جديد المدونة

جديد الرسائل

الثلاثاء، 26 أبريل 2016

الدرس الرابع والعشرون من /الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم 19من شهر رجب 1437.

بسم الله الرحمن الرحيم

************************
فصل [غزوة خيبر]
ولما رجع صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أقام بها إلى المحرم من السنة السابعة، فخرج في آخره إلى خيبر، ونُقل عن مالك بن أنس رحمه الله: أن فتحَ خيبر كان في سنة ست، والجمهور على أنها في سنة سبع، وأما ابن حزم فعنه أنها في سنة ست بلا شك، وذلك بناءً على اصطلاحه، وهو أنه يرى أن أول السنين الهجرية شهر ربيع الأول الذي قدم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مهاجراً، ولكن لم يتابع عليه، إذ الجمهور على أن أول التاريخ من محرم تلك السنة، وكان أوَّلَ من أرَّخ بذلك يعلى بن أمية باليمن، كما رواه الإمام أحمد بن حنبل عنه بإسناد صحيح إليه، وقيل: عمر بن الخطاب رضي الله عنه وذلك في سنة ست عشرة كما بسط ذلك في موضع آخر.
فسار صلى الله عليه وسلم إليها، واستخلف على المدينة نُميلة بنَ عبد الله الليثي فلما انتهى إليها حاصرها حصناً حصناً يفتحه الله عز وجل عليه ويغنمه، حتى استكملها صلى الله عليه وسلم وخمَّسَها، وقسَم نصفَها بين المسلمين، وكان جملتُهم من حضر الحديبيةَ فقط، وأرصد النصف الآخر لمصالحه ولما ينوبه من أمر المسلمين.
واستعمل اليهودَ الذين كانوا فيها بعد ما سألوا ذلك عوضاً عما كان صالحهم عليه من الجلاء على أن يعملوها ولرسول الله صلى الله عليه وسلم النصف مما يخرج منها من ثمر أو زرع، وقد اصطفى صلى الله عليه وسلم من غنائمها صفيةَ بنت حيي بن أخطب لنفسه، فأسلمت، فأعتقها، وتزوَّجها، وبنى بها في طريق المدينة بعدما حلَّت.
«وقد أهدت إليه امرأةٌ من يهود خيبر ـ وهي زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم ـ شاةً مَصْلِيَّة مسمومةً، فلما انتهشَ من ذراعها أخبره الذراع أنه مسموم، فترك الأكل، ودعا باليهودية فاستخبرها: أسممتِ هذه الشاة فقالت: نعم، فقال: ما أردتِ إلى ذلك ؟ فقالت: أردتُ إن كنتَ نبياً لم يضرَّك، وإن كنت غيرَه استرحنا منك، فعفا عنها صلى الله عليه وسلم.
وقيل: إن بشر بن البراء بن معرور كان ممن أكل منها، فمات، فقتلها به.
وقد روى ذلك أبو داود مرسلاً عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف.
وقدم على النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر بعد فراغهم من القتال جعفرُ بن أبي طالب وأصحابُه ممن بقي مهاجراً بأرض الحبشة، وصُحْبَتُهم أبو موسى الأشعري في جماعة من الأشعريين يزيدون على السبعين.
وقدم عليه أبو هريرة وآخرون رضي الله عنهم أجمعين، فأعطاهم صلى الله عليه وسلم من المغانم كما أراه الله عز وجل، وقد قال صلى الله عليه وسلم لجعفر: «لا أدري بأيهما أنا أُسر، أبفتح خيبر أم بقدوم جعفر؟» ولما قدِم عليه قام وقبَّل ما بين عينيه.
وقد استُشهد بخبير من المسلمين نحو عشرين رجُلا رضي الله عنهم جميعِهم.
************************
هذا الفصل في غزوة خيبر، قال الحافظ في «فتح الباري» (7/464) :خيبربِمُعْجَمَةٍ وَتَحْتَانِيَّةٍ وَمُوَحَّدَةٍ بِوَزْنِ جَعْفَرٍ وَهِيَ مَدِينَةٌ كَبِيرَةٌ ذَاتُ حُصُونٍ وَمَزَارِعَ عَلَى ثَمَانِيَةِ بُرُدٍ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى جِهَة الشَّام. اهـ.
وغزوة خيبر من الغزوات الكبار،وكانت في السنة السابعة كما هو قول الجمهور. فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما رجع من الحديبية أقام شهر ذي الحجة بالمدينة وفي آخر محرم خرج إلى خيبر.
وذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله هنا أن بعضهم يقول: كانت سنة ست. وهذا مبني على أن أول السنين الهجرية شهر ربيع الأول الذي قدم فيه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى المدينة،قال ابنُ كثير في «البداية» (3/252): وَجَعَلُوا أَوَّلَهَا مِنَ الْمُحَرَّمِ فِيمَا اشْتُهِرَ عَنْهُمْ وَهَذَا هُوَ قَوْلُ جمهور الأئمة.
قال: وَحَكَى السُّهَيْلِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ الْإِمَامِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: أَوَّلُ السَّنَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ رَبِيعٌ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ الشَّهْرُ الَّذِي هَاجَرَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدِ اسْتَدَلَّ السُّهَيْلِيُّ عَلَى ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ﴾ [التوبة:108]. أَيْ: مِنْ أَوَّلِ يَوْمِ حُلُولِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم الْمَدِينَةَ، وَهُوَ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنَ التَّارِيخِ كَمَا اتَّفَقَ الصَّحَابَةُ عَلَى أَوَّلِ سِنِيِّ التَّارِيخِ عَامَ الْهِجْرَةِ. وَلَا شكَّ أنَّ هَذَا الَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ مُنَاسِبٌ، وَلَكِنَّ الْعَمَلَ عَلَى خِلَافِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ أَوَّلَ شُهُورِ الْعَرَبِ الْمُحَرَّمُ فَجَعَلُوا السَّنَةَ الْأُولَى سَنَةَ الْهِجْرَةِ.
ثم بيَّن الحافظ ابنُ كثير السبب في جعل التاريخ من شهر الله المحرم، وقال: وَجَعَلُوا أَوَّلَهَا الْمُحَرَّمَ كَمَا هُوَ الْمَعْرُوفُ لِئَلَّا يَخْتَلِطَ النِّظَامُ .وَاللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ.
وقال الحافظ ابنُ حجر رحمه الله في «فتح الباري» (3934):وَإِنَّمَا أَخَّرُوهُ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ إِلَى الْمُحَرَّمِ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْعَزْمِ عَلَى الْهِجْرَةِ كَانَ فِي الْمُحَرَّمِ إِذِ الْبَيْعَةُ وَقَعَتْ فِي أَثْنَاءِ ذِي الْحِجَّةِ وَهِيَ مُقَدِّمَةُ الْهِجْرَةِ فَكَانَ أَوَّلُ هِلَالٍ اسْتَهَلَّ بَعْدَ الْبَيْعَةِ وَالْعَزْمِ عَلَى الْهِجْرَةِ هِلَالُ الْمُحَرَّمِ فَنَاسَبَ أَنْ يُجْعَلَ مُبْتَدَأً وَهَذَا أَقْوَى مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ مُنَاسَبَةِ الِابْتِدَاءِ بِالْمُحَرَّمِ . اهـ
 ثم قال ابن كثير رحمه الله(وكان أوَّلَ من أرَّخ بذلك يعلى بن أمية باليمن) أول من أرَّخ بذلك أي: بالتاريخ الهجري جاء أنه يعلى بن أمية. وقد ساق ابن كثير رحمه الله إسناده في«البداية» (3/252) وقال: وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ ثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قال: أن أول من ورخ الْكُتُبَ يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ بِالْيَمَنِ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ وَإِنَّ النَّاسَ أَرَّخُوا لِأَوَّلِ السَّنَةِ. اهـ.
وهذا إسنادٌ معلٌّ بالانقطاع.قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في «فتح الباري» (7/268): وَقِيلَ أَوَّلُ مَنْ أَرَّخَ التَّارِيخَ يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ حَيْثُ كَانَ بِالْيَمَنِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ لَكِنْ فِيهِ انْقِطَاعٌ بَيْنَ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَيَعْلَى. اهـ.
(وقيل: عمر بن الخطاب رضي الله عنه وذلك في سنة ست عشرة كما بُسط ذلك في موضع آخر).
وهذاهو المشهور أنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ،(وذلك في سنة ست عشرة) أي: كان التاريخ الهجري سنة ست عشرة، وقيل سبع عشرة، وقيل ثماني عشرة اختلفوا في هذا.
هذا وقد جعلَ الصحابة رضوان الله عليهم التاريخَ الإسلامي من هجرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم  في زمن عمر رضي الله عنه.
روى البخاري في «صحيحه» (3934) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: «مَا عَدُّوا مِنْ مَبْعَثِ النَّبِيِّ  صلى  اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ مِنْ وَفَاتِهِ، مَا عَدُّوا إِلَّا مِنْ مَقْدَمِهِ المَدِينَةَ».
وقد عاب أهلُ العلم وأنكرُوا التاريخَ بالتاريخ الميلادي - ميلاد عيسى عليه السلام زعموا - لأنه تشبه بالنصارى؛ ولأنه لا يُدْرَى بالتحديد متى كان ميلاد عيسى نبي الله.
وغزوة خيبر كان الله سبحانه وتعالى قد وعد بها قال الله عز وجل: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18) وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (19) وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (20)[الفتح].
وخرج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى خيبر ليلًا وكان عامرٌ بن الأكوع بطلًا شاعرًا فكان يحدو بهم في أثناء الطريق كما في «الصحيحين» البخاري (6148) ومسلم (1802) عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خَيْبَرَ، فَسِرْنَا لَيْلًا، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ لِعَامِرِ بْنِ الأَكْوَعِ: أَلاَ تُسْمِعُنَا مِنْ هُنَيْهَاتِكَ؟ قَالَ: وَكَانَ عَامِرٌ رَجُلًا شَاعِرًا، فَنَزَلَ يَحْدُو بِالقَوْمِ يَقُولُ:
اللَّهُمَّ لَوْلاَ أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا  ***  وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا
فَاغْفِرْ فِدَاءٌ لَكَ مَا اقْتَفَيْنـَا  ***  وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاَقَيْنَا
وَأَلْقِيَنْ سَكِينَــــةً عَلَيْنَــــا  ***  إِنَّا إِذَا صِيحَ بِنَـــا أَتَيْنَا
وَبِالصِّيَاحِ عَوَّلُوا عَلَيْنَا
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ هَذَا السَّائِقُ» قَالُوا: عَامِرُ بْنُ الأَكْوَعِ، فَقَالَ: «يَرْحَمُهُ اللَّهُ» فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: وَجَبَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، لَوْلاَ أَمْتَعْتَنَا بِهِ، قَالَ: فَأَتَيْنَا خَيْبَرَ فَحَاصَرْنَاهُمْ، حَتَّى أَصَابَتْنَا مَخْمَصَةٌ شَدِيدَةٌ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ فَتَحَهَا عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا أَمْسَى النَّاسُ اليَوْمَ الَّذِي فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ، أَوْقَدُوا نِيرَانًا كَثِيرَةً، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا هَذِهِ النِّيرَانُ، عَلَى أَيِّ شَيْءٍ تُوقِدُونَ» قَالُوا: عَلَى لَحْمٍ، قَالَ: «عَلَى أَيِّ لَحْمٍ؟» قَالُوا: عَلَى لَحْمِ حُمُرٍ إِنْسِيَّةٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَهْرِقُوهَا وَاكْسِرُوهَا» فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْ نُهَرِيقُهَا وَنَغْسِلُهَا؟ قَالَ: «أَوْ ذَاكَ» فَلَمَّا تَصَافَّ القَوْمُ، كَانَ سَيْفُ عَامِرٍ فِيهِ قِصَرٌ، فَتَنَاوَلَ بِهِ يَهُودِيًّا لِيَضْرِبَهُ، وَيَرْجِعُ ذُبَابُ سَيْفِهِ، فَأَصَابَ رُكْبَةَ عَامِرٍ فَمَاتَ مِنْهُ، فَلَمَّا قَفَلُوا قَالَ سَلَمَةُ: رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاحِبًا، فَقَالَ لِي: «مَا لَكَ» فَقُلْتُ: فِدًى لَكَ أَبِي وَأُمِّي، زَعَمُوا أَنَّ عَامِرًا حَبِطَ عَمَلُهُ، قَالَ: «مَنْ قَالَهُ؟» قُلْتُ: قَالَهُ فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ وَفُلاَنٌ وَأُسَيْدُ بْنُ الحُضَيْرِ الأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَذَبَ مَنْ قَالَهُ، إِنَّ لَهُ لَأَجْرَيْنِ - وَجَمَعَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ - إِنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ، قَلَّ عَرَبِيٌّ نَشَأَ بِهَا مِثْلَهُ».
وفيه من الفوائد :جوازالسفر ليلًا عند الأمن .
(فَنَزَلَ يَحْدُو بِالقَوْمِ) الحُدَاء: الرَّجَز نوع من الشعر. قال الخليل بن أحمد في كتاب «العين» (3/279): حدو: حَدا يحدو حَدْوا، وأعرَفُه حُداءً- ممدود- إذا رَجَز الحادي خلف الإبل، وحَدَا يَحْدُو حَدْواً، إذا َتِبع شيئاً. اهـ.
 (إِنَّا إِذَا صِيحَ بِنَا أَتَيْنَا) وفي رواية في «صحيح البخاري» (4196) (إِنَّا إِذَا صِيحَ بِنَا أَبَيْنَا) قال الحافظ في «فتح الباري» (7/466): ( إِنَّا إِذَا صِيحَ بِنَا أَتَيْنَا) بِمُثَنَّاةٍ أَيْ جِئْنَا إِذَا دُعِينَا إِلَى الْقِتَالِ أَوْ إِلَى الْحَقِّ .وَرُوِيَ بِالْمُوَحَّدَةِ كَذَا رَأَيْتُ فِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ فَإِنْ كَانَتْ ثَابِتَةً فَالْمَعْنَى إِذَا دُعِينَا إِلَى غَيْرِ الْحَقِّ امْتَنَعْنَا. اهـ.
والرجز ينشط الإبل في السير وينشط السامعين ويرفع معنوياتهم.
قال الحافظ في «فتح الباري» (7/466): وَهَذِهِ كَانَتْ عَادَتَهُمْ إِذَا أَرَادُوا تَنْشِيطَ الْإِبِلِ فِي السَّيْرِ يَنْزِلُ بَعْضُهُمْ فَيَسُوقُهَا وَيَحْدُو فِي تِلْكَ الْحَالِ.
 (لَوْلاَ أَمْتَعْتَنَا بِهِ) قال الحافظ في «فتح الباري» (7/466): وَمَعْنَى قَوْلِهِ (لَوْلَا) أَيْ: هَلَّا وَ(أَمْتَعْتَنَا) أَيْ: مَتَّعْتَنَا أَيْ أَبْقَيْتَهُ لَنَا لِنَتَمَتَّعَ بِهِ أَيْ بِشَجَاعَتِهِ وَالتَّمَتُّعُ التَّرَفُّهُ إِلَى مُدَّةٍ وَمِنْهُ أَمْتَعَنِي الله ببقائك. اهـ.
وفي«صحيح مسلم» (1807) عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ في سياق غزوة ذي قرد «..قَالَ: فَوَاللهِ، مَا لَبِثْنَا إِلَّا ثَلَاثَ لَيَالٍ حَتَّى خَرَجْنَا إِلَى خَيْبَرَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَجَعَلَ عَمِّي عَامِرٌ يَرْتَجِزُ بِالْقَوْمِ
تَاللهِ لَوْلَا اللهُ مَا اهْتَدَيْنَا          وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا
وَنَحْنُ عَنْ فَضْلِكَ مَا اسْتَغْنَيْنَا   فَثَبِّتِ الْأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا
                  وَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا .
 فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ هَذَا؟» قَالَ: أَنَا عَامِرٌ، قَالَ: «غَفَرَ لَكَ رَبُّكَ»،قَالَ: وَمَا اسْتَغْفَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِنْسَانٍ يَخُصُّهُ إِلَّا اسْتُشْهِدَ،قَالَ: فَنَادَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَهُوَ عَلَى جَمَلٍ لَهُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، لَوْلَا مَا مَتَّعْتَنَا بِعَامِرٍ، قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا خَيْبَرَ، قَالَ: خَرَجَ مَلِكُهُمْ مَرْحَبٌ يَخْطِرُ بِسَيْفِهِ، وَيَقُولُ:
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ              شَاكِي السِّلَاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ
                     إِذَا الْحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ.
 قَالَ: وَبَرَزَ لَهُ عَمِّي عَامِرٌ، فَقَالَ:
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي عَامِرُ            شَاكِي السِّلَاحِ بَطَلٌ مُغَامِرُ
 قَالَ: فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ، فَوَقَعَ سَيْفُ مَرْحَبٍ فِي تُرْسِ عَامِرٍ، وَذَهَبَ عَامِرٌ يَسْفُلُ لَهُ، فَرَجَعَ سَيْفُهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَقَطَعَ أَكْحَلَهُ، فَكَانَتْ فِيهَا نَفْسُهُ، قَالَ سَلَمَةُ: فَخَرَجْتُ، فَإِذَا نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُونَ: بَطَلَ عَمَلُ عَامِرٍ، قَتَلَ نَفْسَهُ،قَالَ: فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَبْكِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، بَطَلَ عَمَلُ عَامِرٍ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَالَ ذَلِكَ؟» قَالَ: قُلْتُ: نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِكَ، قَالَ: «كَذَبَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ، بَلْ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ»، ثُمَّ أَرْسَلَنِي إِلَى عَلِيٍّ وَهُوَ أَرْمَدُ، فَقَالَ: «لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ» - أَوْ «يُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ» -، قَالَ: فَأَتَيْتُ عَلِيًّا، فَجِئْتُ بِهِ أَقُودُهُ وَهُوَ أَرْمَدُ، حَتَّى أَتَيْتُ بِهِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَسَقَ فِي عَيْنَيْهِ فَبَرَأَ وَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ، وَخَرَجَ مَرْحَبٌ، فَقَالَ:
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ *** شَاكِي السِّلَاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ
إِذَا الْحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ،
فَقَالَ عَلِيٌّ:
أَنَا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّي حَيْدَرَهْ *** كَلَيْثِ غَابَاتٍ كَرِيهِ الْمَنْظَرَهْ
أُوفِيهِمُ بِالصَّاعِ كَيْلَ السَّنْدَرَهْ
قَالَ: فَضَرَبَ رَأْسَ مَرْحَبٍ فَقَتَلَهُ، ثُمَّ كَانَ الْفَتْحُ عَلَى يَدَيْهِ .

ولم يقاتلهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى أصبح .
أخرج البخاري (610) ومسلم (1365) واللفظ للبخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا غَزَا بِنَا قَوْمًا، لَمْ يَكُنْ يَغْزُو بِنَا حَتَّى يُصْبِحَ وَيَنْظُرَ، فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا كَفَّ عَنْهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا أَغَارَ عَلَيْهِمْ، قَالَ: فَخَرَجْنَا إِلَى خَيْبَرَ، فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِمْ لَيْلًا، فَلَمَّا أَصْبَحَ وَلَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا رَكِبَ، وَرَكِبْتُ خَلْفَ أَبِي طَلْحَةَ، وَإِنَّ قَدَمِي لَتَمَسُّ قَدَمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَخَرَجُوا إِلَيْنَا بِمَكَاتِلِهِمْ وَمَسَاحِيهِمْ، فَلَمَّا رَأَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالُوا: مُحَمَّدٌ وَاللَّهِ، مُحَمَّدٌ وَالخَمِيسُ، قَالَ: فَلَمَّا رَآهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ ﴿فَسَاءَ صَبَاحُ المُنْذَرِينَ [الصافات: 177]».
وهذا يفيد الإغارة على العدو في البكور لما في ذلك من البركة .وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم اللهم بارك لأمتي في بكورها.ويستفاد منه أن من بلغته الدعوة لا يلزم دعوته قبل القتال.أما ما أخرجه البخاري(2942)ومسلم(2406) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: يَوْمَ خَيْبَرَ: «لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلًا يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ» ، فَقَامُوا يَرْجُونَ لِذَلِكَ أَيُّهُمْ يُعْطَى، فَغَدَوْا وَكُلُّهُمْ يَرْجُو أَنْ يُعْطَى، فَقَالَ: «أَيْنَ عَلِيٌّ؟» ، فَقِيلَ: يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ، فَأَمَرَ، فَدُعِيَ لَهُ، فَبَصَقَ فِي عَيْنَيْهِ، فَبَرَأَ مَكَانَهُ حَتَّى كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِهِ شَيْءٌ، فَقَالَ: نُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا؟ فَقَالَ: «عَلَى رِسْلِكَ، حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ، فَوَاللَّهِ لَأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ».فهذا ظاهره أنهم دُعُوا قبل القتال وقد أجاب عن ذلك الحافظ في «فتح الباري»(7/596) وقال : اسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ ادْعُهُمْ أَنَّ الدَّعْوَةَ شَرْطٌ فِي جَوَازِ الْقِتَالِ، وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ مَشْهُورٌ فَقِيلَ يُشْتَرَطُ مُطْلَقًا وَهُوَ عَنْ مَالِكٍ سَوَاءٌ مَنْ بَلَغَتْهُمُ الدَّعْوَةُ أَوْ لَمْ تَبْلُغْهُمْ قَالَ إِلَّا أَنْ يُعْجِلُوا الْمُسْلِمِينَ وَقِيلَ لَا مُطْلَقًا، وَعَنِ الشَّافِعِيِّ مِثْلُهُ وَعَنْهُ لَا يُقَاتَلُ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ حَتَّى يَدْعُوَهُمْ، وَأَمَّا مَنْ بَلَغَتْهُ فَتَجُوزُ الْإِغَارَةُ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ دُعَاءٍ وَهُوَ مُقْتَضَى الْأَحَادِيثِ وَيُحْمَلُ مَا فِي حَدِيثِ سَهْلٍ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ بِدَلِيلِ أَنَّ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَغَارَ عَلَى أَهْلِ خَيْبَرَ لَمَّا لَمْ يَسْمَعِ النِّدَاءَ، وَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ مَا طَرَقَهُمْ ،وَكَانَتْ قِصَّةُ عَلِيٍّ بَعْدَ ذَلِكَ ،وَعَنِ الْحَنَفِيَّةِ تَجُوزُ الْإِغَارَةُ عَلَيْهِمْ مُطْلَقًا وَتُسْتَحَبُّ الدَّعْوَةُ.اهـ.
وقوله (فَخَرَجُوا إِلَيْنَا بِمَكَاتِلِهِمْ وَمَسَاحِيهِمْ)كانوا قد خرجوا للعمل في مزارعهم بفؤوسهم ومكاتلهم ولم يشعروا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جاء لقتالهم فلما رأوه (قَالُوا: مُحَمَّدٌ وَاللَّهِ، مُحَمَّدٌ وَالخَمِيسُ).
(الخَمِيسُ) الجيش. قال ابن الأثير رحمه الله  في «النهاية» (2/79):
الْخَمِيسُ الْجَيْشُ، سُمّي بِهِ لِأَنَّهُ مَقْسوم بخَمْسة أَقْسَامٍ: المُقَدّمة، والسَّاقة، والميْمنَة، والمَيْسرة، والقَلْب. وَقِيلَ لأنَّه تُخَمَّسُ فِيهِ الْغَنَائِمُ. ومحمَّد خبرُ مُبْتَدأ مَحْذُوفٍ، أَيْ هَذَا مُحَمَّدٌ.اهـ.
ثم هربوا إلى حصونهم، فكبَّرالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ ﴿فَسَاءَ صَبَاحُ المُنْذَرِينَ [الصافات:177]» وهذا فيه التكبيرعند رؤيةالعدو. ويفيد التفاؤل، تفاءلَ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بانهزام اليهود لما رأى الفؤوس بأيديهم والمكاتل .والتفاؤل محمود شرعًا.
قال السهيلي في«الروض الأنف» (6/550): فِيهِ إبَاحَةُ التّفَاؤُلِ .وَذَلِكَ أَنّهُ رَأَى الْمَسَاحِيّ وَالْمَكَاتِلَ وَهِيَ مِنْ آلَةِ الْهَدْمِ وَالْحَفْرِ مَعَ أَنّ لَفْظَ الْمِسْحَاةِ مِنْ سَحَوْت الأرض إذ قَشّرْتهَا، فَدَلّ ذَلِكَ عَلَى خَرَابِ الْبَلْدَةِ الّتِي أَشْرَفَ عَلَيْهَا .اهـ.

وقد أقام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم محاصرًا لهم مدة حتى أصابهم  جهد عظيم قال سلمة بن الأكوع(فَأَتَيْنَا خَيْبَرَ فَحَاصَرْنَاهُمْ، حَتَّى أَصَابَتْنَا مَخْمَصَةٌ شَدِيدَةٌ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ فَتَحَهَا عَلَيْهِمْ).أخرجه البخاري ومسلم . وقد تقدم بتمامه في أول الشرح.قال الحافظ في«فتح الباري»(7/586): وهذا دالٌ على طول مدة الحصار إذ لو وقع الفتح من يومهم لم يقع لهم ذلك .اهـ.أي لم يقع لهم مخمصة شديدة.
ثم قال ابن كثير رحمه الله: (وكان جملتهم مَن حضر الحديبية فقط، وأرصد النصف الآخر لمصالحه ولما ينوبه من أمر المسلمين).
الذين شهدوا غزوة خيبر هم الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الحديبية، ألف وأربعمائة على المشهور دون غيرهم، قال تعالى: ﴿سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا [الفتح:15]. ﴿كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ هذا حكمُ الله أنه لا يحضر غزوة خيبر إلا من شهد الحديبية.
وقد كان علي ابن أبي طالب تخلف عن خيبر لأنه كان أرمد ثم لحقهم وكان الفتح على يديه رضي الله عنه .أخرج البخاري(4209)ومسلم  (2407)عَنْ سَلَمَةَ بن الأكوع رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، تَخَلَّفَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَيْبَرَ، وَكَانَ رَمِدًا، فَقَالَ: أَنَا أَتَخَلَّفُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَحِقَ بِهِ، فَلَمَّا بِتْنَا اللَّيْلَةَ الَّتِي فُتِحَتْ قَالَ: «لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا أَوْ لَيَأْخُذَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلٌ يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، يُفْتَحُ عَلَيْهِ» فَنَحْنُ نَرْجُوهَا، فَقِيلَ: هَذَا عَلِيٌّ فَأَعْطَاهُ، فَفُتِحَ عَلَيْهِ.
«وقد أهدت إليه امرأة من يهود خيبر ـ وهي زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم ـ شاة مصلية مسمومة)
(مصلية) أي: مشوية. قال الحافظ في «فتح الباري»(9/ 550): مَصْلِيَّةٌ أَيْ مَشْوِيَّةٌ وَالصِّلَاءُ بِالْكَسْرِ وَالْمَدِّ الشَّيُّ. اهـ.
وهل أكل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الشاة؟.أخرج البخاري(4428) معلقًا عنعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: «يَا عَائِشَةُ مَا أَزَالُ أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ الَّذِي أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ، فَهَذَا أَوَانُ وَجَدْتُ انْقِطَاعَ أَبْهَرِي مِنْ ذَلِكَ السُّمِّ».وقد وَصَلَهُ الْبَزَّارُ وَالْحَاكِمُ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ  كما في «فتح الباري»(8/164).قال ابن القيم رحمه الله في «زادالمعاد»(3/298):وَقَدِ اخْتُلِفَ: هَلْ أَكَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا أَوْ لَمْ يَأْكُلْ؟ وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ أَكَلَ مِنْهَا وَبَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ ثَلَاثَ سِنِينَ حَتَّى قَالَ فِي وَجَعِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ:«مَا زِلْتُ أَجِدُ مِنَ الْأُكْلَةِ الَّتِي أَكَلْتُ مِنَ الشَّاةِ يَوْمَ خَيْبَرَ، فَهَذَا أَوَانُ انْقِطَاعِ الْأَبْهَرِ مِنِّي» .اهـ.
وقوله(انْقِطَاعِ الْأَبْهَرِ مِنِّي) قال ابن الأثير في«النهاية»(1/18): عِرْقٌ فِي الظَّهْرِ، وَهُمَا أَبْهَرَان. وَقِيلَ هُمَا الْأَكْحَلَانِ اللَّذَانِ فِي الذِّرَاعَيْنِ. وَقِيلَ هُوَ عرقُ مُسْتَبْطِنُ الْقَلْبَ فَإِذَا انْقَطَعَ لَمْ تَبْقَ مَعَهُ حَيَاةٌ. وَقِيلَ الأَبْهَر عِرْقٌ مَنْشَؤُهُ مِنَ الرَّأْسِ وَيَمْتَدُّ إِلَى الْقَدَمِ، وَلَهُ شرايينُ تَتَّصِلُ بِأَكْثَرِ الْأَطْرَافِ وَالْبَدَنِ .اهـ.
وظاهر حديث أنس بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عند البخاري(2617)ومسلم (2190) ،أَنَّ يَهُودِيَّةً أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ، فَأَكَلَ مِنْهَا، فَجِيءَ بِهَا فَقِيلَ: أَلاَ نَقْتُلُهَا، قَالَ: «لاَ» ، فَمَا زِلْتُ أَعْرِفُهَا فِي لَهَوَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .ظاهره أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يقتل المرأة التي سمَّت له .
(واستعمل اليهود الذين كانوا فيها بعد ما سألوا ذلك عوضاً عما كان صالحهم عليه من الجلاء على أن يعملوها ولرسول الله صلى الله عليه وسلم النصف مما يخرج منها من ثمر أو زرع، وقد اصطفى صلى الله عليه وسلم من غنائمها صفية بنت حيي بن أخطب لنفسه، فأسلمت، فأعتقها، وتزوجها، وبنى بها في طريق المدينة بعدما حلت.)
يذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله أنهم بعد ما هُزموا كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد حكم عليهم بالجلاء، أي: بالخروج من خيبر. ثم سأله اليهود أن يعاملهم عليها بشطر ما يخرج منها وهذا في «الصحيحين» البخاري (2329) مسلم (1551) عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «عَامَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ». ويستفاد منه جواز المخابرة وهو أن يعمل في أرض لمالكها على أنه يكون للعامل النصف أو الثلث أو ما يكون عليه التراضي سواء الربع أو الثلث أو النصف .أما ما جاء من النهي عن كراء الأرض في «صحيح مسلم» (1536) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ، وَعَنْ بَيْعِهَا السِّنِينَ، وَعَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَطِيبَ». فهذا إذا حدَّد البقعة، وقال مثلًا: هذه الأرض ازرعها, والذي يكون في هذا المكان لك والباقي لي. يعين له القطعة التي له هذا منهي عنه. قال ابن القيم في تهذيب السنن :وهذا قول فُقَهَاء الْحَدِيث, كَالْإِمَامِ أَحْمَد, وَالْبُخَارِيّ, وَإِسْحَاق, وَاللَّيْث بْن سَعْد, وَابْن خُزَيْمَةَ, وَابْن الْمُنْذِر, وَأَبِي دَاوُدَ ..
المخابرة على قسمين: جائزة ومنهي عنها، على التفصيل المتقدم. والمنهي عنه فيه غرر. وقد أخرج مسلم (1513)عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ، وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ». وفي «صحيح مسلم» (1547) عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، فَقَالَ: «لَا بَأْسَ بِهِ، إِنَّمَا كَانَ النَّاسُ يُؤَاجِرُونَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمَاذِيَانَاتِ، وَأَقْبَالِ الْجَدَاوِلِ، وَأَشْيَاءَ مِنَ الزَّرْعِ، فَيَهْلِكُ هَذَا، وَيَسْلَمُ هَذَا، وَيَسْلَمُ هَذَا، وَيَهْلِكُ هَذَا، فَلَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ كِرَاءٌ إِلَّا هَذَا، فَلِذَلِكَ زُجِرَ عَنْهُ، فَأَمَّا شَيْءٌ مَعْلُومٌ مَضْمُونٌ، فَلَا بَأْسَ بِهِ».
فالمخابرة التي تكون الربح والخسارة بينهما جميعًا هذا العمل جائز. وأما المنهي عنه فيكون عقد عمل على شيء فيه جهالة قد يهلك هذا ويسلم هذا.
ويستفاد من معاملة اليهود بخيبر على الأرض أن البذر والسقاية والعناية تكون على العامل وليس على صاحب الأرض ولم يُنقل أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يرسل بالبذر إلى المدينة إليهم وقد ذكر هذا المعنى ابن القيم في «زاد المعاد» (3/306):وهذا نصه قال:وَمِنْهَا أَنَّهُ دَفَعَ إِلَيْهِمُ الْأَرْضَ عَلَى أَنْ يَعْمَلُوهَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَلَمْ يَدْفَعْ إِلَيْهِمُ الْبِذْرَ، وَلَا كَانَ يَحْمِلُ إِلَيْهِمُ الْبَذْرَ مِنَ الْمَدِينَةِ قَطْعًا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ هَدْيَهُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْبَذْرِ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْعَامِلِ، وَهَذَا كَانَ هَدْيَ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِهِ .وَاللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ.
فلا يلزم أن يكون من صاحب الأرض، العامل هو الذي يعمل يسقي الماء وهو الذي يعتني بالأرض ويأتي بالبذر ما يلزم صاحب الأرض أن يأتي بشيء.
وبقي يهود خيبر على ذلك إلى مدة خلافة عمر ثم أجلاهم منها .أخرج البخاري (2338)ومسلم (1551)عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَجْلَى اليَهُودَ، وَالنَّصَارَى مِنْ أَرْضِ الحِجَازِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا ظَهَرَ عَلَى خَيْبَرَ أَرَادَ إِخْرَاجَ اليَهُودِ مِنْهَا، وَكَانَتِ الأَرْضُ حِينَ ظَهَرَ عَلَيْهَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِلْمُسْلِمِينَ، وَأَرَادَ إِخْرَاجَ اليَهُودِ مِنْهَا، فَسَأَلَتِ اليَهُودُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُقِرَّهُمْ بِهَا، أَنْ يَكْفُوا عَمَلَهَا، وَلَهُمْ نِصْفُ الثَّمَرِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نُقِرُّكُمْ بِهَا عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا» ، فَقَرُّوا بِهَا حَتَّى أَجْلاَهُمْ عُمَرُ إِلَى تَيْمَاءَ وَأَرِيحَاءَ.
وأخرج البخاري(2730)عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: لَمَّا فَدَعَ أَهْلُ خَيْبَرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، قَامَ عُمَرُ خَطِيبًا، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَامَلَ يَهُودَ خَيْبَرَ عَلَى أَمْوَالِهِمْ، وَقَالَ: «نُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمُ اللَّهُ» وَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ خَرَجَ إِلَى مَالِهِ هُنَاكَ، فَعُدِيَ عَلَيْهِ مِنَ اللَّيْلِ، فَفُدِعَتْ يَدَاهُ وَرِجْلاَهُ، وَلَيْسَ لَنَا هُنَاكَ عَدُوٌّ غَيْرَهُمْ، هُمْ عَدُوُّنَا وَتُهْمَتُنَا وَقَدْ رَأَيْتُ إِجْلاَءَهُمْ، فَلَمَّا أَجْمَعَ عُمَرُ عَلَى ذَلِكَ أَتَاهُ أَحَدُ بَنِي أَبِي الحُقَيْقِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، أَتُخْرِجُنَا وَقَدْ أَقَرَّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَامَلَنَا عَلَى الأَمْوَالِ وَشَرَطَ ذَلِكَ لَنَا، فَقَالَ عُمَرُ: أَظَنَنْتَ أَنِّي نَسِيتُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَيْفَ بِكَ إِذَا أُخْرِجْتَ مِنْ خَيْبَرَ تَعْدُو بِكَ قَلُوصُكَ لَيْلَةً بَعْدَ لَيْلَةٍ» فَقَالَ: كَانَتْ هَذِهِ هُزَيْلَةً مِنْ أَبِي القَاسِمِ، قَالَ: كَذَبْتَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ، فَأَجْلاَهُمْ عُمَرُ، وَأَعْطَاهُمْ قِيمَةَ مَا كَانَ لَهُمْ مِنَ الثَّمَرِ، مَالًا وَإِبِلًا، وَعُرُوضًا مِنْ أَقْتَابٍ وَحِبَالٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
والفَدَع بِالتَّحْرِيكِ:زَيْغٌ بَيْن القَدَم وَبَيْنَ عَظْم السَاق، وَكَذَلِكَ فِي اليَدِ، وَهُوَ أَنْ تَزُول المَفاصل عَنْ أَمَاكِنِهَا. ورَجُلٌ أَفْدَع بِّين الفَدَع كما في«النهاية»(3/420).
(هَذِهِ هُزَيْلَةً)ضد الجِد .
(وقد اصطفى صلى الله عليه وسلم من غنائمها صفية بنت حيي بن أخطب لنفسه، فأسلمت، فأعتقها، وتزوجها، وبنى بها في طريق المدينة بعدما حلت.)
حلت أي: طهرت. فبعد أن خرج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من خيبر أصلحت أم سليم رضي الله عنها صفية وهيئتها، ثم أُدخِلت إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقد كانت عروسًا، كما في«صحيح البخاري» (2235) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ، فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ الحِصْنَ ذُكِرَ لَهُ جَمَالُ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ، وَقَدْ قُتِلَ زَوْجُهَا، وَكَانَتْ عَرُوسًا، فَاصْطَفَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ، فَخَرَجَ بِهَا حَتَّى بَلَغْنَا سَدَّ الرَّوْحَاءِ حَلَّتْ فَبَنَى بِهَا، ثُمَّ صَنَعَ حَيْسًا فِي نِطَعٍ صَغِيرٍ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «آذِنْ مَنْ حَوْلَكَ»، فَكَانَتْ تِلْكَ وَلِيمَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى صَفِيَّةَ، ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَى المَدِينَةِ قَالَ: فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَوِّي لَهَا وَرَاءَهُ بِعَبَاءَةٍ، ثُمَّ يَجْلِسُ عِنْدَ بَعِيرِهِ، فَيَضَعُ رُكْبَتَهُ فَتَضَعُ صَفِيَّةُ رِجْلَهَا عَلَى رُكْبَتِهِ حَتَّى تَرْكَبَ.
وقتل زوجها كنانة ابن أبي الحُقيق في وقعة خيبر، ثم أسلمت رضي الله عنها، وأعتقها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إكرامًا لها وتزوَّجها, ولما بنى بها ورجع إلى المدينة، قال الصحابة رضي الله عنهم: إن حجبها فهي من أمهات المؤمنين وإن لم يحجبها فليست من أمهات المؤمنين يعني: تكون من الإماء.
أخرج الإمام مسلم في «صحيحه» (1365) عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ أَبِي طَلْحَةَ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَقَدَمِي تَمَسُّ قَدَمَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَأَتَيْنَاهُمْ حِينَ بَزَغَتِ الشَّمْسُ وَقَدْ أَخْرَجُوا مَوَاشِيَهُمْ، وَخَرَجُوا بِفُئُوسِهِمْ، وَمَكَاتِلِهِمْ، وَمُرُورِهِمْ، فَقَالُوا: مُحَمَّدٌ، وَالْخَمِيسُ، قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ ﴿فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ [الصافات: 177]»، قَالَ: وَهَزَمَهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَوَقَعَتْ فِي سَهْمِ دِحْيَةَ جَارِيَةٌ جَمِيلَةٌ، فَاشْتَرَاهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعَةِ أَرْؤُسٍ، ثُمَّ دَفَعَهَا إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ تُصَنِّعُهَا لَهُ وَتُهَيِّئُهَا - قَالَ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ - وَتَعْتَدُّ فِي بَيْتِهَا، وَهِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ، قَالَ: وَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِيمَتَهَا التَّمْرَ وَالْأَقِطَ وَالسَّمْنَ، فُحِصَتِ الْأَرْضُ أَفَاحِيصَ، وَجِيءَ بِالْأَنْطَاعِ، فَوُضِعَتْ فِيهَا، وَجِيءَ بِالْأَقِطِ وَالسَّمْنِ فَشَبِعَ النَّاسُ، قَالَ: وَقَالَ النَّاسُ: لَا نَدْرِي أَتَزَوَّجَهَا، أَمِ اتَّخَذَهَا أُمَّ وَلَدٍ؟ قَالُوا: إِنْ حَجَبَهَا فَهِيَ امْرَأَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَحْجُبْهَا فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَبَ حَجَبَهَا، فَقَعَدَتْ عَلَى عَجُزِ الْبَعِيرِ، فَعَرَفُوا أَنَّهُ قَدْ تَزَوَّجَهَا، فَلَمَّا دَنَوْا مِنَ الْمَدِينَةِ، دَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَفَعْنَا، قَالَ: فَعَثَرَتِ النَّاقَةُ الْعَضْبَاءُ، وَنَدَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَدَرَتْ، فَقَامَ فَسَتَرَهَا، وَقَدْ أَشْرَفَتِ النِّسَاءُ، فَقُلْنَ: أَبْعَدَ اللهُ الْيَهُودِيَّةَ، قَالَ: قُلْتُ: يَا أَبَا حَمْزَةَ، أَوَقَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: إِي وَاللهِ، لَقَدْ وَقَعَ.
(وندر) أي سقط .
ثم ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله مع ما تقدم بعض الأمور التي وقعت بعد الفراغ من معركة خيبر أنه سُمَّ للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في شاةٍ وهذا في «صحيح البخاري» (5777) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ، أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاةٌ فِيهَا سَمٌّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اجْمَعُوا لِي مَنْ كَانَ هَا هُنَا مِنَ اليَهُودِ» فَجُمِعُوا لَهُ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي سَائِلُكُمْ عَنْ شَيْءٍ، فَهَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْهُ». فَقَالُوا: نَعَمْ يَا أَبَا القَاسِمِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَبُوكُمْ» قَالُوا: أَبُونَا فُلاَنٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَذَبْتُمْ، بَلْ أَبُوكُمْ فُلاَنٌ» فَقَالُوا: صَدَقْتَ وَبَرِرْتَ، فَقَالَ: «هَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْ شَيْءٍ إِنْ سَأَلْتُكُمْ عَنْهُ» فَقَالُوا: نَعَمْ يَا أَبَا القَاسِمِ، وَإِنْ كَذَبْنَاكَ عَرَفْتَ كَذِبَنَا كَمَا عَرَفْتَهُ فِي أَبِينَا، قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَهْلُ النَّارِ» فَقَالُوا: نَكُونُ فِيهَا يَسِيرًا، ثُمَّ تَخْلُفُونَنَا فِيهَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اخْسَئُوا فِيهَا، وَاللَّهِ لاَ نَخْلُفُكُمْ فِيهَا أَبَدًا». ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: «فَهَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْ شَيْءٍ إِنْ سَأَلْتُكُمْ عَنْهُ» قَالُوا: نَعَمْ، فَقَالَ: «هَلْ جَعَلْتُمْ فِي هَذِهِ الشَّاةِ سَمًّا؟» فَقَالُوا: نَعَمْ، فَقَالَ: «مَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ» فَقَالُوا: أَرَدْنَا: إِنْ كُنْتَ كَذَّابًا نَسْتَرِيحُ مِنْكَ، وَإِنْ كُنْتَ نَبِيًّا لَمْ يَضُرَّكَ .
(قَالُوا: نَكُونُ فِيهَا يَسِيرًا، ثُمَّ تَخْلُفُونَا) إشارة إلى قوله عز وجل: ﴿وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [البقرة:80].
(وقدم على النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر بعد فراغهم من القتال جعفر بن أبي طالب وأصحابه ممن بقي مهاجراً بأرض الحبشة، وصحبتهم أبو موسى الأشعري في جماعة من الأشعريين يزيدون على السبعين. وقدم عليه أبو هريرة وآخرون رضي الله عنهم أجمعين)
هؤلاء الصحابة رضوان الله عليهم قدموا من الحبشة وقد فرغ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من القتال في خيبر لكنهم ما قد انصرفوا فكلم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الصحابة الذين حضروا المعركة أن يسهم لهم - أي: أن يجعل لهم نصيبًا – ثم أسهم لهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وهذا فيه أن من جاء إلى المكان بعد المعركة فإنه لا يكون له سهم إلا بإذن من حضر.
وكان ضمن الذين كانوا في الحبشة أسماء بنت عميس رضي الله عنها صحابية فاضلة.ثبت في «الصحيحين» البخاري (4230-4231) ومسلم (2502 - 2503) عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: بَلَغَنَا مَخْرَجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ بِاليَمَنِ، فَخَرَجْنَا مُهَاجِرِينَ إِلَيْهِ أَنَا وَأَخَوَانِ لِي أَنَا أَصْغَرُهُمْ، أَحَدُهُمَا أَبُو بُرْدَةَ، وَالآخَرُ أَبُو رُهْمٍ، إِمَّا قَالَ: بِضْعٌ، وَإِمَّا قَالَ: فِي ثَلاَثَةٍ وَخَمْسِينَ، أَوِ اثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ رَجُلًا مِنْ قَوْمِي، فَرَكِبْنَا سَفِينَةً، فَأَلْقَتْنَا سَفِينَتُنَا إِلَى النَّجَاشِيِّ بِالحَبَشَةِ، فَوَافَقْنَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَأَقَمْنَا مَعَهُ حَتَّى قَدِمْنَا جَمِيعًا، فَوَافَقْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ، وَكَانَ أُنَاسٌ مِنَ النَّاسِ يَقُولُونَ لَنَا، يَعْنِي لِأَهْلِ السَّفِينَةِ: سَبَقْنَاكُمْ بِالهِجْرَةِ، وَدَخَلَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، وَهِيَ مِمَّنْ قَدِمَ مَعَنَا، عَلَى حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَائِرَةً، وَقَدْ كَانَتْ هَاجَرَتْ إِلَى النَّجَاشِيِّ فِيمَنْ هَاجَرَ، فَدَخَلَ عُمَرُ عَلَى حَفْصَةَ، وَأَسْمَاءُ عِنْدَهَا، فَقَالَ عُمَرُ حِينَ رَأَى أَسْمَاءَ: مَنْ هَذِهِ؟ قَالَتْ: أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، قَالَ عُمَرُ: الحَبَشِيَّةُ هَذِهِ البَحْرِيَّةُ هَذِهِ؟ قَالَتْ أَسْمَاءُ: نَعَمْ، قَالَ: سَبَقْنَاكُمْ بِالهِجْرَةِ، فَنَحْنُ أَحَقُّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْكُمْ، فَغَضِبَتْ وَقَالَتْ: كَلَّا وَاللَّهِ، كُنْتُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُطْعِمُ جَائِعَكُمْ، وَيَعِظُ جَاهِلَكُمْ، وَكُنَّا فِي دَارِ - أَوْ فِي أَرْضِ - البُعَدَاءِ البُغَضَاءِ بِالحَبَشَةِ، وَذَلِكَ فِي اللَّهِ وَفِي رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَايْمُ اللَّهِ لاَ أَطْعَمُ طَعَامًا وَلاَ أَشْرَبُ شَرَابًا، حَتَّى أَذْكُرَ مَا قُلْتَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَحْنُ كُنَّا نُؤْذَى وَنُخَافُ، وَسَأَذْكُرُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَسْأَلُهُ، وَاللَّهِ لاَ أَكْذِبُ وَلاَ أَزِيغُ، وَلاَ أَزِيدُ عَلَيْهِ،
فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّ عُمَرَ قَالَ: كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ: «فَمَا قُلْتِ لَهُ؟» قَالَتْ: قُلْتُ لَهُ: كَذَا وَكَذَا، قَالَ: «لَيْسَ بِأَحَقَّ بِي مِنْكُمْ، وَلَهُ وَلِأَصْحَابِهِ هِجْرَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَكُمْ أَنْتُمْ - أَهْلَ السَّفِينَةِ - هِجْرَتَانِ»، قَالَتْ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَبَا مُوسَى وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ يَأْتُونِي أَرْسَالًا، يَسْأَلُونِي عَنْ هَذَا الحَدِيثِ، مَا مِنَ الدُّنْيَا شَيْءٌ هُمْ بِهِ أَفْرَحُ وَلاَ أَعْظَمُ فِي أَنْفُسِهِمْ مِمَّا قَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ أَبُو بُرْدَةَ: قَالَتْ أَسْمَاءُ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَبَا مُوسَى وَإِنَّهُ لَيَسْتَعِيدُ هَذَا الحَدِيثَ مِنِّي .
(وَايْمُ اللَّهِ لاَ أَطْعَمُ طَعَامًا وَلاَ أَشْرَبُ شَرَابًا، حَتَّى أَذْكُرَ مَا قُلْتَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وهذا من شدة حرصها على الخير.
(فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَبَا مُوسَى وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ يَأْتُونِي أَرْسَالًا، يَسْأَلُونِي عَنْ هَذَا الحَدِيثِ) وهذا أيضًامن شدة حرصهم على الخيروالفوز بالأجر.
ثم قال الحافظ ابن كثير رحمه الله («وقد قال صلى الله عليه وسلم لجعفر: لا أدري بأيهما أنا أُسر، أبفتح خيبر أم بقدوم جعفر؟» ولما قدم عليه قام وقبَّل ما بين عينيه)
هذا في «الصحيحة» للشيخ الألباني رحمه الله (6/334-335).
 واستفدنا أن جعفرًا وأصحابه وأباموسى الأشعري وأصحابه قدموا من الحبشة السنة السابعة عند فراغ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من قتال اليهود في خيبر.
(وقد استشهد بخبير من المسلمين نحو عشرين رجلا رضي الله عنهم جميعِهم)
الذين استُشْهِدوا نحو عشرين رجلًا منهم عامر بن الأكوع رضي الله عنهم أجمعين.
     بعض المعجزات والأحكام التي وقعت:
- أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نفث في عينَي علي ابن أبي طالب رضي الله وكان أرمد فشُفي بإذن الله.
-أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبر أن فتح خيبر يكون على يد على فكان الفتح على يديه رضي الله عنه.
-أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبرعن رجل كان شُجاعًا أنه من أهل النار فكان كما أخبر.أخرج البخاري(4203)ومسلم (111) عن أبي  هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: شَهِدْنَا خَيْبَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ مِمَّنْ مَعَهُ يَدَّعِي الإِسْلاَمَ: «هَذَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ» . فَلَمَّا حَضَرَ القِتَالُ قَاتَلَ الرَّجُلُ أَشَدَّ القِتَالِ، حَتَّى كَثُرَتْ بِهِ الجِرَاحَةُ، فَكَادَ بَعْضُ النَّاسِ يَرْتَابُ، فَوَجَدَ الرَّجُلُ أَلَمَ الجِرَاحَةِ، فَأَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى كِنَانَتِهِ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهَا أَسْهُمًا فَنَحَرَ بِهَا نَفْسَهُ، فَاشْتَدَّ رِجَالٌ مِنَ المُسْلِمِينَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صَدَّقَ اللَّهُ حَدِيثَكَ، انْتَحَرَ فُلاَنٌ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَقَالَ: «قُمْ يَا فُلاَنُ، فَأَذِّنْ أَنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ إِلَّا مُؤْمِنٌ، إِنَّ اللَّهَ يُؤَيِّدُ الدِّينَ بِالرَّجُلِ الفَاجِرِ».وقد وقع عند مسلم (حنينا) بدل خيبر قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم(2/122): كَذَا وَقَعَ فِي الْأُصُولِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رحمه الله صوابه خيبر بالخاء المعجمة .اهـ.
-إخباره صلى الله عليه وعلى آله وسلم اليهود بالشاة المسمومة التي أرسلوا بها فاعترف اليهود .ونص الحديث تقدم وفي آخره أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قَالَ لَهُمْ: «فَهَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْ شَيْءٍ إِنْ سَأَلْتُكُمْ عَنْهُ» قَالُوا: نَعَمْ، فَقَالَ: «هَلْ جَعَلْتُمْ فِي هَذِهِ الشَّاةِ سَمًّا؟» فَقَالُوا: نَعَمْ، فَقَالَ: «مَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ» فَقَالُوا: أَرَدْنَا: إِنْ كُنْتَ كَذَّابًا نَسْتَرِيحُ مِنْكَ، وَإِنْ كُنْتَ نَبِيًّا لَمْ يَضُرَّكَ .
-تحريم لحوم الحمر الأهلية كما في «الصحيحين» البخاري (4217) ومسلم (561) عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ».
- تعليم الصحابة بعض آداب الذكر، كما في «صحيح البخاري» (4205) عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ، أَوْ قَالَ: لَمَّا تَوَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَشْرَفَ النَّاسُ عَلَى وَادٍ، فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّكْبِيرِ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، إِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا، إِنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا وَهُوَ مَعَكُمْ»، وَأَنَا خَلْفَ دَابَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَمِعَنِي وَأَنَا أَقُولُ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، فَقَالَ لِي: «يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ». قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى كَلِمَةٍ مِنْ كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الجَنَّةِ» قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، قَالَ: «لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ».
قال الحافظ في«فتح الباري»(7/587): هَذَا السِّيَاقُ يُوهِمُ أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ وَهُمْ ذَاهِبُونَ إِلَى خَيْبَرَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ إِنَّمَا وَقَعَ ذَلِكَ حَالَ رُجُوعِهِمْ لِأَنَّ أَبَا مُوسَى إِنَّمَا قَدِمَ بَعْدَ فَتْحِ خَيْبَرَ مَعَ جَعْفَرٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْبَابِ مِنْ حَدِيثِهِ وَاضِحًا .وَعَلَى هَذَا فَفِي السِّيَاقِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ لَمَّا تَوَجُّهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خَيْبَرَ فحاصرها فَفَتحهَا ففرغ فَرَجَعَ أَشْرَفَ النَّاسُ إِلَخْ .اهـ.
- حل ذبائح أهل الكتاب وطعامهم، وقد قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [المائدة:5].
-فتح خيبر عنوة .أخرج البخاري(371)ومسلم (1365) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا خَيْبَرَ، فَصَلَّيْنَا عِنْدَهَا صَلاَةَ الغَدَاةِ بِغَلَسٍ، فَرَكِبَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَكِبَ أَبُو طَلْحَةَ، وَأَنَا رَدِيفُ أَبِي طَلْحَةَ، فَأَجْرَى نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زُقَاقِ خَيْبَرَ، وَإِنَّ رُكْبَتِي لَتَمَسُّ فَخِذَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ حَسَرَ الإِزَارَ عَنْ فَخِذِهِ حَتَّى إِنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ فَخِذِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا دَخَلَ القَرْيَةَ قَالَ: " اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ {فَسَاءَ صَبَاحُ المُنْذَرِينَ} [الصافات: 177] " قَالَهَا ثَلاَثًا، قَالَ: وَخَرَجَ القَوْمُ إِلَى أَعْمَالِهِمْ، فَقَالُوا: مُحَمَّدٌ، وَالخَمِيسُ - يَعْنِي الجَيْشَ - قَالَ: فَأَصَبْنَاهَا عَنْوَةً، فَجُمِعَ السَّبْيُ، فَجَاءَ دِحْيَةُ الكَلْبِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَعْطِنِي جَارِيَةً مِنَ السَّبْيِ، قَالَ: «اذْهَبْ فَخُذْ جَارِيَةً» ، فَأَخَذَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ، فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَعْطَيْتَ دِحْيَةَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ، سَيِّدَةَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ، لاَ تَصْلُحُ إِلَّا لَكَ، قَالَ: «ادْعُوهُ بِهَا» فَجَاءَ بِهَا، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خُذْ جَارِيَةً مِنَ السَّبْيِ غَيْرَهَا» ، قَالَ: فَأَعْتَقَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَزَوَّجَهَا، فَقَالَ لَهُ ثَابِتٌ: يَا أَبَا حَمْزَةَ، مَا أَصْدَقَهَا؟ قَالَ: نَفْسَهَا، أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا، حَتَّى إِذَا كَانَ بِالطَّرِيقِ، جَهَّزَتْهَا لَهُ أُمُّ سُلَيْمٍ، فَأَهْدَتْهَا لَهُ مِنَ اللَّيْلِ، فَأَصْبَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرُوسًا، فَقَالَ: «مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَلْيَجِئْ بِهِ» وَبَسَطَ نِطَعًا، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالتَّمْرِ، وَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالسَّمْنِ، قَالَ: وَأَحْسِبُهُ قَدْ ذَكَرَ السَّوِيقَ، قَالَ: فَحَاسُوا حَيْسًا، فَكَانَتْ وَلِيمَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
في هذا الحديث دليلٌ أن خيبر فُتِحَت عنوة .قال ابن القيم رحمه الله في«زادالمعاد»(3/292):وَمَنْ تَأَمَّلَ السِّيَرَ وَالْمَغَازِيَ حَقَّ التَّأَمُّلِ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ خَيْبَرَ إِنَّمَا فُتِحَتْ عَنْوَةً، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَوْلَى عَلَى أَرْضِهَا كُلِّهَا بِالسَّيْفِ عَنْوَةً، وَلَوْ فُتِحَ شَيْءٌ مِنْهَا صُلْحًا لَمْ يُجْلِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا؛ فَإِنَّهُ لَمَّا عَزَمَ عَلَى إِخْرَاجِهِمْ مِنْهَا قَالُوا: نَحْنُ أَعْلَمُ بِالْأَرْضِ مِنْكُمْ، دَعُونَا نَكُونُ فِيهَا وَنَعْمُرُهَا لَكُمْ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا. وَهَذَا صَرِيحٌ جِدًّا فِي أَنَّهَا إِنَّمَا فُتِحَتْ عَنْوَةً، وَقَدْ حَصَلَ بَيْنَ الْيَهُودِ وَالْمُسْلِمِينَ بِهَا مِنَ الْحِرَابِ وَالْمُبَارَزَةِ وَالْقَتْلِ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ مَا هُوَ مَعْلُومٌ، وَلَكِنْ لَمَّا أُلْجِئُوا إِلَى حِصْنِهِمْ نَزَلُوا عَلَى الصُّلْحِ الَّذِي بَذَلُوهُ، أَنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّفْرَاءَ وَالْبَيْضَاءَ، وَالْحَلْقَةَ وَالسِّلَاحَ، وَلَهُمْ رِقَابُهُمْ وَذُرِّيَّتُهُمْ، وَيُجْلُوا مِنَ الْأَرْضِ، فَهَذَا كَانَ الصُّلْحَ، وَلَمْ يَقَعْ بَيْنَهُمْ صُلْحٌ أَنَّ شَيْئًا مِنْ أَرْضِ خَيْبَرَ لِلْيَهُودِ، وَلَا جَرَى ذَلِكَ الْبَتَّةَ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَقُلْ: نُقِرُّكُمْ مَا شِئْنَا، فَكَيْفَ يُقِرُّهُمْ فِي أَرْضِهِمْ مَا شَاءَ؟ وَلَمَّا كَانَ عمر أَجْلَاهُمْ كُلَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ، وَلَمْ يُصَالِحْهُمْ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لِلْمُسْلِمِينَ، وَعَلَيْهَا خَرَاجٌ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ، هَذَا لَمْ يَقَعْ، فَإِنَّهُ لَمْ يَضْرِبْ عَلَى خَيْبَرَ خَرَاجًا الْبَتَّةَ.
فَالصَّوَابُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً، وَالْإِمَامُ مُخَيَّرٌ فِي أَرْضِ الْعَنْوَةِ بَيْنَ قَسْمِهَا وَوَقْفِهَا، أَوْ قَسْمِ بَعْضِهَا وَوَقْفِ الْبَعْضِ، وَقَدْ فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَنْوَاعَ الثَّلَاثَةَ، فَقَسَمَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرَ وَلَمْ يَقْسِمْ مَكَّةَ، وَقَسَمَ شَطْرَ خَيْبَرَ وَتَرَكَ شَطْرَهَا .اهـ.

-في معاملة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يهود خيبر على شطر ما يخرج من الأرض جواز المخابرة.