جديد الرسائل

الأربعاء، 11 مايو 2016

(3)دُرَرٌمِنْ نَصَائِحِ السَّلَفِ



  خوف المؤمن من الذنوب

1-روى البخاري (6308)عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه موقوفًا:«إِنَّ المُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ، وَإِنَّ الفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ فَقَالَ: بِهِ، هَكَذَا».
قال ابن بطال في «شرح صحيح البخاري» (10/81)(يؤخذ منه أنه) ينبغى لمن أراد أن يكون من جملة المؤمنين أن يخشى ذنوبه، ويعظم خوفه منها، ولا يأمن عقاب الله عليها فيستصغرها، فإن الله تعالى يعذّب على القليل وله الحجة البالغة فى ذلك.اهـ.

وَالْحِكْمَةُ فِي التَّمْثِيلِ بِالْجَبَلِ أَنَّ غَيْرَهُ مِنَ الْمُهْلِكَاتِ قَدْ يَحْصُلُ التَّسَبُّبُ إِلَى النَّجَاةِ مِنْهُ بِخِلَافِ الْجَبَلِ إِذَا سَقَطَ عَلَى الشَّخْصِ لَا يَنْجُو مِنْهُ عَادَةً .
وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَغْلِبُ عَلَيْهِ الْخَوْفُ لِقُوَّةِ مَا عِنْدَهُ مِنَ الْإِيمَانِ فَلَا يَأْمَنُ الْعُقُوبَةَ بِسَبَبِهَا. وَهَذَا شَأْنُ الْمُسْلِمِ أَنَّهُ دَائِمُ الْخَوْفِ وَالْمُرَاقَبَةِ يَسْتَصْغِرُ عَمَلَهُ الصَّالح ويخشى من صَغِير عمله السيء. يراجع: «فتح الباري» (11/105).
قَوْلُهُ (فَقَالَ بِهِ هَكَذَا)قال الحافظ: أَيْ نَحَّاهُ بِيَدِهِ أَوْ دَفَعَهُ هُوَ مِنْ إِطْلَاقِ الْقَوْلِ عَلَى الْفِعْلِ.اهـ.
استفدنا من نصيحة ابن مسعود رضي الله عنه مراقبة الله والخوف من المعاصي حتى إنه يرى المؤمن إذا ارتكب شيئا منها كأنه تحت جبل يتوقع سقوطه عليه .
بخلاف الفاجر فإنه يستهين بذنوبه ولا يبالي بها ولوكانت من أعظم الذنوب.

حث الحسن البصري على تبليغ العلم

2-أخرج عبدالله بن أحمد في «زوائد الزهد» (1520) من طريق شَيْبَانَ، أَنَّهُ سَمِعَ الْحَسَنَ، يَقُولُ لِأَحَدِ بَنِي الشِّخِّيرِ: حَدِّثْنَا يَا غُلَامُ، فَقَالَ: إِنَّا لَمْ نَبْلُغْ هَذَا يَا أَبَا سَعِيدٍ فَقَالَ الْحَسَنُ رَحِمَهُ اللَّهُ: «وَأَيُّنَا بَلَغَ هَذَا، وَدَّ الشَّيْطَانُ لَوْ تَمَكَّنَ مِنْ هَذِهِ وَاللَّهِ لَوْلَا مَا أَعْقَدَ اللَّهُ عَلَى الْعُلَمَاءِ لَمْ نَنْطِقْ».
وإسناده صحيح ،رجاله ثقات. وشيبان :ابن عبدالرحمن أبومعاوية النحوي .
وأخرجه الرامهرمزي في «المحدث الفاصل» وعنده (وَدَّ الشَّيْطَانُ لَوْ يُمَكِّنُونَهُ مِنْ هَذَا).
ويفيد أثر الحسن أن الشيطان من عداوته للإسلام يتمنَّى تحقق كتمان العلم وعدم تبليغه .
ولهذا فإنه يسعى بالتخذيل والصدِّعن نشر العلم إما بتسليط الأعداء ،أوالوسوسة بالسكوت خوفًا من الرياء والشهرة أو غير ذلك.
ثم ذكر الحسن  أن الله عزوجل قد ألزم العلماء بالتبليغ .قال تعالى {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187)}.
وليس معناه أن غير العلماء لا يبلِّغ العلم ،فكل من استفاد عليه أن يقوم بتبليغ ما تعلَّم وإفادة الآخرين على قدر ما عنده من العلم النافع .روى البخاري (3461)عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً.. »الحديث.
وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول : «أَلاَ لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الغَائِبَ».متفق عليه.

قال ابن القيم رحمه الله في مفتاح دار السعادة (1/73):وَمَعْلُوم أنه لَا شَيْء أحب الى رَسُول الله من إيصاله الْهدى إلى جَمِيع الأُمة فالمبلِّغ عَنهُ ساع فِي حُصُول محابِّه فَهُوَ أقْربْ النَّاس مِنْهُ وأحبهم إليه وَهُوَ نَائِبُه وخليفته فِي أمته. وَكفى بِهَذَا فضلا وشرفا للْعلم وأهله .اهـ.