جديد المدونة

جديد الرسائل

الأحد، 12 مارس 2017

(24) (التَّذْكِيْرُ بِسِيْرَةِ سَيِّدِ البَشَرِ)



اختصارُ درسِ (الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم/32)
                                    
*أعلام النبوة: دلائل النبوة والمعجزات شيءٌ واحد، وبعضهم قيَّد المعجزة بما كان عن تحدِّي، وبما يعجز عنه البشر عادةً في الغالب، وشرطُ التحدي في المعجزة أنكره شيخ الإسلام وقبله ابن حزم في «الفِصَل».
*دلائل النبوة داخلة في كرامات الأنبياء، والكرامة تقع للنبي ولغير النبي من المستقيمين، ولا يُجريها الله على يد فاسق. إذا جاء خارقُ عادة على يد فاسق فهذه شعوذة وليست بكرامة.
* المعجزات لها تأثيرٌ كبيرٌ في النفوس التي فُطِرَت على قبول الحق،وكم يُسلم من أُناسٍ بسبب معجزات النبوَّة إلا من أعمى اللهُ بصيرتَه فلا يهتدِي بها.
*أقسام الناسُ في المعجزات: منهم من أنكرها كالملاحدة ومن تَأثَّر بهم. ومنهم من توسع فتفلْسَف، ولم يتحرَّ فاستدل بالأحاديث الضعيفة والموضوعة كغُلاة الصوفية. والقسم الثالث وسط وهم أهل السنة والجماعة آمنوا بكل ما جاء من المعجزات في الأدلة الثابتة من غير تكلُّفٍ، والله أعلم.
*معجزات النبوة نوعان: معنوية، وحسيَّة.
من المعجزات المعنوية: القرآن العظيم وهذا أعظم معجزة. ومنها:سيرته صلى الله عليه وسلم، وأخلاقُه، وأوصافه الكريمة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رَحِمَهُ اللَّهُ في «الجواب الصحيح»: وَسِيرَةُ الرَّسُولِ وَأَخْلَاقُهُ وَأَقْوَالُهُ وَأَفْعَالُهُ وَشَرِيعَتُهُ مِنْ آيَاتِهِ، وَأُمَّتُهُ مِنْ آيَاتِهِ، وَعِلْمُ أُمَّتِهِ وَدِينُهُمْ مِنْ آيَاتِهِ، وَكَرَامَاتُ صَالِحِ أُمَّتِهِ مِنْ آيَاتِهِ.اهـ

*القرآن  معجزاتُه نوعان لفظيَّة ومعنوية .
 

من معجزات القرآن اللفظية: أنه في أعلى الفصاحة والبلاغة، ولهذا تحدَّى الله عز وجل كفارَ قريش وهم فُصحاءُ العرب وبُلَغاؤهم أن يأتوا بقرآنٍ مثله أو ببعضه فلم يستطيعوا. وتحدَّى الإنس والجن كافَّةً، ثم نفى عنهم الاستطاعة فقال:﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾  [الإسراء:88].
*من معجزات القرآن المعنوية: أنه متفِقٌ وليس فيه اختلاف ولا تعارض، قال الله: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾  [النساء:82].
ومن البراهين على إعجاز القرآن: الإخبار فيه بأشياء غيبية ماضية كقصص قوم موسى  وعيسى ولم يُنكره أهلُ الكتاب المتصفون بالصدق ،بل منهم من شهد له بالصدق ،ومستقبلة: كخبر أنهم سيدخلون المسجد الحرام كما في سورة الفتح، وأنهم سيجاهدون الكفار كما في سورة المزمِّل ،وكانت كما أخبر.
*أما معجزات النبوَّة الحسيَّة فهي كثيرة جدًّا، منها: حنين الجذع. ومنها: نبع الماء من بين أصابع صلى الله عليه وسلم، وتسبيح الطعام. ومنها: انشقاق القمر ،وتكثير الطعام حدث هذا في يومِ الخندق، ويومِ تبوكٍ، ويوم أصبح عروسًا بزينبَ بنت جحش.
ومنها:ما رواه البخاري عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَا مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ، وَمَعَهُمَا مِثْلُ المِصْبَاحَيْنِ يُضِيئَانِ بَيْنَ أَيْدِيهِمَا، فَلَمَّا افْتَرَقَا صَارَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ، مِنْهُمَا وَاحِدٌ حَتَّى أَتَى أَهْلَهُ». وهذا من دلائل النبوة وكرامة عظيمة لهذَين الصحابيين ،وكرامات أمة محمد هي من كراماته صلى الله عليه وسلم لأنها ما حصلت لهم إلا ببركة اتباعهم للرسول.
*ومن ذلك استجابة الله عَزَّ وَجَلَّ لدعائه صلى الله عليه وسلم عدُّوا هذا من دلائل النبوة. ولكن استجابة الدعاء هذا لا يكفي في إثبات النبوة لأن الدعاء قد يستجاب لغير النبي.
*ومن المواضع الثابتة التي دعا فيها فاستجيب له صلى الله عليه وسلم. روى الإِمام أحمد (3598) عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ صلى الله عليه وسلم: «فَهَلْ مِنْ شَاةٍ لَمْ يَنْزُ عَلَيْهَا الْفَحْلُ؟» فَأَتَيْتُهُ بِشَاةٍ، فَمَسَحَ ضَرْعَهَا، فَنَزَلَ لَبَنٌ، فَحَلَبَهُ فِي إِنَاءٍ، فَشَرِبَ، وَسَقَى أَبَا بَكْرٍ، ثُمَّ قَالَ لِلضَّرْعِ: «اقْلِصْ» فَقَلَصَ. الحديث.
*ودعا الله على السَّبعة الذي سخروا منه وهو يصلي فقَالَ: «اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِعَمْرِو بْنِ هِشَامٍ، وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ وَعُمَارَةَ بْنِ الوَلِيدِ» كما في الصحيحين عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، فقُتِلوا ببدر جميعهم إلا عقبة بن أبي معيط فإنه قُتل صبرًا عند رجوعهم من بدر، وعمارة بن الوليد توفي في خلافة عمر.

*ودعا على ابن أبي لهب فَقَالَ: «اللَّهُمَّ سَلِّطْ عَلَيْهِ كَلْبَكَ» فَخَرَجَ –أي ابن أبي لهب- فِي قَافِلَةٍ يُرِيدُ الشَّامَ فَنَزَلَ مَنْزِلًا، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ دَعْوَةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم قَالُوا لَهُ: كَلَّا، فَحَطُّوا مَتَاعَهُمْ حَوْلَهُ وَقَعَدُوا يَحْرُسُونَهُ فَجَاءَ الْأَسَدُ فَانْتَزَعَهُ فَذَهَبَ بِهِ. هذا رواه الحاكم في «المستدرك» (3984) عَنْ أَبِي عَقْرَبٍ .
دعا على سُراقة فساختْ يدا فرسِه في الأرض .روى البخاري (3908)، ومسلم (2009) عَنِ البَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «لَمَّا أَقْبَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى المَدِينَةِ تَبِعَهُ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ، فَدَعَا عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَسَاخَتْ بِهِ فَرَسُهُ قَالَ: ادْعُ اللَّهَ لِي وَلاَ أَضُرُّكَ، فَدَعَا لَهُ..».
*ودعا الله لما قحِطوا ففي الصحيحين عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قال: فَبَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ قَامَ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: هَلَكَ المَالُ وَجَاعَ العِيَالُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا وَضَعَهَا حَتَّى ثَارَ السَّحَابُ أَمْثَالَ الجِبَالِ، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ المَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ صلى الله عليه وسلم..الحديث.
*ودعا اللَه على قريش فأصابهم من الجهْد ،والدليل عن عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: إِنَّمَا كَانَ هَذَا، لِأَنَّ قُرَيْشًا لَمَّا اسْتَعْصَوْا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم دَعَا عَلَيْهِمْ بِسِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ، فَأَصَابَهُمْ قَحْطٌ وَجَهْدٌ حَتَّى أَكَلُوا العِظَامَ ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ فَيَرَى مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ مِنَ الجَهْدِ..الحديث رواه البخاري (4821)، ومسلم (2798) .

*ومن معجزات النبوَّة أيضًا:رميُه عليه الصلاة والسلام  الكفارَ بقبضةٍ من حصباء ،وكان هذا في ثلاثة مواضع: يوم تمالأ عليه كفار قريش بمكة، ويوم بدر وهذا يحتاج إلى نظر في حالِه، ويوم حنين.

*ومن المعجزات التي وردت وأسانيدها ضعيفة: قصة أم معبد، استفدنا من والدي الشيخ مقبل الوادعي رَحِمَهُ اللَّهُ أن القصة ضعيفة لا تَثْبت ،ليس لها سند قائم.
*دعاؤه للطفيل بن عمرو، فصارت لهُ آيةٌ في طرف سوطِه نور يلمع يُرى من بُعد وهذه القصة  إسنادها معضل. وفي الإسناد أيضًا هشام بن محمد بن السائب الكلبي متروك.
*أعطى يومَ بدر لعُكَّاشة بن محصن جَذْلًا من حطب فصار في يده سيفًا، قَالَ الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (1/343 ط الرسالة): هكذا ذكره ابن إسحاق بلا سند. اهـ.  وأورد له الإمام الذهبي طريقًا أخرى رواها الواقدي، والواقدي متروك فالقصة ضعيفة .
*أخبر عمَّه العباس - وهو أسيرٌ - بما دَفن هو وأم الفضل من المال تحتَ عتبة بابهم، فأقر له بذلك العباس. القصة ضعيفة السند  شيخ ابن إسحاق  مبهم .
*أخبر عميرَ بن وهب بما جاء له من قتلِه معتذرًا بأنه جاء في فداء أسارى بدر، فاعترف له بذلك، وأسلم من وقتِه رضي الله عنه هذا جاء مرسلًا عن عروة بن الزبير.
*وردَّ يومَ أحد عينَ قتادة بن النعمان بعد أن سالت على خدِّه. وقيل: بعدما صارت في يده، فصارت أحسنَ عينيه، هذا  مرسل من مراسيل عاصم بن عمر بن قتادة .
* أطعم من نزرٍ يسيرٍ من تمر، جاءت به ابنةُ بشير.وهذا رواه ابن إسحاق ، وفيه مبهم.

والله أعلم ،ولا حول ولا قوة إلا بالله .