: أم جعفر وهي زوجة محمد بن الحنفية، ووالدة عون بن محمد بن الحنفية.
روت عَن: جدتها أسماء بن عميس.
روى عنها: ابنها عون بن محمد بن الحنفية، وأم عيسى الجزار ويُقال: أم عيسى الخزاعية.اهـ
و تابع عمارةَ عَوْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ .أخرجه الحاكم في«المستدرك»(3/179)من طريق مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى، عَنْ عَوْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، وَعُمَارَةَ بْنِ الْمُهَاجِرِ، عَنْ أُمِّ جَعْفَرٍ، زَوْجَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَتْ: حَدَّثَتْنِي أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ قَالَتْ: «غَسَّلْتُ أَنَا وَعَلِيٌّ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».
ولكن مداره في هاتين الطريقين على أُمِّ جَعْفَرٍ، زَوْجَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وهي مجهولة حال.
وقال الذهبي رحمه الله في«تنقيح التحقيق»(تحت مسألة 260 )عن هذا الأثر: هَذَا مُنكر .
وهذا الأثر مع ضعْفِ إسناده قد استُدِلَّ به  على جواز تغسيل الرجل امرأته المُتَوَفَاة .

قال النووي في«المجموع»(5/149): وَأَمَّا غُسْلُهُ زَوْجَتَهُ فَجَائِزٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ مالك والأوزاعي وأحمد وإسحاق ،وَهُوَ مَذْهَبُ عَطَاءٍ وَدَاوُد وَابْنِ الْمُنْذِرِ.اهـ.

وقال بعضهم :لا يُغسِّل الرجلُ امرأته إذا ماتت .قال ابن المنذر في«الأوسط»(5/335): وَكَرِهَ ذَلِكَ الشَّعْبِيُّ، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا يَغْسِلْهَا .واختار ابن المنذر القول بالجواز ، لأنه لَا فَرْقَ بَيْنَ غَسْلِ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ، وَبَيْنَ غَسْلِهَا إِيَّاهُ، وَلَيْسَ فِيمَا يَحِلُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ بَيْنَهُمَا وَيَحْرُمُ مِنْ صَاحِبِهِ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ فَرْقٌ .اهـ

وَحجة المانعين بِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ زَالَتْ فَأَشْبَهَ الْمُطَلَّقَةَ الْبَائِنَ .«المجموع»(5/150)للنووي.والله  أعلم .